تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله التقرير السابع والأربعين لمؤسسة النقد العربي السعودي، الذي يستعرض أحدث التطورات الاقتصادية في المملكة للعام المالي 1431/1432ه (2010م) والربع الأول من العام الحالي. جاء ذلك خلال استقبال الملك المفدى في قصر اليمامة أمس وزير المالية الدكتور إبراهيم بن عبدالعزيز العساف، ومحافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر، ومعالي نائب المحافظ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالله الحميدي وكبار المسؤولين في المؤسسة. تشرف بتسليم التقرير لخادم الحرمين الشريفين أيده الله محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الذي ألقى الكلمة التالية: خادم الحرمين الشريفين: إنه لمن دواعي الغبطة والسرور تجدد اللقاء معكم وأنتم تنعمون ولله الحمد بالصحة والعافية، وبلادنا تحت قيادتكم الحكيمة تواصل مسيرة النماء والازدهار في تلاحم منقطع النظير بين القيادة والمواطنين، ويسعدني تقديم التقرير السنوي السابع والأربعين لمؤسسة النقد العربي السعودي الذي يتناول التطورات الاقتصادية في عام 2010م والربع الأول من عام 2011م. خادم الحرمين الشريفين: ما زال الاقتصاد العالمي يعاني من الوهن، الذي خلفته الأزمة المالية العالمية وما نتج عنها من مشاكل في الديون السيادية لعدد من دول العالم الصناعي. أما محليا فقد تفادى اقتصادنا ولله الحمد مزالق المديونية العامة والخاصة التي أرهقت اقتصادات كثير من الدول الصناعية. ولذلك واصل اقتصادنا الوطني في عام 2010م نموه للعام الحادي عشر على التوالي بنسبة 4.1 في المائة، ونما القطاع غير النفطي بنسبة 4.9في المائة. وحققت المملكة فائضا في ميزانيتها بلغ نسبة 5.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وكذلك حققت المملكة فائضا في ميزان المدفوعات للعام الثاني عشر على التوالي بلغ نحو 250.3 مليار ريال. وارتفع قليلا معدل التضخم من 5.1 في المائة عام 2009م إلى 5.3 في المائة عام 2010م ، وبلغ المعدل 5.2 في المائة في أكتوبر 2011م. علما أن التضخم في السنوات الأخيرة كان مصدره الأساس ارتفاع أسعار الأغذية والإيجارات. ومن المتوقع إن شاء الله تسارع وتيرة نمو الاقتصاد الوطني خلال العام الحالي. وقد ساهم في تحقيق هذا النمو في الناتج المحلي الإجمالي عدة عوامل منها زيادة الإنفاق الحكومي إلى مستويات غير مسبوقة، خصص جزء كبير منه للإنفاق على مشاريع تنموية مختلفة، وزيادة ما قدمته المصارف المحلية للقطاعين الحكومي والخاص. خادم الحرمين الشريفين: استمرارا لحرصكم على تلمس حاجات أبناء هذا الوطن وتوفير متطلبات الحياة الكريمة لهم، أصدرتم عددا من الأوامر الملكية الكريمة التي ستسهم إن شاء الله في تحسين مستوى معيشة المواطن. فقد أمرتم بإنشاء وزارة الإسكان واعتماد بناء خمس مئة ألف وحدة سكنية في كافة مناطق المملكة خلال السنوات الخمس القادمة وتخصيص مبلغ لذلك مقداره 250 مليار ريال، وزيادة مبلغ القرض السكني ، الذي يقدمه صندوق التنمية العقارية من 300 ألف ريال إلى 500 ألف ريال، وسوف يسهم ذلك إن شاء الله بتوفير المزيد من المساكن لأبناء هذا الوطن ويحد من الضغوط التضخمية الناجمة من ارتفاع أسعار الإيجارات. كما أمرتم حفظكم الله باعتماد الحد الأدنى لرواتب كافة فئات السعوديين العاملين في الدولة بمبلغ 3000 ريال شهريا ، واعتماد مخصص مالي مقداره 2000 ريال شهريا للباحثين عن العمل، ورفع رأسمال البنك السعودي للتسليف والادخار بمبلغ 30 مليار ريال، ورفع الحد الأعلى لعدد الأفراد في الأسرة التي يشملها الضمان الاجتماعي من 8 إلى 15 فردا وتخصيص مبلغ مليار ريال لهذا الغرض، وزيادة مخصص الإعانات التي تقدم للجمعيات الخيرية من الدولة بنسبة 50 في المئة لتصبح 450 مليون ريال سنويا، ودعم التحاق أبناء الأسر المحتاجة بالجامعات من خلال تخصيص نسبة مقاعد لهم في الجامعات، وتسهيل شروط قبولهم وإعفائهم من دفع بعض الرسوم الدراسية. وسوف تسهم هذه الحزمة من الأوامر الكريمة بتحسين ظروف معيشة الفئة الأقل دخلا، وتعزيز قدرتها على الادخار، ومن ثم زيادة إنتاجيتها ودخلها المستقبلي مما ينقلها إلى فئة أكثر دخلا ويحد من الفقر وهو الأمر الذي تولونه حفظكم الله اهتماما كبيرا. وفي مجال الصحة، أمرتم حفظكم الله بدعم وزارة الصحة بمبلغ 16 مليار ريال لتنفيذ توسعة عدد من المستشفيات والمراكز الصحية، ورفع الحد الأعلى في برنامج تمويل المستشفيات الخاصة في وزارة المالية من 50 مليون ريال إلى 200 مليون ريال ويؤمل أن يسهم ذلك بمزيد من التحسن في الخدمات الصحية في المملكة. خادم الحرمين الشريفين : واصل المجلس الاقتصادي الأعلى تحت قيادتكم الحكيمة وتوجيهاتكم المستمرة إنجاز العديد من الخطوات التطويرية الهادفة إلى إعادة هيكلة وتنظيم الاقتصاد وتحديث الأنظمة والتشريعات بما يعزز رفع مستوى وتنافسية الاقتصاد ويحقق التشغيل الأمثل لعوامل الإنتاج ويوفر بيئة جاذبة للاستثمار المحلي والأجنبي. ونتيجة لذلك تحسنت بيئة الاستثمار فحسب تقرير أداء الأعمال الصادر عن البنك الدولي لعام 2012م احتلت المملكة المركز الثاني عشر بين دول العالم البالغ عددها 183 دولة من حيث سهولة أداء الأعمال. وقد أشار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي إلى أن المملكة كانت مهيأة تماما لمواجهة الأزمة المالية العالمية، حيث أسهمت الأطر الرقابية والتنظيمية السليمة بشكل كبير في تعزيز قدرة القطاع المالي على الصمود. وأكد على أن الإدارة الاقتصادية الرشيدة للثروة النفطية وفرت الحيز المالي الضروري لمواجهة الأزمة المالية العالمية بالإضافة إلى تخفيض الدين العام من 104 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي عام 1999م إلى نحو 7 في المائة في عام 2011م وتقوية مركز صافي الأصول الأجنبية للمؤسسة. كما أشاد المجلس التنفيذي للصندوق بمتانة النظام المصرفي في المملكة الذي يتمتع بمستويات جيدة من رأس المال ومستويات مرتفعة من السيولة، وأشار إلى أن الجهاز المصرفي أظهر قدرة على مواجهة مجموعة من الصدمات الإقليمية والعالمية. ورحب المجلس بنتائج اختبارات التحمل التي أجراها فريق برنامج القطاع المالي التي أظهرت ارتفاع مستويات السيولة ورأس المال التي يحتفظ بها النظام المصرفي السعودي حاليا وأنها تشكل احتياطيات وقائية تضفي المزيد من الثقة في قدرة النظام المصرفي على تحمل الصدمات. وأثنى أعضاء المجلس على السياسة النقدية التي تنتهجها المملكة الهادفة إلى تعزيز متانة النظام المصرفي واستقرار الأسعار. خادم الحرمين الشريفين : على الرغم مما تحقق من إنجازات مشرفة على كافة المستويات، لا تزال هناك بعض التحديات التي لا تألون جهدا حفظكم الله في متابعتها والحرص على التغلب عليها. ومن هذه التحديات : أولا : خلق المزيد من فرص العمل الشريف لأبناء وبنات هذا الوطن، فعلى الرغم من الإنجازات الجيدة في مجال توظيف المواطنين إلا أن التقديرات تشير إلى أن نسبة البطالة بين السعوديين لا زالت غير مرضية. ونظرا للتركيبة السكانية في المملكة التي يغلب عليها فئة الشباب فلا بد من مواجهة هذا المسألة وتكثيف الجهود وتذليل الصعوبات التي تواجه خلق وتوطين الوظائف بما في ذلك مواصلة تحسين مخرجات التعليم والتدريب بما يتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتحديد نسب لتوطين الوظائف حسب الأنشطة وزيادتها بشكل تدريجي، وخلق مرونة في سوق العمل تكون محفزة للإنتاج والإبداع وتحفظ حقوق العاملين وأصحاب الأعمال. ثانيا: تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر للدخل. فعلى الرغم من زيادة دور القطاع غير النفطي في الاقتصاد الوطني خاصة دور القطاع الخاص، إلا أن القطاع النفطي لا يزال هو المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني، حيث تأتي منه معظم إيرادات الدولة والمتحصلات في ميزان المدفوعات. لذلك لا بد من مواصلة العمل الجاد من أجل تنويع مصادر الدخل بما يكفل استدامة التنمية الاقتصادية على المدى الطويل وتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على سلعة واحدة كمصدر للدخل. ثالثا: الحد من الاستهلاك المحلي المرتفع من النفط والغاز، حيث تشير الأرقام إلى زيادة متوسط الاستهلاك المحلي منهما بنسبة 7.3 في المائة سنويا خلال الخمسة الأعوام الماضية، وهي نسبة مرتفعة بكافة المقاييس ولا تتناسب مع معدل النمو في عدد السكان وفي الناتج المحلي الإجمالي. ولا شك أن زيادة الاستهلاك المحلي من النفط، إضافة لكونه استنزافا للموارد التي أفاء الله بها علينا، فإنه يحد من الكميات المتاحة للتصدير مستقبلا، لذلك يتطلب الأمر بحث أسباب الزيادة في الاستهلاك المحلي من النفط والغاز والعمل على ترشيد استهلاكهما. يا خادم الحرمين الشريفين: ونحن على أعتاب ميزانية خير جديدة أرجو من العلي القدير أن يحفظكم قائدا لمسيرة هذا الوطن المبارك المعطاء ويسدد على طريق الخير خطاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.