قبل شهور قليلة، حين أعلنت وزارة الثقافة والإعلام عن الضوابط المنظمة للنشر الإلكتروني، أبدى بعض الناس امتعاضهم بحجة أن في ذلك تقييدا وحجبا لحرية التعبير، كما أنهم يرونه حظرا لا جدوى منه، فالوزارة مهما اجتهدت في المتابعة لن تستطيع بكل ضوابطها وأنظمتها أن تحول كليا دون نشر ما يراد نشره عبر تلك الوسائط. أي أن الناس حسب ما يبدو، لا يعولون كثيرا على تحقيق الانضباط الأخلاقي من خلال فرض الأنظمة الصارمة، ربما لأنهم يرون أن انحراف الأخلاق الفكري غير منحصر فقط في عدم التورع عن الإساءة إلى الآخرين بنهش أعراضهم وهتك أستارهم عبر وسائط النشر الإلكتروني، فجرائم الأخلاق الفكرية تتعدد أشكالها وتتنوع في هذا المجال مثل تعمد تزييف الحقائق، وتزوير الدرجات العلمية، وسرقة نتاج الغير ونسبته إلى الذات، وغياب الأمانة في نقل المعلومات، والغرور بتصور بلوغ كامل المعرفة، وتعمد إخفاء الحقائق التي قد لا تجد لها ترحيبا لدى البعض، وغيرها من انحرافات الأخلاق الفكرية التي لا تجدي معها الضوابط ولا الأنظمة. هذه الانحرافات الأخلاقية هل يمكن فصلها عن ثقافة المجتمع التي يتشربها أبناؤه منذ نعومة أظفارهم؟ ما أظنه هو أن أخلاق الفرد تنسج من خيوط ثقافة مجتمعه، هي امتداد للأخلاق العامة، بمعنى أن سلوك الفرد في معظم المرات يمثل انعكاسا لما تتضمنه ثقافة المجتمع من مثل وقيم ومبادئ. فالطريقة التي يتعامل بها الناس داخل مجمعهم مع بعضهم البعض هي التي تفرض عليهم نوع الخلق الفكري الذي يمارسونه، فالثقافة المجتمعية التي تتعامل مع الكذب وخلف الموعد ونقض الوعد كمسلمات لا بد منها (لتسليك) أمور الحياة، من المستبعد أن يكون موقفها في الجوانب الفكرية غير ذلك. حين تكون ثقافة المجتمع ميكافيلية التوجه، تبحث عن بلوغ الغاية من غير نظر إلى الوسيلة، فإن القيم الأخلاقية المثلى تختفي تحت طيات الرغبة في بلوغ الغاية، وحين تتصدر غايات مثل الانتقام أو إسقاط عدو أو الحصول على الثناء أو تحقيق الشهرة أو التباهي بامتلاك درجة علمية وغير ذلك من الغايات، يظهر التشبث بالأخلاق كأمر لا قيمة له، بل يبدو معيقا ومعرقلا بلوغ الغايات، لذلك لا يجد البعض غضاضة في أن يزيف درجة علمية لم يشق في الحصول عليها، أو أن يزعم تبني فكرة لم تولد بين طيات دماغه. فثقافته المجتمعية التي نشأ عليها وتشربها تعطيه الضوء الأخضر المبيح للتجاوزات عند الرغبة في بلوغ الغايات. عزيزة المانع عكاظ