يحلو لبعض الناس أن يتباهى بمنتجات العصر الحديث وما جاء به من مخترعات مذهلة وتقنية متقدمة، يسرت الحياة للناس وأضافت إليها جمالا وطلاوة لم تنعم بها الأجيال السابقة التي لم يكتب لها أن تبلغ ما بلغه الناس في هذا الزمن من تقدم في العلوم والصناعات. لكن هذه المنتجات الميسرة للحياة، والمزخرفة بوسائل الترف والسرعة ووسائل الحياة الناعمة لم تجىء خالصة بذاتها، وإنما جاءت تصحبها مشكلاتها المادية والأخلاقية، فظهرت في حياة الناس مشكلات جديدة ما كان يعرفها أسلافهم من قبل. ظهرت انتهاكات أخلاقية يرتكبها فاعلوها عبر تلك المخترعات، مثل التجسس الإلكتروني والتمكن من اختراق البيانات في المجال السياسي والاقتصادي، ومثل توظيف وسائط التواصل الالكترونية في فضح الأسرار وكشف الخبايا، أو غير ذلك من الانتهاكات الأخلاقية التي أخذت تتنامى مع تنامي منتجات التطور العلمي والتقني في الحياة العصرية. وقد أدى تنامي الانتهاكات الأخلاقية الإلكترونية إلى تزايد المطالبات بفرض أنظمة وضوابط تكافح ما عد جرائم أخلاقية إلكترونية بهدف القضاء عليها أو الحد منها. إلا أن فرض الأنظمة ووضع الضوابط لم يحقق نجاحا ولم يظهر له تأثير يذكر في فرض الأمن الإلكتروني والحد من وقوع تلك الجرائم. ليس هذا فحسب، فقد شاع في هذا العصر في عدد من دول العالم المتحضر، سن أنظمة وضوابط تهدف إلى حفظ الحقوق الفكرية والعلمية ومنع تداول المنتجات الفكرية دون إذن أصحابها، واشتطت تلك الأنظمة في فرض الغرامات والتعويضات وحماية حقوق صاحب المنتج المادية والمعنوية، لكن تلك الأنظمة هي أيضا لم تحقق النجاح المرجو، فهي وإن حفظت حقوق أصحاب الموارد الفكرية والعلمية والفنية من الضياع، إلا أنها من جانب آخر ضيقت فرص الحصول الميسر على المعرفة، بعد أن صارت تتعامل مع تلك المنتجات كما لو أنها مواد تجارية وليس معرفية، فبات الحصول عليها موقوفا على من يدفع الثمن. والنتيجة هي تحول الكثيرين إلى الحصول على المقلد والمزيف من المنتجات الفكرية لتدني أسعارها، مما تسبب في ازدهار تجارة المنتج المقلد في مقابل المنتج الأصلي، وبدت تلك الضوابط والأنظمة المفروضة كما لو أنها تعمل على تشجيع ممارسة الانحرافات الأخلاقية الفكرية بدلا من مكافحتها.. بل إنه حتى على مستوى الدول، تجد أحيانا بعض الدول تتبنى سياسة الاحتكار لما تملكه من منتجات علمية أو تقنية لتتخذ من ذلك سلما إلى الهيمنة السياسية وإملاء ما تريد من شروط، بعد أن صار من حق الدول المنتجة للمعرفة أن تمنع تصدير ما لديها من منتجات علمية أو طبية للدول التي تختلف معها.