من أكبر المشكلات التي يعانيه كثير من الأشخاص عدم الموازنة بين المصروفات والإيرادات الشخصية، والبعض يلقي باللوم على قلة الدخل والبعض الآخر يلقي باللوم على كثرة المصروفات، ويبقى الإنسان بين المطرقة والسندان لا يعرف كيف يوازن بين هذين الأمرين، بل إن البعض قد انهار لديه هذا الميزان فهو مدين للكثيرين فلا تأتي نهاية الشهر إلا وراتبه قد تناهشته الأقساط والمتبقي منه تلتهمه الفواتير، فضلاً عن بعض الديون الشخصية من أقارب أو أصدقاء ورسوم أخرى متنوعة. ومع مثل هذه الظروف السيئة لبعض الأشخاص نجد أن هناك مصائد تنصب هنا وهناك لتغري أمثال هؤلاء بأن الحل لأزمتهم المالية قد يكون موجوداً في قرض يمكن الحصول عليه بطرق ميسرة أو مساهمات ذات عوائد مادية سريعة أو ودائع أو صكوك أو أسهم أو غيرها من الحلول المالية التي للأسف بعضها أشبه ما تكون بمصائد تعمل على نصب شباكها لإيقاع ضحاياها فيها الذين يلجأون إليها مستسلمين لعدم وجود حلول بديلة. ولمثل هذه المشكلة آثار متنوعة فهي على الصعيد الشخصي تجعل الإنسان يفكر باستمرار كيف يمكن الخروج من هذا النفق فيبقى حائراً يجرب ما يقدم له من حلول في ظاهرها الرحمة وفي باطنها الألم والمعاناة وقد تسهم في تفكيك الأسرة، فقد أظهر عديد من الدراسات أن من أهم أسباب الخلافات الأسرية القضايا المالية ومن أهم أسباب الطلاق هو الخلافات على المصروفات المالية، كما أن هناك آثاراً أخرى كثيرة مثل انتشار الجريمة والفساد في المجتمع إضافة إلى الاضطرابات الأمنية المختلفة. ولذلك فإنه يجب على كل فرد لم يقع في هذه المشكلة بعد أن يحذر من الوقوع في هذا الفخ وذلك من خلال أن ينظر إلى دخله الشهري وينظر إلى كل ريال يقوم بصرفه بعد تسلم دخله ويسأل نفسه: هل صرفه في المكان الصحيح أم لا؟ وأن يحرص على ألا يضع نفسه في التزامات لا تتلاءم مع دخله المادي ويكرر السؤال مرة تلو الأخرى: هل أنا في حاجة إلى هذا الأمر أم لا؟ ويحرص دائماً على أن تكون مصروفاته أقل من إيراداته بل يجب عليه أن يجعل من دخله نسبة ولو قليلة جداً يلتزم بتوفيرها في حساب يمكن أن يطلق عليه حساب الطوارئ المهمة جداً، كما يجب عليه ألا يستجيب لأي إغراءات قد يراها مقدمة له لتساعده في زيادة الدخل بحيث يقوم بموجبها بالالتزام بمتطلبات أخرى إذ إن هذه الإغراءات غير مضمونة ويمكن أن يتورط فيها الإنسان ومن ثم يقع في فخ الدين. هناك أناس واقعهم أنهم من ذوي الدخل المحدود إلا أنهم غير متقبلين لهذا الوضع فترى بعضهم يلزم نفسه بمواقف معينة سواء دعوات متكررة للضيوف أو هدايا قيمة أو منزل تتجاوز قيمته حدود دخله أو سيارة لا يستطيع أن يدفع قيمة صيانتها، فهو بذلك سمح لنفسه أن يقع في هاوية الدين من أجل مواقف أو عادات أو تقاليد أو وضع اجتماعي يمكن السيطرة عليه بأساليب مختلفة لا تؤدي إلى أزمة مالية، أما الذين يرغبون في أن يكون لهم مستوى معيشي أفضل من دخلهم فمع ارتفاع مصروفاتهم يجب عليهم أن يحرصوا في المقابل على أن يجدوا لهم عملاً إضافياً يحقق لهم دخلاً إضافيا يمكنهم من تلبية ما يحتاجون إليه من متطلبات أخرى. أما من وقع في الدين فعليه أولاً أن يستعين بالله على قضاء دينه وأن يركز بشكل مباشر على سداده وأن يسعى إلى أن يكون جل همه منصباً حول تسخير موارده لتحقيق هذا الهدف وأن يمتنع عن التورط في أي التزامات جديدة ويحرم نفسه من كماليات كانت موجودة حتى ينتهي من سداد دينه. إنها معادلة مهمة يجب علينا أن نفكر فيها بعمق وأن نحتاط لها وأن نعلم أبناءنا كيفية مراجعة مصروفاتهم وضبطها وأن نحرص على إيجاد الحلول الصحيحة لها حتى لا نورط أنفسنا ولا نورط أبناءنا من بعدنا ونحافظ على كيان أسرنا.