في المقال السابق ألقينا الضوء على حجم القوى العاملة السعودية التي ستدخل سوق العمل خلال السنوات العشر القادمة، حيث أشرنا إلى أن العدد المقدر لهذه القوى سيزيد عن 2.5 مليون مواطن، وأنه يجب خلق وظائف ذات قيمة عالية يمكنها استيعاب هذا العدد الكبير وتوفر له دخلا يضمن حياة كريمة. كما أشرنا إلى أن القطاع الحكومي لن يكون مصدرا لخلق الوظائف بسبب تشبعه وبسبب التكلفة العالية التي تستقطع من الميزانية حاليا لرواتب موظفي القطاع الحكومي والتي تزيد عن 180 مليار ريال سنويا، لذلك فإن الحل الوحيد هو خلق هذه الوظائف في القطاع الخاص (غير النفطي). وفي هذا المقال سنحاول معرفة حجم النمو الذي نحتاجه في القطاع الخاص لنتمكن من استيعاب كامل القوى العاملة الوطنية التي ستدخل سوق العمل. حتى نجعل لهذه الأرقام ارتباطا مباشرا بما تعلنه المؤسسات الحكومية ذات العلاقة كمؤسسة النقد، فيمكننا أن نقول إنه لو أعلنت مؤسسة النقد أن نسبة النمو في القطاع الخاص هي 10% فهذا يعني أننا نسير في الطريق الصحيح.تشير احصاءات وزارة العمل أن إجمالي أعداد الموظفين السعوديين وغير السعوديين في القطاع الخاص هو 7 ملايين، وأن معدل رواتبهم لا يتجاوز 1000 ريال شهريا. أي أن القطاع الخاص يدفع ما مجموعه 84 مليار ريال سنويا كرواتب لموظفيه السعوديين وغير السعوديين. إذا علمنا أن عدد الداخلين لسوق العمل من المواطنين خلال عشر سنوات هو .52 مليونا وأن معدل الرواتب في القطاع الخاص للمواطنين هو 3200 ريال شهريا – وهو راتب منخفض جدا لا يكفي أبدا لبناء أسرة تعيش بمستوى مقارب لغالبية المجتمع - فإن مجموع تكلفة الرواتب التي يجب على القطاع الخاص دفعها خلال عشر سنوات هو 178 مليار ريال سنويا، وحتى يصل القطاع لهذا الرقم فيجب أن ينمو بنسبة لا تقل عن 8% سنويا، أما اذا افترضنا أن الوظائف التي يجب خلقها يجب أن يكون معدل رواتبها 4500 ريال شهريا - لتقليص الفجوة بين معدل الرواتب الحكومي الحالي وهو 7300 ريال وبين موظفي القطاع الخاص - فإن نسبة النمو للقطاع الخاص يجب أن تتجاوز 10% سنويا. هذا كله مع الافتراض انه لن يدخل لسوق العمل عدد كبير من الأجانب وهو أمر مستحيل، أي أن نسبة النمو التي نحتاجها قد تكون أكبر ولكن هذا هو الحد الأدنى المتحفظ لنسبة النمو المطلوبة لتفادي الأزمة. وحتى نجعل لهذه الأرقام ارتباطا مباشرا بما تعلنه المؤسسات الحكومية ذات العلاقة كمؤسسة النقد، فيمكننا أن نقول إنه لو أعلنت مؤسسة النقد أن نسبة النمو في القطاع الخاص هي 10% فهذا يعني أننا نسير في الطريق الصحيح، ويعني أن محرك التنمية الاقتصادية يعمل على أكمل وجه وبأقصى كفاءة ممكنة، وسيكون لدينا دولة يعيش غالبية مواطنيها بمستوى يكفل كرامة العيش ويضمن عدم نشوء بطالة أو طبقية تخل باستقرار المجتمع، أما إذا أعلنت المؤسسة أن نسبة النمو في القطاع الخاص هي 8% فهذا يعني أن المستقبل ليس بهذا السوء ولكنه سيخلق فجوة اجتماعية بين موظفي القطاع الخاص والعام ويخلق طبقة متدنية اقتصاديا بأعداد كبيرة ويتسبب في تآكل الطبقة المتوسطة بشكل متسارع، أما لو أعلنت مؤسسة النقد أن نسبة النمو في القطاع الخاص أقل من 4% - وهي النسبة التي أعلنتها لسنة 2010 – فهذا نذير شؤم وناقوس خطر إن استمر للسنوات القادمة، وهو يعني يقينا أن أعدادا كبيرة جدا من الشباب سيكونون بلا عمل أو مصدر دخل.