لدى البعض، يبدو أن زمن البطء يتحرك بهم نحو التخلف عن الحق.. ويظهر أن حالة الخفاء تبرز الكثير من الغث لديهم.. فما بين الغي والضلال مساحات لبعض الأهواء الشاردة.. وما حول السفاهة واللوث متاهات لبعض النيات الواردة.. وبعض الأخبار يأتي بها الليل البهيم بينهم.. في كل زمن يكون المتأزمون في مجتمع ما، هم الأظهر لأنهم معاكسون للمألوف، ومخالفون للمعروف، وعابثون بالمنظوم فيندهش الكثير من غاياتهم ويذهل الكثير من أسقامهم.. ويكونون هم الأوضح لحصولهم على وسائل، ومنصات لأقلامهم، وأصواتهم، وبكائياتهم لكثرة جدلهم، وقلة فعلهم، وهوس تواجدهم، ولهثهم وراء الإثارة.. كل مجتمع حين تفرزه ستجد فيه سفهاء يقولون إنهم مصلحون لدرجة تجعلهم يصنعون الإفساد لكي يؤكدوا رغبتهم في الإصلاح المزعوم، ويخترعون المشكلات ليجادلوا في الحلول المثيرة.. ويبتكرون البلاء ليقنعوا الناس بآراء لهم.. ويفتعلون المصائب لكي يستثمروها في تمرير رسائلهم، وتحقيق أهدافهم.. لا يخلو مجتمع مسلم كمجتمعنا من متأزمين مملوئين بأحقاد على الدين، وحريصين على نقده في كل مناسبة، ومؤججين لكثير من مشاهده.. ولا ينفك هذا المجتمع من عبث هؤلاء الذين يقدمون أنفسهم جنودا لإبليس، وموظفين للطواغيت، همهم هدم المجتمع بداية بأركان الدين وقيمه، وتوسطا بخلخلة أعمدته، ونهاية بتحطيم سياجه.. ومرورا بتقزيم مبادئ المجتمع وفضائله.. في مجتمعنا بالذات هناك من يفكر بالعقل الفردي وحده ويستحيل أن يفكر بالعقل المجتمعي فلا يرى إلا ما يراه لنفسه، ويوجبه على غيره بلا مرجعية، ولا ملاذ حق، ولا برهان له.. ويستحيل أن يقبل بالرأي الآخر وإن كان حقا، ويستحيل أن يترك المراء ولو كان باطلا.. في مجتمعنا هناك من يعشق المغامرة والمقامرة حتى بالدين القويم، وتفاصيله الراسخة.. وهناك من يزهو بالمجازفة المخالفة لكل حق محقوق عبر اتباع باطله، وتبعية ضلاله.. ويجتهد ليفرّق، ويعزز السوء، وينتقي الشر، ويجلب كل غريب، ويكرّس كل ريبة، ويفتش في الكتب ليبث الجدل، وينشر المرض.. في مجتمعنا هناك من يتفاخر ويتخايل باتجاهه المعاكس الذي يخذل به وطنه، ويستمتع بعصر مجتمعه في كل المحن، يقوده رأيه، وتوجهه، وتياره، وميله فقط.. وقتها يكون لديه استعداد أن يقف مع غيرنا علينا، ويكون مطية للمتربصين بنا، ويسهم في تشتيت تماسكنا، وبعثرة وحدتنا. لقد اثبت هؤلاء أن صناعة الغباء في مصانع التحليق الشاذ وزمنه تجعل البعض ينتشي بفكره وبقلمه فيخالف وينفرد بآراء خائبة وأطروحات منحرفة.. تضعه في سلال المهملات والاكتئاب.. وتجد بعضهم يصف نفسه بالمفكر.. يمتد عمره ويكبر فيزداد مرض قلبه ولوث عقله.. ويسبح في غفلته ويمط لسانه بالتذمر والتأفف من كل شيء ولا يزال منفصلا عن الرشد لدرجة أنه يبرر للرذيلة عند الغرب.. ويسخر من الفضيلة في مجتمعنا.. حين يذكر الدين يختنق خنقا وحنقا فتجده يتقلب في مشاعر الاحتقان ويتخبط ذهنه، ويتعثر في لغته.. أغلبهم يدافع عن «الأنا» داخله.. وينتصر لهواه أكثر من الحق.. ويبتغي الفوز حتى في نزالات الباطل.. ويريد استمالة كل أمر له حتى لو ظلم، أو سبب ضررا.. تجده متشبعا بالهوى، ومملوءا بالأحلام الخائبة أن يتحدث عن الحريات، والقيم والمفروض والمرفوض.. تقول له: تخلص أولا من أهوائك الخاصة وكن نظيفا ثم تحدث عن مجتمعك.. تكون النتيجة أن يحظرك في كل شيء.. ختام القول: واقع الدين محسوم.. قد يستاء منه المكابر، ويسخر منه الجاهل، ويغالط فيه الحاقد، لكنه يبقى حقيقة.. هكذا يجب أن نكون واقعا وليس أمنيات واهية.. وواقع الوطن محزوم قد يغص به هو وغيره.. وواقع المجتمع معلوم قد يضيق به أو أمثاله.. والكل يعلم أنه حين يطبّل الشياطين بالفساد وتجلب أصواتهم سيرقص أهل الأهواء ويصفق أصحاب الشهوات على إيقاعاتهم وهم يتغامزون.. لكن الفضيلة لا تهوي مهما حدث..