تتحسس إيران رأسها منذ فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأمريكية، فيما يعي سدنة «المركز الكهنوتي» في طهران أن سنوات الدلال الغربي انتهت، وبات عليهم التقدم ب «مقاربة مغايرة»، داخلية وإقليمية ودولية، تتيح لهم «هوامش للبقاء» تحددها اشتراطات معقدة. المناخ الدولي، المتشكل في أعقاب الانتخابات الأمريكية، وتأثيره المباشر على إيران ومحور الشر في الإقليم، أثار ذعر «المركز الكهنوتي» في طهران، ودفعه إلى ردود فعل معلنة عكست حجم المأزق الذي يعانيه، وهو ما يؤشر عليه «تقدير موقف»، أعده مركز امية للبحوث والدراسات الإستراتيجية، ودفع به إلى عدد من دوائر القرار في المنطقة. ويرى «تقدير الموقف»، الذي اطلعت عليه «اليوم»، أن «متغيرات رئيسية، على المستوى الدولي، ستقلب اتجاه الأحداث في المشرق العربي، وستلقي بخيارات صعبة على إيران، التي تمتعت بسنوات من الدلال الغربي». ويشير «تقدير الموقف»، الذي أعده رئيس المركز د. نبيل العتوم، الخبير في الشأن الايراني، إلى أن «وصول دونالد ترامب جاء في سياقات أمريكية ودولية تميل إلى اليمين المتشدد، وستؤدي - بزعامة أمريكا الجديدة - إلى انهيار جبهة الاعتدال المهادنة لطهران بشكل كامل». ويستعرض العتوم، في «تقدير الموقف»، جملة من الأسباب التي تدفع الأحداث باتجاه معاكس لرغبة «المركز الكهنوتي» في طهران، من بينها تهديد السياسة الايرانية ل «الاستقرار الإقليمي والدولي»، عبر تفجير «بؤر صراعية» في المشرق العربي ساهمت في «رفع حدة التطرف» حيال السياسات الغربية. ويقول العتوم: إن المركز الكهنوتي في طهران يخشى من «التقارب الامريكي - الروسي»، ويراه تهديداً ل «العلاقات الروسية - الإيرانية»، وهو ما انعكس عبر سلسلة من التحليلات الايرانية الداعية إلى «توظيف مواقف الريس الأمريكي الجديد، حيال منظومات التعاون مع الدول الغربية، في بناء تحالفات إيرانية - أوروبية بديلة، تحد من أثر المقاربة العالمية المتشكلة حديثاً». العديد من «التحليلات» و«أوراق صناع القرار»، الصادرة في طهران ومراكز الابحاث الموالية لها، سعت إلى «التحذير» من «البيئة الدولية الجديدة»، ونبهت إلى أثر ال «البريكيست» (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) على إيران ومشروعها الإقليمي، خاصة مع نمو الاتجاه المناوئ لها على المستوى الأمريكي. ويلفت «تقدير الموقف» إلى ما سماه تقارباً أمريكياً - تركياً ظهر في تصريحات الرئيس الامريكي المنتخب، التي أشادت بالدور التركي، وهو التقارب الذي يجد رديفه الإقليمي بما يمكن وصفه «التحالف الخليجي - التركي»، ما يعني «تضييق الخناق على محور الشر في المنطقة». «تقدير الموقف» تزامن مع دعوة سياسيين إلى استغلال الفرصة المتاحة والعمل على صوغ «مقاربة عربية» للعمل الجماعي، قادرة على التأثير في مستقبل الإقليم، خاصة في ظل توفر البيئات اللازمة عالمياً. وقال السياسي المخضرم طاهر المصري، رئيس وزراء الأردن الأسبق: إن «الواقع العربي دفع نحو انقسامات غير مسبوقة في النظام الإقليمي، وأدى إلى تعاظم نفوذ قوى إقليمية، كإيران وإسرائيل وتركيا، فيما تنهش الحروب الطائفية والأهلية العراق وسوريا وليبيا واليمن». وبين المصري، في حديث أمام «اليوم»، أن «الغرب حشر المنطقة العربية في زاوية محاربة الإرهاب، الذي غذّاه وأوجد أدواته بسياساته عبر عقود مضت». واعتبر المصري أن «القمة العربية المقبلة، التي تستضيفها الأردن، قد تشكل فرصة نادرة لاستعادة الذات العربية، والتصدي لمهددات الأمن القومي العربي، وان تشكل رافعة حقيقية لآمال المنطقة وشعوبها». ونبه المصري إلى أهمية تشكل «كتلة عربية واحدة» قادرة على التأثير إقليمياً وعالمياً، وبما يحقق المصالح القومية، وهو على ما يبدو أن التبدلات العالمية تشكل بيئة رافعة له. ويتفق مع مذهب المصري وزير الخارجية السوداني الأسبق د. مصطفى عثمان، الذي شغل منصب المندوب السوداني الدائم في الأممالمتحدة، الذي يرى أن «المنطقة تواجه تحديات وجودية لم تشهدها منذ خمسة عقود، وتحديداً منذ هزيمة حزيران (يونيو) 1967، أبرز دلالاتها تفكك النظام العربي الإقليمي الذي ظل سائداً منذ عقود، وبداية تشكل نظام إقليمي جديد تتصارع عليه عدة قوى دولية». واعتبر د. عثمان، الذي يستضيفه «مركز دراسات الشرق الأوسط» في العاصمة عمان، أن «الحرب السورية ومآلاتها ستحدد شكل وجوهر النظام الإقليمي في المستقبل، خاصة أن انتقال مركز القوة الامريكي في السنوات الماضية إلى إقليم آخر دفع إلى صعود قوى إقليمية متباينة». وفي رؤيته للمقبل، قال الوزير السوداني: إن «نتيجة الانتخابات الامريكية سيكون لها تأثير ملموس على جملة التوجهات الإقليمية، وسيقود فوز ترامب إلى تحولات كبيرة وفقاً لنوع وحجم الاستثمار المتوقع لمقدرات القوة الأمريكية ونفوذها السياسي في المنطقة». وتسعى إيران لتقويض الأمن الإقليمي، وأنشأت مراكز لتدريب الشبكات الإرهابية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، فيما يشكل «الاتفاق النووي» رافداً مهما لأنشطتها، خاصة في ظل رفع العقوبات وتسيير الارصدة المجمدة، وهو ما سيستخدم في تمويل وتعظيم دور المجموعات الإرهابية. وتبنى ترامب مواقف واضحة ومستقرة حيال إيران منذ بدء السباق الانتخابي في بلاده، إذ وصفها ب «الدولة الإرهابية» وتعهد ب «إعادة النظر في الاتفاق النووي» الذي وصفه ب «المشين»، فضلا عن دعوته إلى حرب بلا هوادة على الإرهاب في المشرق العربي، الذي يشكل «المركز الكهنوتي» في طهران قوامه الرئيسي. ولم يتردد المركز الكهنوتي في إيران ب «إطلاق التهديدات العلنية» ضد قوات الولاياتالمتحدةالأمريكية المتمركزة في الخليج العربي، وهددت مرارا باستهداف البوارج الحربية الأمريكية. وتبدي طهران تشاؤماً غير مسبوق حيال التطورات المقبلة، فيما عبر رموز النخب السياسية والعسكرية والأكاديمية عن عدم تفاؤلهم بالمرحلة المقبلة، التي قد تدفع إيران إلى تعديل جوهري في نهجها وسلوكها الخارجي، الإقليمي والدولي.