بعض الكتب كالوجبات السريعة مغرية لمن لا يحتمل قراءة الكتاب/ الوليمة. بعض تلك الكتب تقرأها في رحلة بالطائرة من الدمام إلى جدة. وقد تجد وقتا فائضا، أيضا، يكفي لتصفح جريدة. من تلك الكتب كتاب الفنان التشكيلي رود جودكينز (غيّر فكرك). ونحن في العالم العربي الذي لا يتجاوز متوسط قراءة الفرد فيه 6 دقائق سنويا بحاجة إلى هذا النوع من الكتب، لعلها تجذب القارئ إليها. في كتابة سابقة تناولتُ كتابا مشابها من تأليف بول آردن (كلما فكرتَ فكرْ العكس). وهو كتاب لا يتجاوز عدد صفحاته 141 صفحة من القطع الصغير. والشيء نفسه يمكن أن يقال عن كتاب جودكينز. الكتابان متشابهان في عدد الصفحات، وفي طريقة الإخراج، ولا يختلفان في المضمون إلا قليلا. فماذا يقترح جودكينز لكي يغيّر القارئ فكره؟ أول تلك الوصايا هو الثقة بالنفس «فأنت ما تؤمن به عن نفسك» ويضرب مثلا على سطوة التفكير وتأثيره على الفرد بمريض الحساسية الذي يصاب بنوبة عطاس بمجرد رؤيته وردة بلاستيكية. ذلك أن تفكيره موجَّه نحو هذا الاتجاه. يرى جود كينز كذلك أن المشاريع الكبيرة تبدأ بحلم، وأننا «نعيش في عالم من صنع الحالمين». ويقترح علينا أن نُنَمّي هذا العالم بدلا من أن ننقص منه. قد لا يكون الحلم منطقيا في نظر سدنة المنطق التقليدي، لكن كثيرا من المنجزات التي ننعم بها اليوم ما كانت لتتحقق لو أن مبدعيها ركنوا إلى منطق حراس الفكر التقليدي الذين يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى. غير أني لا أنوي، هنا، استعراض أفكار المؤلف، فما يعنيني هو عنوان الكتاب: (غيّر فكرك) .. أما الموضوع فمختلف. وانطلاقا من مبدأ «إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع» أتساءل: أي فكر ذاك الذي يقترح السيد جودكينز تغييره؟ إن الأفكار التي اقترح تغييرها ليست عصية على التغيير إذا ما توفرت الإرادة. فماذا عن الأفكار الجامدة التي دون تغييرها خرط القتاد؟ لم يتطرق المؤلف إلى أي منها، إِذْ لا صلة لها بموضوع كتابه. كل شيء ممكن، بما في ذلك تغيير طريقة التفكير، إذا لم يتجاوز ذلك (الممكن) الخطوط الحمراء التي ترسمها الثقافة التقليدية. يستطيع حارس الأفكار البالية أن يتنازل عن بعض طرق التفكير إذا ما تعلق الأمر بتحسين ظروف معيشته. يستطيع كذلك أن يسابق الآخرين في اقتناء أحدث المخترعات، وأن يغير شكل بيته، وأثاث مكتبه، وموديل سيارته، وشكل هندامه، وبعض عاداته أيضا، وأن يستورد ويستهلك كل ما يخطر على البال من الماديات التي ينتجها الآخر. كل ذلك مقبول إلَّا أن تتسلل الأفكار مع تلك المقتنيات، حتى غدت عبارة «فكرة مستوردة» ذات دلالة سلبية. فكأنَّ كل ما يأتي من الآخر سيئ وموضع شك. يبدو مثل هذا المجتمع في الظاهر متحولا ومنفتحا ومواكبا لروح العصر، مع أنه ثابت ومغلق ثقافيا، وتتجاور فيه الشعوذة مع أحدث المنجزات العلمية. وقد تُسخَّر تلك المنجزات العلمية لخدمة التخلف. في مثل ذلك المجتمع المغلق يحيط الفرد نفسه بسياج قِيَمي يحميه من أي تغيير، حتى لو كان التغيير إيجابيا. فيعيش فصاما ثقافيا يحوله إلى شخصية مزدوجة ذات بُعدين أحدهما يناقض الآخر. وإذا كان الهدف من تغيير الفكر هو إطلاق مارد الإبداع من قمقمه، فإن ذلك السياج الفكري الشائك كفيل بتأجيل أو تعطيل أية محاولة للتغيير على المستوى الاجتماعي، وللإبداع على المستوى الثقافي.