مثلت لنا مبادرة الدكتور عبدالله الغذامي "مسكني" أن الروح الوطنية والروح الثقافية وحدة لا تقبل الانقسام، وذلك عبر إطلاقه مبادرته التي يطالب فيها رجال الأعمال والمقتدرين بالتبرع بالأراضي لصالح وزارة الإسكان عبر صفحته بتويتر، هذه المبادرة ليست إلا إعلانا لبداية عصر المثقف الوسيط الذي يعهد إلى ذاته بوساطة الإصلاح في مجتمعه، متماهياً معه في أكثر متطلباته الإنسانية احتياجا، والتخلي عن دور المثقف الرسولي الذي فقد رونق وصايته النخبوية. ويعبر الغذامي عن مبادرته مع الامتنان له على طرحها بأنها تتوجه إلى من أنعم الله عليهم بأراض يملكونها بأن يتبرعوا ببعضها لمصلحة مشاريع الإسكان، باعتبار هذه المبادرة أحد خيارات التكافل الاجتماعي، ولأنها قد تسهم في حل بعض مشاكل الإسكان، التي لا شك لامست حلم كل مواطن لمسكن آمن يجعله يشعر أنه ينتمي للأرض التي يعيش تحت سمائها، وأنه ليس إنسانا طارئا تنقضي حياته وتمضي في ترقب وانتظار وهو يلاحق حلم أرض، أو قرض. هي مبادرة جديدة وغير مسبوقة، لعلها تؤكد ضمن مطالبها على شمولها الأراضي البيضاء، وذلك لبطء التجاوب مع المبادرة حتى الآن. وهو بهذا يستعيد دوره الفاعل والخروج من دائرة المثقف الذي يكتفي بالتبشير بالأفكار إلى المساهمة من موقعه في جعلها واقعا يتبناه ويدعو له وينتمي إليه، حيث إن المثقف حسب الناقد علي حرب قد فشل بوصفه يمثِّل النخبة المستنيرة أو الطليعة المتقدمة أو الصفوة المختارة أو القيادة الواعية. لذا نحن عملياً أمام سؤال عميق وبنيوي، أين هو دور المثقف وأين موقفه؟ ويمكن أن نصف القائم على مبادرة "مسكني" بأنه مفكر غادر أروقة النسق الثقافي ليصغي بمحبة إلى الاحتياجات المادية المحسوسة، وليبعث برسالة واضحة إلى أهمية أن يلتفت المثقف إلى التأثير في عالمه المحيط بتحويله للأفضل وليس الاكتفاء بتأويله وحسب. وهو بالتحديد ما يمثل "روح العصر" الذي يساوي بين الطبقة العالمة والوعي الحقيقي من خلال تجربة تعزيز مبادرة مشاريع حية على أرض الواقع، وهو كل ما يلزم لإحداث علاقة منتجة بين المثقف ومشروعه الوطني. وهو دعوة كذلك إلى أن يعيد المثقف التفكير في مفهومه للثقافة وممارستها بطرق مغايرة وجديدة من التواصل، تمكنه من ممارسة دوره بفاعلية أكبر.