ربما تكون هي المرّة الأولى التي يواجه فيها أحد المسؤولين مباشرة المُنتَج الذي أعدّه هو في موقع سابق، وهذا هو بالفعل حال معالي الدكتور علي الغفيص بعدما أصبح معنيا بالموارد البشرية في شقيها الفني والمهني تحديدا باستلامه كرسي وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، وهو الذي طالما ظلّ ينافح عن مخرجات التعليم التقني والمهني طوال فترة ترؤسه الطويلة لهذا القطاع، وعن سياساته وبرامجه وخططه في تلك المؤسسة التي يرى كثيرون أنها لم تكن بمستوى الطموح، وإصراره على أن العيب إن وجد فليس في مخرجات مؤسسته، وإنما العيب في مكان آخر، ولأنه الآن في المكان الآخر الأكثر مسؤولية عن استيعاب تلك المخرجات، والاستثمار فيها ولها، فعلينا أن ننتظر ما سينجزه معاليه لمصلحة خريجي المعاهد المهنية، والكليات التقنية، وكليات التميز، ومهنيات البنات، وغيرها من تلك القنوات التي يُفترض أنه تمّ إعدادها لتنافس بمخرجاتها على مستوى التدريب والمهارات المكتسبة العمالة الوافدة غير المدربة التي جاءتْ إلى أسواق العمل في بلادنا واحتلتها، لتنافسها بكفاءتها وتطردها لتحلّ محلها، هذا قبل أن يذهب خريجو المؤسسة للبحث عن وظائف بند العمال في الدوائر الحكومية، وقبل أن يتيهوا في زحمة الأسواق. معالي الدكتور علي الغفيص هو الآن وزير العمل، ومسؤوليته الراهنة في عمله الجديد أن يكون أمام ما أنجزه بنفسه يوم أن كان محافظًا للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، طبعا ليس من حقنا أن نستعجل النتائج لنرى كيف سيستطيع معاليه مدّ سحابة المهني الوطني على المناطق والمدن الصناعية في كافة المدن السعودية، والتي تعوم اليوم بفيضان العمالة الوافدة؟، وهل سيجد ضالته لانجاز هذه المهمة فيما أنتجته المؤسسة التي كان يرأسها، واستثمر الطفرة المالية فيها، ورسم سياساتها وبرامجها على مدى ما يزيد على 15 عاما؟. وهل سيكشف عن مهارات أولئك الخريجين، وكفاءات تدريبهم ليقنع بها رجال الأعمال الذين لم يكتشفوها بعد، فضربوا صفحا عن استقبالها إلا من باب التحايل على السعودة صوريا؟. هل كان الرجل على حق فيما كان يمضي قدما في سياساته في المؤسسة، وفي أنماط التعليم والتدريب التي كان يعتمدها، وأن قضية ابتعاد تلك المخرجات عن سوق العمل لم تكن بسبب معايير الكفاءة أو المهنية بقدر ما كانت بسبب عدم قدرة وزارة العمل آنذاك على استيعاب هؤلاء واستثمارهم في القطاع الخاص بالشكل اللائق؟. كل هذا جائز، لكننا الآن أصبحنا أكثر قربا من الفصل الحاسم في هذه القضية، فمعاليه هو وزير العمل الوزارة المعنية بالموارد البشرية المهنية، وبوسع معاليه دونا عن سواه أن يُثبت للجميع صواب رؤيته بحلّ أزمة المهنة الوطنية في المملكة عبر اتخاذ السياسات التي تفتح لها أبواب الأسواق لكفاءتها، وليس لفرضها كأمر واقع. ترى هل سيكشف الغفيص الوزير سلامة سياسات الغفيص المحافظ، أم سيكشف العكس؟ هذه هي المعادلة القائمة.. إنها المواجهة!.