تصعب الكتابة عن الحج بصفته المجردة وعلى طريقة الفقهاء الذين يتحدثون عن أحكامه، ومع أن هذا النوع من الكتابة على درجة عالية من الأهمية باعتبار أن الحج ركن من أركان الإسلام لا بد أن يؤدى بشكل يتفق مع أحكام الحج، إلا أن أهمية الحج تكمن في أبعاد أخرى في غاية الأهمية. ثلاثة ملايين حاج تقريبا يأتون من كل فج عميق كما ذكر القرآن ويدفعون الغالي والنفيس لكي يصلوا إلى الديار المقدسة، وبعضهم يخطط لهذه الرحلة المباركة معظم سني عمره لكي يتمكن من بلوغها، هذه المشاعر التي يصعب وصفها من الذي أوجدها في نفوس أولئك القوم، ولماذا؟ دعنا نتخيل أن دولة ما ذات أهداف خاصة دعت من يشاء وعلى حسابها وفي ظروف مريحة لزيارتها.. كم شخصا سيذهب إليها؟! انظر الفرق واسأل: لماذا؟! الحج عبادة لا شك في ذلك ولكن مع العبادة أشياء أخرى، كلها عبادة ولكن من نوع آخر. اجتماع ملايين المسلمين ومن كل بقاع الأرض وفي أجواء إيمانية عميقة تفرض علينا أن نستفيد من هذا الاجتماع الذي لا يتكرر إلا مرة كل سنة. وعندما نرى واقع المسلمين والأجواء المضطربة التي تحيط بهذا العالم، سياسية واقتصادية وثقافية تجعل من هذا الاجتماع وسيلة مهمة لمحاولة جمع كلمة المسلمين لتصب في مصلحتهم وقوتهم ووحدتهم. أعرف أن أيام الحج قليلة ومليئة بالحركة والتنقل ولهذا فإن مشروع الاستفادة من الحج ينبغي أن يبدأ قبل الحج بأشهر وفي ديار المسلمين في البداية. يعجب مجموعة من المستشرقين قديما وكثير من غير المسلمين حديثا وهم يرون هذه الملايين تأتي في وقت واحد وفي لبس واحد لتؤدي عملا واحدا، وبرغبة وحب شديدين يستحيل أن يراهما أحد في غير هذا المكان.. ويتساءل هؤلاء: من الذي جعل هؤلاء يقومون بهذا العمل ولماذا؟! الإسلام بطبعه دين الوحدة والقوة والتسامح، دين المساواة بين جميع البشر، الدين الذي جعل العمل عبادة، والعلم عبادة، وحسن الخلق عبادة.. وهذه المقومات تجعل المسلم بطبعه يستجيب لكل داع لوحدة المسلمين وتواصلهم ووقوف بعضهم إلى جانب البعض الآخر، ليكونوا في نهاية المطاف أمة قوية تحافظ على نفسها وتفرض وجودها بين الأمم الأخرى. إن هذه الظروف التي يمر بها المسلمون تجعل من استغلال أية فرصة لتقويتهم وتثقيفهم أمرا في غاية الأهمية، لا سيما أن أية عبادة لا يتبعها عمل جيد تصبح عبادة ناقصة.