عندما نتحدث عن حقوق الملكية الفكرية فإننا نتحدث عن ثروات مالية ضخمة يفترض أن تذهب لمصلحة المبدعين، المفكرين، المؤلفين، ومنتجي البرامج والشركات الراعية لهم، إضافة إلى العوائد المباشرة، وغير المباشرة التي تنعكس على قطاعات الاقتصاد التي باتت تعتمد كثيرا على الإنتاج المعرفي. وإن ضياع حقوق الملكية يؤدي إلى تدمير الصناعة البرمجية والفكرية وهو ما يؤثر سلبا على الاقتصاد والإنتاجية، ونجد إن إصرار "بيل جيتس" مالك شركة مايكروسوفت على حبس طالب آسيوي بسبب استخدامه برنامج مقلد لمنتجات مايكروسوفت، يُبرهن احترام القوانين والأنظمة وتطبيق العقوبات كي تؤدي إلى خفض معدلات القرصنة والمحافظة على الحقوق الفكرية. وأكد مختصون ل"الرياض" أن نقص الخبرة في دوائر الشرطة والادعاء والقضاء بالتعامل مع ما يقع من جرائم في مجال انتهاك قواعد البيانات وصعوبة الحصول على الأدلة الرقمية ومعالجتها، تعقّد المشاكل وتداخل القوانين عند حصول الجرائم المعلوماتية فيما وراء الحدود حيث إن السمة الغالبة لكثير من جرائم المعلومات أنها من النوع العابر للحدود لذلك تثير مسائل شديدة التعقيد ويصعب السيطرة عليها. وبينوا أن طرح البرامج بأسعار تتناسب مع مستوى دخل الفرد وقدرته على اقتنائها دون أن يضطر لتوفير الجزء الأكبر من ميزانيته الشهرية، يمكن أن يساعدان في خفض معدلات نسخ البرامج بطريقة مخالفة للأنظمة والقوانين. وطالبوا بالتوعية المستمرة بالحملات الإعلامية المكثفة واستغلال الفعاليات الأدبية والثقافية لرفع الوعي المعرفي والثقافي والإيعاز لرجال الدين لتناول هذا الأمر في توجيهاتهم وحث الناس على مراعاة حقوق الآخرين والمحافظة عليها، التي حث عليها ديننا الحنيف، مشددين في الوقت ذاته على إدراج مواضيع تتعلق بهذه الحقوق ضمن المناهج الدراسية ليعي النشء هذه الحقوق ويحترمها. وتطرح "الرياض" تحقيقاً موسعاً حول القضايا المتعلقة بقرصنة البرامج الالكترونية، من خلال الجهات ذات العلاقة بهذا الموضوع وهي: الاقتصاد، الأمن، القانون، والإعلام. بدايةً، قال فضل البوعينين الخبير الاقتصادي، إن هناك ضرراً مزدوجاً يقع على المنتجين، بتصنيفاتهم المختلفة، وعلى الاقتصاد بشكل عام، مشيرا إلى أن معدلات القرصنة الإلكترونية في العالم سجلت العام الماضي، بحسب دراسة أعدتها جمعية منتجي برامج الكومبيوتر في الولاياتالمتحدة، خسائر تجاوزت 48بليون دولار، وهو رقم خيالي إلا أنه يمثل جزءاً من مجمل الخسائر العالمية التي تحدث بسبب ضياع حقوق الملكية في القطاعات المختلفة. وأكد الخبير الاقتصادي، أن حفظ حقوق الملكية الفكرية للشركات السعودية والأجنبية خصوصا بعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة العالمية من ظاهرة القرصنة، يتم من خلال القانون، وتفعيل الرقابة، ونشر الوعي الفكري، وتجريم عمليات القرصنة، وتشديد العقوبات، وتنفيذها على المخالفين هي أداة فاعلة للمحافظة على الحقوق الفكرية، وبذلك سننجح في خفض معدلات سرقة حقوق الملكية الفكرية، مناشدا باستغلال الجانب الديني في نشر الوعي الفكري المعارض لعمليات القرصنة بأنواعها ليكون له الأثر الأكبر في القضاء على ظاهرة القرصنة. واعتبر أن ارتفاع تكلفة شراء البرنامج الواحد بأسعار مبالغ فيها سبب لنسخها ثم بيعها بأسعار منخفضة جداً، موضحا أن ارتفاع التكلفة لا يمكن أن يبرر السرقة، وينسحب الأمر إلى نسخ البرامج بقصد استخدامها يعتبر مخالفة يعاقب عليها القانون إلا أن نسخها وإعادة بيعها تعتبر متاجرة في مواد مسروقة والعقاب يفترض أن يكون أشد في هذه الحالة، مضيفاً" للأسف الشديد فبعض الدراسات الميدانية تشير إلى وجود شركات تقوم باستخدام البرامج المنسوخة وهذا يؤكد على أن نسخ البرامج وتوزيعها تحولا إلى تجارة ولم تتوقف عند حد النسخ للاستخدام تحت عذر "المبالغة في أسعار البرامج". ومن الجانب الأمني، يقول الدكتور سعيد بن عطية الشرم مدير مركز المعلومات والحاسب الآلي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، إن أهم معوقات حماية حقوق المؤلف الفكرية وبالتحديد البرامج أو الأفكار والمؤلفات العلمية المخزنة على وسائط تقنية المعلومات كالأقراص الضوئية أو الأشرطة الممغنطة أو مواقع الانترنت، يتمثل في عدم حرص المؤلف أو صاحب الحق على حماية ممتلكاته الفكرية، حيث لا يقوم بعض المؤلفين بالإجراءات اللازمة لحماية ممتلكاتهم ومن هذه الإجراءات، تجهيز الوسيط المادي المحتضن للمعلومات بحمايته من النسخ غير المشروع، كتابة عبارة توضح أن هذه المعلومات محمية وذات حقوق محفوظة للمؤلف أو المنتج، مبينا إذا كان المنتج برنامجاً يتم تشغيله على الحاسب الآلي فلا بد من تجهيزه بما يلزم لضمان حفظ حقوق المنتج عند تركيب البرنامج. وأوضح الشرم، أن على المنتج إتباع إحدى طرق الحماية الخاصة بالبرامج كأن يصمم البرنامج ليستخدم بشكل تجريبي بحد زمني ويعده بحيث يصدر رسائل دورية تبين الوقت المتبقي لعمل البرنامج، وتبين الرسالة أهمية إدخال مفتاح تنشيط المنتج في حالة الرغبة بتشغيل النسخة الكاملة وأن البرنامج سوف يتوقف عن العمل بعد انتهاء الفترة التجريبية التي تختلف من منتج لآخر وهي في الغالب ثلاثة أشهر وقد تكون شهراً واحداً. وتابع: وبعد أن يقوم المؤلف أو المنتج باتخاذ التدابير المناسبة لحماية ممتلكاته الفكرية وحفظ حقوقه يأتي دور المؤسسات الأمنية في محاربة ضعاف النفوس الذين يحاولون استخدام الوسائط ذات الملكية المحفوظة بانتهاك الحق بطرق القرصنة المعروفة مثل: كسر كلمات المرور ،أو نسخ البرامج الأصلية أو سرقة المادة العلمية وتعديلها وادعاء حق ملكيتها ونشرها ، والإجراءات التي يمكن أن تقوم بها أجهزة الأمن لا بد أن تكون قبل انتهاك حقوق الملكية وبعد تحقق الانتهاء وبالضبط عند التبليغ عن الانتهاك حيث تصبح جريمة مبلغاً عنها وتنتقل إلى الشرطة الجنائية. وأكد مدير مركز المعلومات والحاسب الآلي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، أن التدابير الأمنية الخاصة بالحد من جرائم انتهاك حقوق الملكية وقرصنة المعلومات تتميز بأنها تتم قبل حصول الجريمة فنظرا لأهمية الوقاية حيث إن درهم وقاية خير من قنطار علاج فإن الجهات الأمنية في المملكة تبذل جهودا جبارة للحد من انتهاك حقوق الملكية في إطار الجهود المبذولة للحد من الجرائم المستحدثة، لافتا إلى أن جهود جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية عبر الندوات والمؤتمرات ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مؤتمر علوم الأدلة الجنائية والطب الشرعي الذي انعقد عام 1428ه محاور تخص الجرائم الإلكترونية حيث تضمنت مشاركة بعنوان الإجراءات المضادة للجرائم الالكترونية في تايوان، ومشاركة بعنوان الإثبات الجنائي بالأدلة الرقمية من الناحيتين القانونية والفنية دراسة مقارنة، إضافةً إلى نشر الكثير من الإصدارات العلمية والرسائل العلمية التي تتناول مواضيع حقوق الملكية الفكرية التي تتوفر في المكتبة الأمنية بالجامعة. وذكر الشرم أن من المعوقات الأمنية تجاه حماية حقوق المؤلف الفكرية للقضاء على ظاهرة القرصنة بسبب عدم وجود اتفاق عام مشترك بين الدول حول نماذج إساءة استخدام النظم المعلوماتية الواجب تجريمها، وكذلك عدم الاتفاق على مفهوم عام حول التعريف القانوني للنشاط الذي يمكن تجريمه أو يفترض الاتفاق على تجريمه، مشيرا إلى أن هناك اختلافاً بين مفاهيم الجريمة لاختلاف التقاليد القانونية وفلسفة النظم القانونية المختلفة، بإضافة إلى عدم التنسيق بين قوانين الإجراءات الجنائية للدول المختلفة فيما يتعلق بالتحري والتحقيق في جرائم المعلوماتية. وشدد مدير مركز المعلومات والحاسب الآلي في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، على صون حقوق الملكية الفكرية لمطوري البرمجيات بتطوير وتطبيق خطة إستراتيجية تتضمن مجموعة من النشاطات تنفذ بشكل متواكب ولمدة طويلة بحيث تؤتي أكلها وتحقق أهدافها ومن هذه النشاطات: حصر المنتجات البرمجية المصنعة في المملكة ودعمها ماديا ومعنويا وتسهيل انتشارها والتعريف بها داخل وخارج المملكة، وتشجيع ودعم تنفيذ إجراءات الحماية وعدم قبول ترخيص المنتج البرمجي إلا بعد التأكد من اتخاذ إجراءات الحماية المناسبة ضد القرصنة المعلوماتية، منبها إلى عقد الندوات والمؤتمرات التي تتناول حماية الحقوق الفكرية وجرائم تقنية المعلومات التي تتضمن انتهاك لحقوق الملكية الفكرية. وطالب الشرم بالمشاركة في النشاطات الدولية التي تهتم في الحماية الفكرية والاستفادة من الدول التي سبقت في هذا المجال، وكذلك التعريف بالاتفاقات الدولية والتشريعات الخاصة بحقوق الملكية الفكرية ونشرها، مشيرا إلى أهمية إدخال مفاهيم حقوق الملكية الفكرية وضرورة حمايتها في المناهج التربوية بالمدارس والجامعات، وتجهيز شبكات المعلومات بأجهزة حماية ومسجلات ترصد حركة البيانات عند بوابات الشبكات، بما في ذلك توعية المنتجين بضرورة بذل الجهود المناسبة لحماية منتجاتهم المعلوماتية. ومن الجهة القانونية، أبان ماجد بن طالب مستشار قانوني ومحامي، أن هناك تشريعات كثيرة خاصة بحماية الحقوق الفكرية، بالإضافة للاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها المملكة، وأيضا الاتفاقيات الثنائية، وما تبعها من تشكيل لجان دائمة خاصة بحماية الحقوق الفكرية، مؤكدا أن الإشكالية ليست في ذات الأنظمة وإنما في تطبيقها والآلية التي من خلالها يتم إعمال الأنظمة الخاصة بحماية حقوق الملكية الفكرية، والكوادر المؤهلة، مشددا على تطبيق تلك الأنظمة والتي سيكون لها الأثر الكبير في النهوض بالاقتصاد الوطني وجذب المستثمرين، والانتصار للحقوق الفكرية والإبداعية، والتقدم خطوات في هذا المجال واللحاق بركب الدول المتقدمة، وكسب الثقة من الدول الأخرى. واعتبر المستشار القانوني والمحامي، أن السبب الرئيسي في انتشار قرصنة البرامج المقلدة أو المنسوخة والتي تمثل من المخاطر الكبيرة على بيئة الأعمال في السعودية، كالآتي: ضعف الوازع الديني، لأن مقاصد الشريعة حفظ الكليات الخمس" الدين، النفس، النسل، العقل، المال"؛ مستدلاً بحديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم: "لا يحل مال أمريء مسلم إلا بطيب نفس منه"، وفي التقليد والنسخ هدر لحقوق الغير وأخذ ملا يحق له أخذه، موضحا أن غالبا في المجتمعات الضعيفة يتدنى المستوى الثقافي والحضاري لدى المقلد، وكذلك الأنانية، وانعدام الحس الاجتماعي، ففي التقليد يحقق المستفيد مصلحة ذاتيه، متناسيا المصلحة العامة وأن الحق في ذلك للغير، إضافةً إلى عدم تفعيل الأنظمة الموجودة، وعدم القدرة على وضع آلية مناسبة لتطبيقها.وفي السياق ذاته، أوضح مساعد مدير عام حقوق المؤلف والمشرف على فرع الرياض عبد الله العصيمي، أن أسباب انتشار قرصنة البرامج المقلدة أو المنسوخة كثيرة ومنها: ارتفاع أسعار البرامج الأصلية فارتفاع الأسعار يجعل هناك هامش ربح كبير يستفيد منه القراصنة فلو أن الشركات أخذت بفكرة أربح قليلاً تبيع كثيراً كان ذلك سيساعد الجهات المعنية بتطبيق نظام حماية حقوق المؤلف في الحد من انتشار البرامج المقلدة لأن ارتفاع أسعار البرامج الأصلية جعل من يمتهن هذه المهنة يكسب أرباحاً خيالية، خاصةً أن ضخامة السوق السعودية واتساع رقعتها يصعبان السيطرة على سوق كبير قياسا على الدول المجاورة، مبينا أن المملكة بحاجة إلى جهاز ضخم وقوي لكي تتابع السوق وترصد حركة القراصنة. واتهم العصيمي الشركات أصحاب الحقوق بسبب عدم بذل جهود كافية في بلدان التصدير لهذه البرامج المقلدة فلو أن الشركات مارست ضغوط على حكوماتها لتبذل جهودا كافية في بلدان التصدير لما انتشرت، متسائلاً في الوقت نفسه: لماذا لا توقف الشركات التصدير أو تقاضي المتسببين في التصدير بدلا من ملاحقة ذلك في البلدان المستهلكة، معتبرا أن بلدان التصدير والجهود التي تبذل هناك ستكون أجدى بكثير، مطالباً بأن "يحاسب من يدحرج الكرة إلى منزلي ويُطءلب مني أن اسمح بتفتيش منزلي للبحث عنها". وذكر مساعد مدير عام حقوق المؤلف والمشرف على فرع الرياض، أن هناك قصوراً من الشركات المنتجة فيما يتعلق بالتوعية للمستهلك أو للموزع فالموزع عادة يحب أن يبيع كمية كبيرة وبدخل أفضل، وبعض المؤسسات تشتري برامج هي لا تحتاج إلا لوظيفة أو وظيفتين والباقي تدفع المؤسسة قيمته ولا تستفيد منه فلو أن هناك توعية لانخفض سعر بعض البرامج، واستشهد بصاحب مؤسسة أتى إلى إدارة حقوق المؤلف، مشيرا إلى أن سعر البرنامج الأصلي أربعون ألف ريال وعندما سألته الإدارة على حاجته في هذا البرنامج توصلت إلى أن حاجته من البرنامج لا تزيد عن مبلغ ثمانية آلاف ريال وبذلك انخفض السعر إلى الخُمس عندما تم تنويره بوظيفة البرنامج وما يمكن أن يستفيد من وظائفه، في حين أن الشركات لا تبذل الجهود الكافية في مجال التوعية لحاجة المستخدم لبرامجها وتركت الموضوع بأيدي الموزعين كما أن الشركات تبيع البرامج في بلدانها بسعر في السنة الأولى وفي السنة الثانية بسعر أقل ولاتطبق هذا المبدأ في المملكة. أما بالنسبة للمعوقات قال العصيمي إن منها العمالة السائبة فغالبا المقرصنونين للبرامج هم من العمالة السائبة الهاربة من كفلائها، وكذلك ارتفاع الأسعار مما يجعل الجهود المبذولة تذهب سدى حيث تدر القرصنة أرباحاً كبيرة فهناك ممارسات في بعض المجتمعات بعقوبة أشد من العقوبة التي تطبق بحق مخالفي نظام حقوق المؤلف ورغم ذلك لم تنقطع، وضعف التوعية بأغراض البرامج من قبل الشركات المصنعة فالشركات تعتمد على الموزعين والموزعونين يهمهم البيع بأكبر قدر ممكن مما سبب عزوف الشركات والمؤسسات عن شراء البرامج مرتفعة التكاليف طالما هناك البديل بسعر رخيص جدا، معتقدا أن الشركات لو وضعت برامج توعية بأهمية شراء الأصلي ووضعت حوافز فيما يتعلق بترقية البرامج والعون التقني لمستخدمي البرامج والتركيز على الأضرار التي يمكن أن تحدث من استخدام المقلد لساهم ذلك في جذب المستخدمين إلى شراء البرامج الأصلية. وحمّل مساعد مدير عام حقوق المؤلف والمشرف على فرع الرياض، مسئولية حماية الملكية الفكرية ثلاث جهات في المملكة؛ فالعلامات التجارية من اختصاص وزارة التجارة والصناعة وبراءات الاختراع من اختصاص مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وحقوق المؤلف من اختصاص وزارة الثقافة والإعلام، مبينا أنه لا توجد إحصائية دقيقة لعمليات قرصنة البرامج بالنسبة للشركات والأفراد لأن معايير قياس القرصنة مبنية على فرضيات تحتمل الصح والخطأ، مطالباً الجهات المعنية مضاعفة الجهود وما ينطبق على معدلات القرصنة ينطبق على تقدير الأضرار والخسائر. تكون هذه الأرقام عن طريق الرسم البياني: جهود اللجان الأمنية في المملكة العربية السعودية لضبط المخالفات في عام 1428ه