وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء بهيئة الصحفيين السعوديين بمكة    خام برنت يصعد 1.3% ويصل إلى 75.17 دولار للبرميل    مدرب فيرونا يطالب لاعبيه ببذل قصارى جهدهم للفوز على إنترميلان    الأهلي يتغلّب على الفيحاء بهدف في دوري روشن للمحترفين    نيمار: فكرت بالاعتزال بعد إصابتي في الرباط الصليبي    قبضة الخليج تبحث عن زعامة القارة الآسيوية    6 فرق تتنافس على لقب بطل «نهائي الرياض»    القبض على (4) مخالفين في عسير لتهريبهم (80) كجم "قات"    وفد طلابي من جامعة الملك خالد يزور جمعية الأمل للإعاقة السمعية    أمير المنطقة الشرقية يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الكشافة تعقد دراسة لمساعدي مفوضي تنمية المراحل    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سلطة الرقابة.. العمل بلا جدوى

لا تزال الرقابة التقليدية القائمة على المنع والرفض أداة تحضر وفق آليات بدائية غادرتها الحياة وسلبت منها كل فاعليتها. ومع ذلك لا تزال أجهزة رقابية تقوم بذات الدور الذي لم يعد مجديا، أي لم يعد يحصد الفائدة التي من أجلها يتم المنع، لأن التدفق الاتصالي لا مكان معه للأبواب الوحيدة التي يمكن لفرد أو جهة ان يقفلها ويتحكم بها.
وإذا كانت الرقابة قد برزت كمعضلة في المشهد الثقافي والأدبي فإنها حين اتسعت حالات التدفق المعرفي والالكتروني عبر وسائل ومنابر متعددة فقد دخلت الرقابة البدائية ايضا الى هذه المستجدات وبنفس سلوك الرقابة البدائي فاضافت إلى ما كانت تمارسه مع الكتب والمطبوعات، المستجد من انترنت وفضائيات، دون أن تستطيع بطبيعة الحال أن تمنع ايا من ذلك.
هنا شهادات على الرقابة من أجيال متعددة مع اهمية التركيز على ما كانت ولا زالت تمارسه الرقابة على الفعل الثقافي والابداعي والذي كان يفترض به ان يكون تدريبا للرقابة انها لا تستطيع الوقوف في وجه الرياح والتواصل العالمي الجديد سواء أكان عن طريق قنوات حديثة أم كان عن طريق الوسائل التقليدية كالكتب والمطبوعات.
واذا كانت الرقابة تجد مبررا - أحيانا - للقيام بمنع كتاب أو مجلة او اغلاق موقع ما، فان المبررات تكاد تغيب حين لا يجد المتابع اسبابا واضحة لمنع هذا العمل او ذاك، فيما يتم المنع احيانا بناءً على اسم الكاتب أو صفته.
الغريب ايضا ان اسماء حاضرة في المشهد الثقافي السعودي تصبح محظورات رقابية من خلال منع كثير من نتاجها الأدبي او الثقافي او المعرفي. وتزداد الغرابة حين يكون المنع لمؤلف له علاقة بشأن معرفي سعودي كبعض كتب الترجمات التي تطرح شيئا مما كتب عن السعودية في الخارج.
د. الحمد: صادروا كتبي من يدي
من بين أكثر من ثلاثة عشر مؤلفا للدكتور تركي الحمد لم يتم السماح الا بدخول ثلاثة منها إلى المملكة فقط وهي: عن الإنسان أتحدث، الثقافة العربية في عصر العولمة، ويبقى التاريخ مفتوحا، اما بقية الكتب فلم تدخل ولم يسمح لها وخاصة الروايات.
لكن هل حدث وان دخل شيء منها إلى المملكة ثم تمت مصادرته؟
- يجيب د. الحمد: بالنسبة للروايات فقد تمت مصادرتها من أكثر من موقع والذي انا متأكد منه كثيرا انها في معرض جدة الأخير للكتاب صودرت «شرق الوادي» و«جروح الذاكرة» حيث تم سحبها من الناشر الذي حضر بها للمعرض وعرضها ضمن إصداراته..
ومع ان كل باحث عن أي كتاب للدكتور الحمد ولغيره سيستطيع ان يجده، وهذا ما يؤكده بنفسه ان بامكان اي منا أن يدخل إلى الانترنت ويحمل ما شاء من روايات أو كتب أو اصدارات.
انه - يقول د. الحمد- اسلوب متخلف من اساليب الرقابة البدائية، فأنا شخصيا اشتريت نسخا من أعمالي عن طريق بعض المكتبات على الانترنت.
سألته: ما المبرر الثقافي والمعرفي الذي لا زالت تستند عليه الرقابة فأجاب قائلا: لقد كتب صادق جلال الدين العظم كتابا اسماه«ذهنية التحريم» وهذه الذهنية هي المسيطرة والمتصرفة في مثل هذه المسائل والقضايا اضافة إلى أن كلمة «لا» كلمة مريحة جداً للبيروقراطية لأنها حين تقول «نعم» ستفتح الباب للمسؤولية وللاحتمالات لكن كلمة «لا» تقفل جميع الأبواب.
يضيف: ان أكثر مثل أكرهه هو المثل القائل «الباب اللي يجيك منه الريح.. سده واستريح»..
كلا.. إن المفروض ان تفتح جميع الأبواب ثم تتعلم كيف تجيد التعامل مع ذلك الريح ومع غيره من الرياح.. لأنك اذا تركت الأبواب مغلقة ومنعت جميع الرياح فانك بذلك تقطع وتقفل كل باب للتغيير والحراك المجتمعي والثقافي الطبيعي.
٭ لكن ماذا تمنع الرقابة وماذا تترك بل كيف لها ان تمنع كتبا سعودية من دخول المملكة لمؤلفين سعوديين يعيشون في الداخل؟
- البيروقراطية والرقابة التقليدية أصبحت شيئا من مخلفات الماضي الذي لم يعد الزمن ليسعفها باي شكل من أشكال البقاء، دعني اروي لك هذا الموقف:
يضيف د. الحمد: ذات مرة كنت قادما من البحرين إلى السعودية، وقد جلبت معي بعض نسخ من كتبي، وحين وصلت إلى المنفذ وبعد معاينة الكتب تمت مصادرتها وقال لي المسؤول:سوف نصادرها وعليك ان تراجع وزارة الاعلام!
قلت له: انها كتبي ومن تأليفي وانا «بكبري» سأدخل الى البلد فصادرني أنا!
قال لي: هذه هي الأنظمة وراجع وزارة الإعلام.
اللافت انني ذهبت الى فرع وزارة الاعلام، فمن كان الرقيب؟ كان أحد تلامذتي واعرفه جيد جدا فلا علاقة له لا بأدب ولا بكتب ولا بثقافة.
٭ ويضيف د. الحمد:
في عام 1978 كتب أحدهم مقالا في احدى المجلات يحذر فيه تحذيرا شديدا من الفضائيات وانها هي الخطر القادم وانه لابد من مجابهتها والوقوف ضدها وغير ذلك وقد كتبت مقالة في حينها أوضحت فيها ان الفضائيات وغيرها من وسائل الاتصالا هي من القادم لا محالة الذي يقع خارج المنع والرقابة والرفض، وان القضية ليست في حجبها أو منعها، وانما الأهم في كيف ستتعامل معها.
والملاحظ ان كثيرا من الذين صاحوا ضد الفضائيات وهتفوا بخطرها هم الآن اكثر الناس ظهورا فيها واستفادة منها.
العليان: لدي رقيب ذاتي
الكاتبة الروائية السعودية الاستاذة قماشة، ذات الانتاج الروائي المتعدد والتي كانت لها تجارب عدة مع الرقابة..
تتحدث الأستاذة قماشة عن فكرة الرقابة أولا فتقول:
بينما نعيش انفتاحا كبيرا على الآخر ونتنفس أجواء الحوار الوطني نرى بأن هناك من لا زال من يعيش بعقلية القرون الوسطى.. يقيد حرية التفكير ويضع الحدود والسدود ويصنف ويلون حدود المتاح بين ألوان بيضاء وحمراء وتدرجاتهما..
وقد قال الكاتب الراحل يوسف ادريس «كل الحرية المتاحة في الوطن العربي لا تكفي كاتبا واحدا».
وقد كنت دوما في كتاباتي التزم برقابة ذاتية استمدها من ديني الحنيف أولا ومن ثم من تقاليد واعراف المجتمع الذي اعيش فيه واذكر انني في رواية «أنثى العنكبوت» قد ترددت طويلا عند كتابة مشهد عاطفي بين البطل والبطلة.. تراءت لي فيها صورة زوجي وأشقائي الشباب واخيرا كتبت المشهد.. كتبته باسلوب من تعيش في الألفية الخامسة..
ثم تضيف: ورغم هذا فقد تعرضت احدى مجموعاتي القصصية لكثير من الحذف والتقطيع والتشويه وارغمت ارغاما على تغيير ثلاثة أرباع المجموعة عدا حذف الكثير من المقاطع.. فعلت ذلك مرغمة لتتوزع مجموعتي القصصية في الداخل وتصل إلى أيدي جمهوري وقرائي وأهلي وجيراني فأنا لم أكتب قصصي إلا بينهم ولم أوجهها الا لهم واجد نفسي الآن في مواجهة قاسية مع ذات الرقابة وذات الوصاية مع فارق في الزمن يقدر بنحو ثمانية اعوام تغيرت فيه اشياء كثيرة وتحررنا فيه من قيود عديدة عدا الفكر الثقافي والابداع الروائي.
فعندما خاطبت الرقابة في شأن روايتي الجديدة «عيون قذرة» قالوا لي بالحرف الواحد «لا يمكن اجازتها حتى تغيرين مكان الرواية وهو السعودية أو أحداث الرواية اي تحويل البطلة الإنسانة التي تخطئ وتصيب إلى شخصية لا تخطئ».
طبعا الأمران يدخلان في بند الاستحالة فقد وصلت إلى درجة من الاقناع برأيي وكتاباتي بحيث انني أفضل أن تمنع الرواية ولا أن أحذف منها حرفا.. وتختم الاستاذة العليان قائلة:
كنت سابقا أوافق وارضخ لصغر سني وقلة تجربتي لكنني الآن ارفض الرقابة والوصاية من أي جهة وتحت اي مسمى وارحب برقابتي الذاتية وسعة أفق افراد مجتمعي التي تتسع يوما بعد يوم».
البليهي والحال
تحدث ل (الرياض) الأستاذ إبراهيم البليهي الكاتب المعروف وعضو مجلس الشورى مؤكداً أن الانغلاق صار محالاً وقال إن محاولات اعتراض تدفق المعلومات والاخبار والمعارف والصور لم تعد مجدية ولا منطقية وهي تضر الفاعلين وتسيء اليهم أكثر مما تنفعهم انهم بهذه المحاولات العقيمة يكشفون عن أنهم مازالوا خارج حركة التاريخ وانهم لم يدركوا بعد أن العالم كله صار ساحة مفتوحة للجميع وأن حركة المعرفة باتت طوفاناً عارماً غير قابل للصد فالذين ينظمون أنفسهم للتعامل بحكمة مع هذا الطوفان سوف يستفيدون منه ويتجنبون اضراره، أما إن ظلوا يحاولون صده فسوف يجرفهم فيصابون بأضراره دون أن يحصلوا على منافعه..
لقد أصبح الإنترنت في كل بيت وصار الناس يعرفون بواسطة هذه الشبكة العالمية الزاخرة والمدهشة كل شيء، كما يطلعون عن طريق الفضائيات على ما يجري في كل العالم ساعة حدوثه، ولم يعد ممكناً الحجر على الناس ولا اغلاق منافذ المعرفة فالمعلومات والأخبار والصور تغمر الناس بدون انقطاع لذلك فانني فوجئت قبل شهرين حين جئت لاحدى المكتبات بالرياض ووجدت مرتاديها مجتمعين يطرقون بابها من الخارج لأن رجالاً من الهيئة كانوا بداخلها قد اغلقوها ليتأكدوا من نوعية الكتب المعروضة للبيع!! وقد اشتد طرق المرتادين حتى اضطر من كانوا بداخلها أن يفتحوها للناس ولكنهم واصلوا فحص الكتب والبحث عن الممنوعات امام الجميع!! ونسي هؤلاء أن تحصين الناس ليس بمنعهم من الاطلاع لأن هذا المنع صار محالا فالأفكار والمعارف والمعلومات والآراء أصبحت في متناول الجميع ولم تعد تستأذن أحداً ولا تخضع للرقابة فليس بالامكان صدها لذلك فإن التحصين ليس بمحاولة الحجر على الناس والاستماتة في منعهم من الاطلاع وانما التحصين يكون بمواجهة الأفكار بما هو أكثر اقناعاً وبناء قناعات نيرة تقوم على المعرفة الواسعة والمتنوعة والممحصة وبذلك لا يؤثر في الناس تنوع الآراء ولا يخشى عليهم من هبوب الأعاصير..
واللافت للنظر هنا أن الأجهزة الحكومية لا تتجاوز اختصاصاتها بل ربما تدافعت فيما بينها أحياناً هذه الاختصاصات إلا في التعامل مع الكتاب ومصادر المعرفة الاخرى حيث البداهة تقول بأن وزارة الثقافة والإعلام هي المسؤولة عن هذا المجال لكننا نجد جهات اخرى كالهيئات تتدخل فيه بشكل حاد ومباشر!! وهذه احدى المعضلات التي كانت تعترض حركة الكتاب..
والأغرب من ذلك أننا نخاف من حركة المعرفة إلى درجة الفزع مع أننا مجتمع لا يقرأ فلو تركت الكتب بالشارع لما وجدت من يهتم بها سوى فئة محدودة من الناس وإذا افترضنا أن بضع نسخ من هذا الكتاب أو ذاك قد دخلت إلى المملكة فإن تأثيرها سيبقى محصوراً ببضعة أفراد مثقفين لديهم من الوعي ودراية التعامل مع الأفكار المتباينة ما يحميهم من التأثر فالاطلاع المتنوع يمنح القارئ قدرة الفرز ويمكنه من التعامل الواعي مع هذه التباينات الفكرية فهم محصنون عن تأثير الاتجاهات المختلفة فالمعرفة بمختلف الأفكار تزيل عنها الهالات وتضعها في مكانها الطبيعي من غير تهويل مطلق ولا استهانة مطلقة وقد أثبتت الاحداث الأخيرة أن الخوف لا يأتي من الذين يطلعون على مختلف الآراء فهم محصنون ضدها جميعاً وانما يأتي الخوف من المبرمجين على رؤية احادية مغلقة تزكي ذاتها تزكية مطلقة وتجرم الرؤى الاخرى تجريماً مطلقاً وتصاب بالرعب وربما الانهيار حين تطلع على رأي يخالف ما لديها حيث يصيبها بصدمة مزلزلة لا تقوى على مواجهتها لفقدان الخبرة في التعامل مع الأفكار المتباينة..
وقد أصبح واضحاً وضوحاً لا لبس فيه انه لا خوف على المجتمع من الاطلاع على الأفكار وانما الخوف من الانغلاق فاحداث العنف أضحت ملتهبة في كل مكان والاستجابة لدواعيها باتت سريعة وسهلة لأن امتصاص احداث العنف لا يحتاج إلى تأهيل مسبق، أما التعامل مع المعرفة الممحصة ومع القضايا الاجتماعية والسياسية المعقدة فيتطلب الكثير من الاعداد والمران والتأهيل والممارسة لذلك يجب أن نعيد تأهيل أنفسنا حتى نصبح قادرين على الاستفادة من خبرات هذا الانفتاح القسري الذي لا مجال لرده فهو لا يخضع للحدود ولا للموانع وانما يدخل قسراً إلى كل مكان، كما أن علينا أن نكتسب قدرة الفرز بين النافع والضار فنبني في أنفسنا قدرة التمييز والتروي والمراجعة ولا يكون ذلك بالفزع والهروب والمصادرة وانما بالمواجهة الواثقة البصيرة..
إن برمجة الناس على الخوف من الأفكار قد غرست فيهم الانغلاق والكره للآخرين وربتهم على الرفض الأعمى لأي جديد إن هذه البرمجة المرعوبة من الأفكار قد غيبت عن الاذهان قدرة الإسلام الهائلة على المواجهة، كما أن هذه البرمجة قد غفلت عن التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة الإنسانية وصرفت عقول الشباب عن حقائق الواقع العالمي وعن منجزات الثقافة العالمية وغرست فيهم الخوف مما هو مغاير وجعلتهم يشعرون بأن العالم يتآمر ضد الأمة وضد الإسلام وجعلتهم يستسلمون لما يلقى اليهم دون فحص ولاتحليل ولا مراجعة فأصيبوا بالعمى عن قوة دينهم فصاروا يخافون عليه من الأفكار مع أنه أكثر رسوخاً من الجبال وهو لن يصمد بالانغلاق وانما يكون تأثيره أعظم بالانفتاح البصير والمواجهة المكشوفة لكن البرمجة أعمتهم عن ذلك كما أعمتهم عن التغيرات النوعية التي طرأت على الحضارة البشرية حيث مازالت ثقافتنا خارج سياقها وبعيدة عن فهمها وعاجزة عن التعامل مع ايجابياتها ولكنها بالمقابل تأثرت أشد التأثر بما تعرضه الفضائيات والإنترنت من صور العنف وممارسات الاحتراب..
إننا في غمرة التخويف المستمر من الأفكار ننسى أن الإسلام بعقائده وحقائقه وشرائعه وتعاليمه أقوى من كل العوائق والمؤامرات لقد نسينا هذه الحقيقة الأساسية أو غفلنا عنها وصرنا نخاف على الإسلام من هبوب الرياح أو أننا افتعلنا هذا الخوف من أجل تبرير الرؤية الأحادية المغلقة واقفال الأبواب وسد النوافذ فأغرقنا الناشئين بالتخويف من المتآمرين والتحذير منهم حتى امتلأت النفوس بالخوف من الآخر والكره له والحقد عليه والرغبة العارمة في اقصائه ونفيه واستئصاله..
ولم يعد الآخر هو فقط المختلف عنا في الدين وانما صار يراد اقصاء ومنابذة واستئصال من هو منا إذا كان يختلف معنا في أبسط المسائل الفرعية التي هي بطبيعتها تحتمل الخلاف وهذا الوسواس الثقافي قد نتج عن رؤية أحادية مغلقة تزكي الذات تزكية مطلقة وتنفي عنها احتمالات الخطأ وبالمقابل هي تجرم الآخرين وتنفي عنهم أي احتمال للصواب مع أن الله ينهى عن تزكية الذات {فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى} كما أن الله أمرنا بأن نحسن الظن حتى بمن كان شاهراً سلاحه لقتالنا وأن نكف عنه إذا أعلن الشهادة..
إن الرؤية الأحادية المغلقة تؤتي في البدء نتائج مؤقتة في تلاحم المجتمع وانتظامه لكنها تتضمن أسباب انشطاره انها تغرس في الناس الرفض العنيد المطلق لكل ما هو مختلف وتجعلهم لايتقبلون النقاش حول أية مسألة فقناعاتهم تصبح في نظرهم حقائق مطلقة، إن الثقافة المغلقة تقوم على الثقة المطلقة بالذات والتزكية التامة بما هي عليه وبالمقابل يكون لديها اقتناع تام ووثوق مطلق بأن المغاير منحرف وعدو ويجب نبذه واقصاؤه ومحاربته واسكات صوته وعدم السماح بانتشار آرائه وأفكاره بل عدم السماح له بمواصلة الحياة!!..
إن الرؤية الأحادية المغلقة التي جرى ترسيخها خلال فترة طويلة قد تغلغلت في العقول وصاغت وجدان الناس فأصبحوا يشعرون بالتميز المطلق عن الآخرين ويحسون بأنهم وحدهم على الحق المبين وبأن كل الآخرين غارقون في الضلال الصريح إن تزكيتهم المطلقة لذواتهم وما هم عليه وتجريمهم المطلق لكل ما هو مغاير قد أوهمهم بأنهم أوصياء على الناس وبأنهم مسؤولون عن اخضاع الآخرين وبأن صلاح الدنيا والدين لن يتحقق إلا إذا استجاب لهم الجميع.
شحبي: الهيمنة
يرى الروائي ابراهيم شحبي أن الرقابة إنما تنبع من عادة الهيمنة والشعور بدور الحماية يقول: تظل الرقابة المتمثلة في منع الكتب ومراقبة المطبوعات واقتحام المعارض وممارسة السحب والمنع للكتب وفرض الوصاية على ما نقتنيه للقراءة أو ما نود طبعه ونشره يعد أمراً مضحكاً ومحزناً في آن.
يضحكنا لأننا نعلم ان تلك الممارسة التي تقوم بها الرقابة تنبع من عادة الهيمنة والشعور المترسخ بدور الحماية لعقول الناس والوصاية عليهم خوفاً عليهم أو منهم لا فرق.
وتحزننا الحالة لأننا لا نستطيع ان نتغير مع الوقت لنواكب تحولاته ونتعاطى معها بثقة لأن ما يوحي به الدور الرقابي أننا نعاني من قصور في الادراك وضعف في الشخصية المحلية.
ولا يمكن لأحد في هذا الوقت ان يزعم ان رقابة المطبوعات تشكل أي أهمية في المحافظة على قيم المجتمع في ظل وصول كل شيء عبر الوسائط الإعلامية المذهلة.. فقط يمكن القول: ان ممارسة الرقابة بهذه الفجاجة باعتبارها إحدى الحالات المرضية التي تعودنا عليها مثل الفساد المالي وتفشي الواسطة وغيرها من الممارسات المرضية التي فرضتها مرحلة معينة، وأصبحت تجري في دمائنا.
ولأن هذه الرقابة لم تستطع الحد من تفشي الفكر الإرهابي بين أفراد المجتمع، ولا التصدي للمطبوعات المهربة في الخفاء.. بل ساهم دورها في ممارسات ظلامية لا يمكن ان تصل إلى ما وصلت إليه لو أنها كانت تمارس في وضح النهار، ويستطيع كل مهتم التعامل معها بالشكل العلني والواضح.
خطر المجتمع
أما الكاتب عبدالله فراج الشريف فيقول ان الرقيب يتعامل مع المادة الثقافية بأنها خطر على المجتمع وتفرض رقابة عليه في حياته يقول: ان الرقابة على الكتب خاصة أصبحت غير ذات جدوى في هذا العصر، ذاك ان ما كان يمكن منعه ان يصل إلى ايدي القراء، عن طريق عدم السماح له بعبور الحدود، أصبحوا يجدونه بسهولة متى شاءوا على صفحات الإنترنت، كما ان الأفكار التي كان يمكن التحكم فيها وحجب ما تشاء الحكومات الا يصل إلى مواطنيها منها، عن طريق منع الكتب والصحف والتحكم في وصول البث الإذاعي إلى أسماعهم بالتشويش عليه، حتى كانت بعض بلداننا العربية في الستينات وحتى السبعينات من القرن المنصرم لا يسمع المواطنون إلاّ إذاعتها ولا يقرأون سوى صحفها، ولا يرون من البث التلفزيوني إلاّ ما توفره وزارة إعلام بلادهم، لم يعد اليوم ممكناً صنع شيء من هذا، فقد تطورت وسائل الاتصال حتى أصبح مثل هذا من مخلفات الماضي، الذي لا يمكن ان يعود، فالأثير اليوم يحمل الأصوات المتعددة والمتنوعة المشارب، التي تصل إلى أسماع المواطنين صباح مساء، ولا حيلة في صدها عنهم، وأصبحت الصورة تعبر الأجواء ليرى الناس الحدث حين وقوعه، والرسائل المكتوبة تصل إلى المرسل إليه في ثوان من أقاصي الدنيا يتصفحها على شاشة الكمبيوتر، ليس بينه وبينها حاجب، وحتى ان اعترضت واحدة فالمئات لا يمكن اعتراضها، وانتقل الكتاب أيضاً عبر شبكة الإنترنت وعلى أقراص مدمجة، وأصبحت الأفكار تتلاقح، ولا يمكن حجبها مهما بذل من جهد ولو كان خارقاً، فلم يبق لمواجهتها سوى الأفكار الناضجة والصائبة التي تنفذ إلى العقول، لذا فالرقابة الحقيقية تعليم جيد وتربية راقية، وثقافة دينية واعية، تحافظ على الأصول ولا ترفض التجديد والتحديث، مع مراعاة الحق الطبيعي للإنسان في ان يختار بعد ان حصن بالعلم والمعرفة والتربية، لا ان يفرض عليه فكر واحد، فالحرية تصنع المعجزات، فالإنسان إذا منحها بعد ان أهل استطاع ان يتعامل مع شتى الأفكار دون وجل، وميز غثها من سمينها، فالرقابة اليوم أصبحت في ثقافة العصر معوق أساسي للفكر، مع أنها لم تعد ذات جدوى حتى لهؤلاء الذين لا يزالون يعتقدون انه يمكن ان يصب الناس في قالب واحد فيكونون متشابهي الأفكار لا يختلف أحدهم عن الآخر في شيء البتة، ويعتبرون هذا التشابه هو المطلوب دينياً ودنيوياً، فلم يعد أحد منهم قادراً على ان يجعل من الرقابة حداً فاصلاً بين ثقافة يريد فرضها، وأخرى تنمو خارج دائرة إرادته، فقد زالت اليوم الحدود واختفت القيود، وأصبح الفكر الإنساني مشاعاً بين الشعوب، والذين لا يدركون هذه الحقيقة يعيشون وهماً عن ما قبل سينكشف ويرون الحقيقة عارية، رغم ما يبذل من جهود عقيمة لحجبها، وإذا كان الحال كما وصفت فإن الاصرار على عبر موانئ البلاد جوية وبرية وبحرية على التعامل مع المادة الثقافية والمعرفية على أنها خطر على المجتمع، لا يجب ان يصل إليه منها إلاّ ما يسمح الرقيب بنفوذه إليه، أمر محرج للعناية، فهذه الرقابة لن تحقق مرادها، وهي ولا شك تعيق الباحثين عن المعرفة في كل مجال ان يحصلوا على ما يريدون بيسر، وترسم صورة لنا خارج الحدود لا نرضيها لبلادنا، والكتاب الذي صناعته في بلادنا تكاد ان تكون مفقودة، لا يزال توضع شتى العراقيل لوصوله ليد قارئه، فلا يزال من الرقباء من يظن انه أشد خطراً من المخدرات القاتلة، فيمارس منعه، وهناك رقباء آخرون لم تعهد إليهم هذه المهمة لا يزالون يمارسون دوراً في منع الكتاب حتى إذا وصل عبر معارض له اقليمية أو دولية، ويمارسون دوراً آخر على المكتبات التجارية يجعلها تلافياً لتدخلهم لا تعرض إلاّ التافه من العناوين التي يرضى عنها هؤلاء الرقباء المتطوعون، والكتاب دوره أساسي في تثقيف الشعوب والارتقاء بأفكارها لتمارس دورها الحقيقي في الحياة، ونحن ما لم نتطلع بتفاؤل إلى ان دور الرقيب يجب ان يتلاشى، ونسعى إلى ان يصبح هذا حقيقة واقعة فإننا ولا شك سنفقد الكثير وسنعرض مصالحنا الوطنية للخطر، ولعل وزارة الإعلام اليوم في أفضل حالاتها ولابد لها من ممارسة الدور الأصيل لها في اطلاق حرية التعبير والتفكير، وإتاحة الفرصة للكتاب ان يصل إلى يد القارئ دون ان يعترضه رقيب، فهل تفعل هو ما أرجوه.
المغربي والاتصال
ويختتم الكاتب حسين عاتق الغريبي هذا الموضوع قائلاً: ان وسائل الاتصال الحديث جعلت العالم مفتوحاً للجميع كما قال أيضاً: انه لا خلاف على ان هناك قواعد وضوابط لابد من الاعتراف بضرورة الالتزام بها في عملية مراقبة «الكتب» والمطبوعات، خاصة تلك التي تساهم في نشر الرذيلة، او تمس العقيدة الإسلامية بسوء، او تحمل توجهات فكرية تتنافى مع ثوابت الوحدة الوطنية.
وبعد هذا الاقرار المنطقي يمكن للرؤية الواعية ان تتجه نحو البحث عن مدى سعينا لتحقيق هدف هام يساعد على تطور المعرفة وتدعيم الثقافة العامة.. وهذا الهدف يؤكده اصحاب الفكر النير، حيث يرى بعضهم: «ان الفرد لابد له من الاطلاع على ما في عالمه الواسع، وأن وسائل الاتصال الحديثة قد جعلت العالم مفتوحاً».
ومن الطبيعي ان تتاح الفرصة لطالب المعرفة كي يطلع على الجديد من نتاج الفكر البشري.. ليتأمل، ويفكر، ويحلل، ويشارك بالرأي وفق مخزون ذهني يتناسب مع التطور الثقافي.
وحين نشعر بصعوبة الحصول على بعض الكتب التي نسمع عنها ولا نراها، لتعذر السماح بدخولها، او عرضها ضمن غيرها في معارض الكتب بسبب «قرار المنع» الذي تصدره ادارة المطبوعات؛ فإن من البديهي ان نتساءل:
- ماهي الطريقة التي يتم بها تقييم الكتب الواردة بين (صالح) و(طالح)؟
- وهل هناك ضوابط أخرى غير ما اشير اليه أنفاً؟
- مامدى درجة تذوق المكلفين بالمراجعة لطعم النتاج «المعرفي» كي ينصفوا بعض الكتب التي تكتنز الابداع؟
قد تكون الاجابة - في الغالب - غير مقنعة لاننا اصبحنا في عالم توفرت فيه كل المعلومات «الظاهرة والباطنة» عبر وسائل حديثة من اهمها واخطرها «الانترنت».. ولست بحاجة الى ايضاح اكثر.
- المطلوب اتاحة الفرصة للمثقف او طالب المعرفة كي يطلع على فكر الآخر، ليفهم ويتعلم اكثر، او يتنبه ويحذر، وقد يظهر مشاركة ايجابية في الرد على اقوال يراها خاطئة. فهو هنا يخدم الحقيقة والصواب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.