هل يصح أن توضع الفتاوى موضع الفكاهة؟ وما صحة أن يصدر فقيه حكما لا يريد به أكثر من إثارة التبسم؟ من يقرأ في كتب الأدب العربية يجد في مأثورات الأدباء والفقهاء شيئا من هذا، يقول عبيد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي، أحد فقهاء القرن الأول للإسلام: «تجنبت إتيان الحبيب تأثما! ألا إن هجران الحبيب، هو الإثم» وعبيد الله هذا، كان مفتيا في المدينة وهو كما يوصف، أحد السبعة الكبار فيها! ومما يروى عن ابن داود الظاهري صاحب كتاب الزهرة، أشهر ما صنف من الكتب العربية في الحب، أن رجلا مد له رقعة مكتوب فيها: يا ابن داود يا فقيه العراق افتنا في قواتل الأحداق هل عليهن في الجراح قصاص أم مباح لها دم العشاق؟ فقلبها وكتب خلفها: كيف يفتيكم قتيل صريع بسهام الفراق والاشتياق وقتيل التلاق أحسن حالا عند داود من قتيل الفراق ويبدو أن فتاوى الفقهاء في مسألة الحب مبنية على أساس أن الحب ما لم يقترف بسببه محرم فهو جائز وقد نص على ذلك ابن حزم الذي يقول: متى جاء تحريم الهوى عن محمد؟ وهل منعه في محكم الذكر ثابت؟ إذا لم أواقع محرما أتقي به مجيء يوم البعث والوجه باهت فلست أبالي في الهوى قول لائم سواء لعمري جاهر أو مخافت ومن المثير في فتاوى هؤلاء الفقهاء الشعرية، أنهم في فتاواهم متحررون مما يحيط به أنفسهم غيرهم من الفقهاء من التحرج والزهد في التعبير عن المشاعر العاطفية، مثلا القاضي أبو الوليد الباجي له أبيات يذكر فيها مشاعره المضطربة بالحب في منى أيام الحج لم يجد في ذلك حرجا أو تخوفا وهو القاضي ذو السمت الحسن والهيبة والوقاء يقول: متى نزلوا ثاوين بالخيف من منى بدت للهوى بالمأزمين مخايل فلله ما ضمت منى وشعابها وما ضمنت تلك الربا والمنازل ولما التقينا للجمار وأبرزت أكف لتقبيل الحصى وأنامل أشارت إلينا بالغرام محاجر وباحت به منا جسوم نواحل حين تقرأ مثل هذا الشعر الذي قيل في القرن الخامس الهجري على لسان فقيه، وقاض، ألا يجول في خاطرك تساؤل عما صرف الناس آنذاك عن التفكير في تقسيم الجمرات في منى تجنبا للاختلاط والتقاء المحاجر؟