إذا كان المهدي المنتظر والمسيح سيأتيان لتحرير فلسطين: فلماذا أنت هناك...؟ تقول فتاة لبنانية ظهرت على شاشة قناة العربية إنها تعتبر زيارة نجاد للبنان معجزة إلهية ، ويبدو أن نجاد رد على تلك الفتاة بقوله إن المهدي ومعه المسيح عليه السلام سوف يأتيان لتحرير فلسطين وكأنه يذيع هذا الخبر على العالم لأول مرة في التاريخ. الموقف لم يكن يحتمل هذه الإشارة الأيديولوجية ولكن نجاد كما يبدو كان يدرك انه يتحدث مع فئات من الشعب اللبناني لا ترى في الصورة التي أمامها سوى لون واحد فقط فالتدجين الفكري والعسكري قائم لأكثر من ثلاثة عقود مضت. لقد ظهر نجاد كما يبدو متزنا بارعا في تبني الهدوء السياسي الذي رافق الزيارة، حيث لم يشر إلى أي مسار سياسي شائك في خطبته في الجامعة اللبنانية والتي كان متوقعا أن يطرح فيها قضايا حساسة تخص لبنان وغير لبنان، حاول نجاد أن يكون هادئا إلى درجة كبيرة ليس لأن الزيارة خطط لها لتكون بهذه الصيغة ولكن لأسباب أخرى. لقد كانت الزيارة كما يبدو تحمل مسارين يعتمدان على الموقف العالمي والعربي المسار الأول يعتمد على الإثارة للخصوم والأعداء في حال كانت الأجواء الداخلية للبنان والأجواء العالمية سوف تظل صامته تتفرج على الزعفران الإيراني وهو يقدم للزبائن، المسار الثاني هو مسار الهدوء وتحقيق النتائج بصمت كامل مع إشارات بسيطة كتلك التي فعلها نجاد في خطابه عندما كان في اقرب نقطة من إسرائيل وكان في ابعد نقطة عن لبنان. لم يكن خطاب نجاد في (بنت جبيل) يهتم بلبنان بل كانت مجموعة رسائل استخدم فيها البريد اللبناني إلى أمريكا فقط وليس لإسرائيل وحدها كما يظن البعض ، فالتاريخ القديم والحديث يؤكدان أن إيران لم ولن تخسر رصاصة واحدة في سبيل فلسطين ولن يستطيع احد أن يثبت غير ذلك وهذا سؤال مشروع لكل الذين يحاولون أن يجدوا علاقة منطقية بين ما تفعله إيران في لبنان وغيره ، الجميع في العالم العربي لن يتمكنوا من الثقة في العمل الإيراني في المنطقة لأنه لا يقدم التضحية الكافية لإثبات نواياه في دعم تحرير الأرض الفلسطينية كما تدعى السياسة الإيرانية فكل ما يحدث هو إعادة تشكيل لتصدير الثورة. عندما وطأت قدما احمدي نجاد الأرض اللبنانية وشاهد ذلك الحشد الكبير في استقباله لم يكن مصدقا أن هذا يحدث في لبنان ولكنه أدرك انه في طريقه لمضغ لبنان كمكعب سكر سوف يذوب في الفم الإيرانية رويدا رويدا وقد تكون الزيارة الثانية اهم. المشاهد لتلك الحشود يتوقع أن يذوب لبنان في الفم الإيراني سريعا ولن تستطيع حبة واحدة من تلك الحبات المتناثرة في ارض لبنان مقاومة ذلك الذوبان، لقد كشفت تلك الزيارة عن أن الخط الإيراني ليس خطا سياسيا إسلاميا يتعاطف مع القضايا الإسلامية أو العربية كما يبدو، فعبر ثلاثين سنة مضت ومنذ قيام الثورة الإيرانية لم يثبت ما يدل على هذا الاتجاه: إذن يظل السؤال المحير للعالم ماذا تريد إيران من كل ذلك...؟ كما انه ليس من العدل أن نعتقد أن استخدام حزب الله من قبل إيران إنما يمثل اندماجا كاملا في تحرير الأرض اللبنانية ومن ثم تحرير فلسطين من الأعداء..!. كل ما يتمناه العرب بجميع طوائفهم الدينية وأديانهم أن تكون نتائج زيارة نجاد والمتوقع ظهور آثارها في المستقبل القريب في صالح لبنان ولكن كما يبدو للمتابعين أن لبنان واستقراره لم يكونا الأهم في زيارة الرئيس نجاد فلم يخرج اللبنانيون مبدئيا من تلك الزيارة وخاصة المؤيدين لهذه الزيارة سوى أنهم اضطروا لرفع الأعلام الإيرانية وأعلام حزب الله فوق علم لبنان في إشارة إلى أن لبنان قد يذوب رويدا رويدا في الفم المملوء بالايدولوجيا. كنت أتمنى أن لا يكون الانتظار طويلا للعرب والمسلمين واللبنانيين خاصة فقد قال لهم نجاد الذي صفقوا له كثيرا إنه لن يأتي لتحرير لبنان وإنما أوكل هذه المهمة للمهدي المنتظر وللمسيح الذي تؤمن كل الأديان بأن المسيح لا يأتي إلى ارض فلسطين إلا في آخر الزمان قبل القيامة. هذه الرسالة المؤدلجة سوف يفهمها الاسرائيليون وغيرهم ولكنها تمر مرور الكرام على بعض المسلمين المساكين الذين يعتبرون هذه الزيارة معجزة إلهية، لذلك عليهم أن ينتظروا المهدي والمسيح لإخراج اليهود من ارض فلسطين. سؤال مشروع آخر: لماذا هذا الحشد ولماذا هذه الزيارة ولماذا كل سلاح المقاومة إذا كنا سوف ننتظر نهاية الدنيا لتحرير فلسطين من اليهود، ولماذا يقلق الشعب اللبناني من اجل أرضه؟ المقاومة لمن وعن ماذا إذا كان القائد الذي سوف يحرر الأرض هو المهدي المنتظر أو المسيح ولا أحد غيره؟ هذه الزيارة ليس لها علاقة بفلسطين أو إسرائيل كما أعتقد شخصيا هناك قضية أخرى خلف هذا كله لابد من البوح بها بدلا من استخدام تلك الشعوب المسكينة لتشكل غطاء أيديولوجيا وسياسيا للمشروعات الكبرى في المنطقة. لبنان عربي وسوف يظل كذلك والعرب لا يشعرون بالرضا أو حتى المجاملة للمشروع الإيراني في المنطقة وليس هناك عربي مهما كان شكله أو جنسه يمكن أن يسمح للمشروع الفارسي بالقرب من أرضه ولكن عندما يستخدم الدين مقودا ومركبة للأهداف السياسية تتغير المواقف، والحقيقية أنني استغرب وبشدة كيف يستطيع الكثير من العرب باختلاف مذاهبهم أن يصدقوا مشروع إيران وليس لديهم أو في جعبتهم ملحمة تاريخية واحده تثبت مصداقية الموقف الإيراني في المنطقة؟! الأموال التي دفعت هنا وهناك لم تكون سوي أموال مذهبية وليست أموال مقاومة فمن صنع المقاومة وعززها مع الأسف هم من العرب من داخل لبنان وخارجه والذين استساغوا زراعة منتجاتهم في ارض الغير، ولكن الذين قاموا بتوفير المياه لهذه النبتة لم يكونوا من بني جلدتهم. ماذا تريد إيران من المنطقة .. ؟ الجواب عن هذا السؤال متاح للجميع فالذين لا يرون في إيران سوى المذهب الشيعي يجزمون أن إيران ساعية إلى نشر هذا المذهب وتحريك رموزه في المنطقة والعالم ، أما الذين يرون العرق الفارسي في إيران يجزمون برغبة عارمة لاستعادة مجد كسرى ، أما المساكين وخاصة من إخوتنا العرب في لبنان وبعض أجزاء فلسطين فيصدقون أن هناك من يريد أن يدعمهم ولذلك لابد من الإشارة إلى أن الدول لا تضحي بنفسها أو بمواقفها من اجل الآخرين إلا إذا كانت تدرك أنها تسيطر على الجميع دون استثناء. إيران قبل الثورة كانت دولة لها قيمتها السياسية والعسكرية وكانت تشكل ميزانا للقوى وكانت تتعامل مع موضوع التوازن العسكري والسياسي في المنطقة بطرق عقلانية إلى حد كبير حيث تكتفي بالموقع السياسي الذي حصلت عليه في ذلك الزمان دون مساس بالآخرين وسيادتهم ، أما إيران بعد الثورة فقد تغيرت الموازين لديها فهي تريد اكبر مما تعد به وتزحف أكثر مما تستطيع فحتى القضية الفلسطينية التي تحاول هي اللعب بأدواتها لا تفعل شيئا من اجلها سوى إعادة تشكيل الأتباع والمؤيدين عبر الأموال أما التحرير والمشاركة الحقيقية فقد تم تأجيلهما لحين ظهور المهدي والمسيح. لقد كانت الرسالة واضحة لإسرائيل التي تفهم هذه اللغة ومثيرة يصفق لها الجمهور الذي حضر خطاب الرئيس الإيراني في (بنت جبيل) فرسالة الرئيس الإيراني تقول إن تحرير الأرض ليس من مهامنا ومهامكم فلديكم مهام أخرى تخص إيران وليس فلسطين وعليكم أن تتركوا الأمر حتى نهاية الدنيا ليأتي من يحرر الأرض. لقد حان الوقت للعالم العربي وشعوبه أن يعيدوا قراءة تاريخ المنطقة ويستفيدوا من تجارب العالم ليدركوا انه حان وقتٌ يجب أن تتحرر فيه العقول من سيطرة الأيديولوجيات التي حولت العقل البشري ذا القدرات الخارقة إلى مجرد صندوق فارغ من كل شيء .