على عتبة الانتظار.. صبر الديك الفرنسي وظفر.. تعبت قدماه من طول الانتظار.. فقد ترك عشقه لسنوات طوال.. لم يعرف فيها قمر ليله وشمس نهاره.. كانت كل الفصول في عينه متشابهة.. حتى طغت التجاعيد على وجوه محبيه.. فلم يعد له جيل من الشباب ولا الأطفال.. إلا ما ندر ممن تواصلوا عن حب متوارث. إنه الزمن الجميل للديك الازرق.. ذلك الديك الذي صال وجال.. وغنت له الحناجر على أنغام لا تهدأ ولا تكل ولا تمل فالصياح مستمر حتى الصباح. إنه الزمن الجميل لكتيبة ديديه ديشان قائد الحقبة الذهبية للديوك الفرنسية.. ذلك الفتى صاحب الشعر الأبيض الذي اعاد ثقة الجمهور الفرنسي لمنتخب بلاده بعدما نامت على بقايا حلم بدأ يعود تدريجيا.. ويصحو معه عشاق البلوز ليأخذ انطوان جريزمان الذي توارث، عن الأسطورة زين الدين زيدان الراية الجديدة التي تمزقت بحكم السهام التي تفننت في طعنها.. منذ مغادرة الملاعب اثر نطحته الشهيرة للمدافع الايطالي ماركو ماتيراتزي، والاستكانة في ظل ريال مدريد قبل ان ينتفض ويفوز معه بلقب دوري أبطال أوروبا ليصبح اول من يحقق البطولة في كل المناصب سواء كلاعب او مساعد مدرب او حتى كمدرب. لقد عادت فرنسا بصعودها لنهائي اليورو 2016 وردة تتفتح بمعية عرابها ديديه ديشان.. ولما لا؟وهو الخبير بكل الأمراض والأوجاع المحيطة بها.. فأعاد عجلة الحياة لها من جديد.. وأعاد العربة للسكة.. وأعتقد أن الطموح الحقيقي لديشان هو اقتحام قائمة العظماء بحمل لقب اليورو كلاعب ومدرب. لقد أشرقت بارقة أمل في جوانح الديوك.. ولمحت عبرها وجوها كساها الألم لأربعة عشر عاما.. تنسمت فتحات الفرح بين تجاعيده.. تلك التجاعيد التي اختزلت الدمع في رحلة الأسى والوجع والآهات. كانت بدايات فرنسا ضوءا وحياة وتوهجا ونجوما.. بدايات تغرد فيها عصافير الصباح.. لا شيء غير الفرح يسكن جوانحها.. ويحيط بحديقتها.. قبل أن تدور الأرض عليها.. وترتفع أمواج البحر فوق قاربها.. وتنطفئ نجومها. كان بعض الشبان يمطرونها غزلا فقد كانت فاتنة الجمال وهي تسير بألماسها وذهبها في عالم الساحرة المستديرة.. ولا يعيبها آنذاك أن يترجل فرسانها من أحذيتهم كل يوم ليسيروا على الصخر.. حاملين ألوان فستانها المرصع بالنجوم الذهبية. مر الفرح على جسد الديك الحزين المسجى.. ليطرد تضاريس الهم والغم والنكد من بلاد النور والجمال التي كانت تتريض في بساتين الأماني العذبة.. فرغم سباحتها ضد التيار وبعض التجاعيد التي نقشت وجهها بفعل السنين.. إلا أن ماضيها لا يزال يدغدغ المشاعر.. فهي تحلم أن تعود صبية كما كانت أيام زمان. فرنسا تاريخ لا يمكن نسيانه.. ماض جميل.. وعنفوان لا ينسى على الآخرين أن يتعلموا منها فن الحياة.. تتعلم منها الصبر من جهة والفرح من جهة أخرى.. والتأقلم مع الحياة من جهة ثالثة.. والابتسامة عنوان حياة حتى والهم والغم يغطي مساحات واسعة في حياة البشر. لقد ذاب في عشقها الكثير.. وعلقوا على أسطح منازلهم وفرجانهم أعلام معشوقتهم ذات اللون الأزرق الذي يجعل اللعاب يسيل منهم.