قبل نحو خمس سنوات بدأنا نفقد بعض الزملاء الذين كانوا يكتبون معنا بمعرفات تنكرية في أحد المنتديات الحوارية على شبكة الإنترنت، سألنا عنهم فقيل إنهم هاجروا إلى الفيسبوك، كان الاسم غريبا وجديدا، لحقنا بهم إلى جمهورية الفيسبوك، قدمنا أوراق اعتمادنا وحصلنا بسرعة البرق على (التابعية الفيسبوكية)، وفي فضائه تخلينا عن أقنعتنا وصرنا نكتب بأسمائنا الصريحة، ممهورة بصورنا الحقيقية، نناقش، ونتحاور، نتفق تارة، ونختلف طورا، ونقول ما لا نستطيع قوله في أي مكان آخر، ومضت السنوات سريعة، وإذ بنا أيضا نشهد من جديد حالات الغياب المتوالية للكثير من الرفاق، يختفون بشكل متسارع الواحد تلو الآخر، وعندما سألنا عنهم، أبلغونا بأنهم هاجروا إلى جمهورية (تويتر) وما أدراك ما تويتر؟ كنت قد سمعت بهذا الكائن الرقمي أول مرة أثناء الاضطرابات الإيرانية، فقد لعب دورا في نقل ما يجري في المشهد الإيراني من أحداث. فلحقنا بالرفاق إلى جمهورية (تويتر)، غردنا مع المغردين، وهذه المرة وجدنا (علية القوم ونخبته) يتواجدون بكثافة أكبر مما كانوا في (الفيسبوك)، الأمراء، الوزراء، الشيوخ، السياسيون، الأدباء، والفنانون يبثون أخبارهم، وآراءهم، يمدون جسور التواصل مع الناس، في تطبيق تقني لما عرف بسياسة (الباب المفتوح)، هل قلت (باب مفتوح)؟ الصحيح أنه لا توجد جدران لتكون هناك أبواب. كل يغرد و يزقزق على ليلاه، وكل يعرض بضاعته، وكل يتباهى بأعداد متابعيه، فهي دلالة على الأهمية، الداعية عائض القرني (غرد) من داخل عربة قطار في لندن، بينما أنا أكتب هذه السطور قائلا: «قد بلغتم في قلبي قبل حسابي أربعمائة ألف متابع، سلامي على كل واحد منكم»، وقد سبقه الدكتور سلمان العودة فمتابعوه يناهزون النصف مليون من كل أنحاء العالم. وفي فضاء (تويتر) يتواجد كتاب الأعمدة الصحفية ليغردوا بما لا يستطيعون الهمس به من خلال زواياهم الصحافية، وحتى الصحف تتسابق وفي أوقات مبكرة لعرض أبرز عناوينها في عدد اليوم التالي. وشيئا فشيئا يمضي الفيسبوك في طريقه ليصبح موضة قديمة، بعد أن أصبح تويتر هو الموضة الجديدة، خصوصا عند المثقفين، وهو الآن يفوق عندهم موضة الاستماع إلى فيروز، التي كانوا يميزون بها أنفسهم عن الآخرين. والسؤال الذي تنتجه هذه التحولات في العالم الافتراضي، هو ماذا بعد تويتر؟ وأي موسم سيعقب موسم الزقزقة؟ [email protected]