يُعتبر انعقاد الملتقى الخليجي الخامس للتخطيط الإستراتيجي بمشاركة مجموعة مراقبة الخليج وبتنظيم من (أكت سمارت) للعلاقات العامة من أهم الملتقيات الخليجية - غير الرسمية - منذ سنوات، والسبب أن هذا الملتقى تم بتنسيق وتمويل ذاتي بعيدا عن القنوات الرسمية أو التوجيه الرسمي، وهو ما يؤكد أن العمل الجماعي الخليحي يمكنه -إذا توافرت القناعة- أن يتجاوز البيروقراطية الرسمية ويمضى خطوات للأمام، ليؤكد أن النخب الخليجية يمكن أن تتبادر وتُنجز الكثير وهي ترى المجلس الخليجي يسير في خطوات حثيثة ليكمل مسيرته رغم الصعاب. جلسات الملتقى الست توزعت على تغطية تطورات المشهد السياسي الداخلي الخليجي والعلاقات البينية، وغطت النقاشات أهم التطورات الاقتصادية والأمنية والتطورات العسكرية الخليجية، وأبرز ملفات السياسة الخارجية الخليجية حيث كان الوضع اليمني على رأس الاهتمامات، مع مناقشة تطورات المشهدين العراقي والسوري وسيناريوهات مواجهة «داعش» وخطر الإرهاب المستقبلي. التركيز على مُستجدات العلاقات الخليجية - الإيرانية كان محط نقاش صريح وشفاف وقد تمت الدعوة لضرورة تبلور رؤية خليجية موحدة للعلاقات مع الجار العدواني والشرس والذي يطمح للحصول على نفوذ إقليمي في المنطقة باستخدام العديد من الوسائل كتوظيف المذهبية والتأجيج الطائفي، وقد اتفق المشاركون على ضرورة استمرار السياسات الخليجية الحازمة والنشطة لمواجهة النفوذ الإيراني، وإبلاغ طهران رسائل أهمها ضرورة التزامها التام بمبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات بين الدول والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول. إحدى أهم الأوراق السياسية خليجيا قدمها د. عبدالله الغيلاني من سلطنة عمان، وكانت بعنوان (مجلس التعاون الخليجي، ضرورات التماسك ومخاطر الانفراط) حيث رأى الباحث أن مجلس التعاون ليس لديه القدرة الكافية للاستجابة لمقتضيات المرحلة الحرجة؛ بسبب غياب الرؤية المشتركة لمفهوم الأمن الإقليمي، إلا أن المجلس - في نفس الوقت - يملك قدرة كامنة على تجاوز هذا الخط العثر والانتقال إلى مرحلة الاستجابة لتحديات اللحظة إذا توفرت الشروط وانتفت الموانع. ولعل أبرز ما طرح في الورقة هو القول بأهمية العامل الديمغرافي في دول المجلس ووجود جيل شاب يشكل نسبة تزيد على 60 بالمائة، وهذا يتزامن مع تراجع دور دولة الرفاه مما يجعل العقد الاجتماعي مدار بحث ونقاش مع الدعوات المتزايدة لمزيد من الإصلاح الدستوري المفضي الى حضور الصوت الشعبي في القرار الإستراتيجي، وهو القضية المفتاحية التي تتوقف عليها سائر القضايا المركزية المحددة لمصير هذا الإقليم. كاتب المقال قدم ورقة بعنوان (العلاقات الخليجية - التركية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة) وقد خرجت الورقة بتوصيات منها: أهمية تعزيز التعاون الخليجي مع أنقرة كموازن إستراتيجي لقوى إقليمية أخرى دون المبالغة في الاعتماد على أنقرة، والتي تُعاني هي الاخرى من تبعات ما بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وتبحث أيضا عن مصالحها الذاتية في المنطقة، وقد تم اقتراح إعطاء أولوية للتنسيق الجماعي الخليجي - التركي لأن من شأن ذلك تعزيز قوة الطرف الخليجي ككتلة قوية ومتوحدة، كما شملت توصيات الورقة تشجيع التبادل الثقافي والإعلامي والتعليمي بين دول الخليج وتركيا عبر تكثيف اللقاءات الثقافية وغير الرسمية، والعمل على رفع نسبة الطلبة الخليجيين في تركيا واستقبال عدد اكبر من الطلبة الأتراك في الجامعات الخليجية، وتم التنبيه على أن طبيعة العلاقات الخليجية التركية لا تزال علاقات حكومية - حكومية فقط، وهذا الأمر الذي يجعلها معرضة للانتكاسة ما لم يتم زيادة وتيرة التواصل الشعبي بين الطرفين. أجواء الملتقى الخليجي كانت عبارة عن (بروفة) للقمة الخليحية القادمة في البحرين، حيث سيتم الرفع لقادتها بتوصياته، والأمل يحدو الجميع بتسريع الخطى لدفع مسيرة العمل الخليجي المُشترك للأمام.