عندما قرأت كتاب «التدريس والتفكير» تأليف الدكتور إبراهيم بن عبدالله الحميدان، المرة الأولى وجدت انه من الضروري قراءته عدة مرات لما وجدت فيه من الفائدة الكبيرة ولا سيما انه مهم للغاية لكل طالب ومعلم ومدير مدرسة وولي أمر ومشرف وكل طالب علم، خاصة في وقتنا المعاصر، حيث يبلغ عدد صفحات هذا الكتاب «223» صفحة من الحجم المتوسط يستطيع أن يتناوله كل قارئ وقد احتوى هذا الكتاب على ثلاثة فصول: الفصل الأول: مؤثرات في عملية التدريس. الفصل الثاني: استراتيجيات وطرق وأساليب التدريس. الفصل الثالث: التدريس والتفكير. 1- والناشر «مركز الكتاب للنشر» حيث يقول المؤلف، تتم عملية التدريس وفق خطة مرسومة محورها الأساس «استراتيجية وطريقة واسلوب يحرص المعلم دوماً على وضع وبناء استراتيجية التدريسية وتنفيذ طريقته باسلوبه الخاص، فيركز البعض منهم على تلك الاجراءات المجردة المتعلقة بالاستراتيجيته والطريقة والاسلوب فيبني فلسفته التعليمية على هذا الأساس. هذا النوع من التفكير يجعل المعلم يمارس سلوكاً أنانياً في التدريس، فيركز على ذاته على انه المحور الأساسي للعملية التدريسية وبالتالي يرتكب خطأ فادحاً في فهم الهدف الأساسي للتعليم، يفترض أن تبنى الفلسفة التدريسية دوماً حول المتعلم لا المعلم فهو الهدف والمعلم أداة من أدوات تحقيق أهداف التدريس وأهداف المدرسة». ويستطرد فيقول ان تنمية التفكير أو التدريس من أجل تنمية التفكير، هو موضوع الساعة في الأوساط التربوية وذلك لأنه المؤشر الحقيقي على وجود تعليم وتعلم صحيحين وسليمين، لذا فهناك العديد من التوجهات نحو الاهتمام بهذا الجانب. يعاني التعليم في بعض البيئات التعليمية من سيطرة التعليم النظري التقليدي البحث القائم على فلسفة التلقين وان المعلم هو المصدر الأول للمعرفة، وهذا ليس عيب التعليم نفسه بقدر ما هو مشكلة في مستوى التنفيذ من قبل المعلمين ومرد ذلك إما لعدم الجدية في العمل أو لسوء في الإعداد أو تبني فلسفة تعليمية قاصرة أو اعتناق وجهات نظر تربوية خاطئة، وهذا يتمثل بشكل أوضح من خلال تربية الطلاب على العقلية المغلقة وحصر دورهم فقط في مجرد التلقي والتنفيذ، حيث يعتمد المعلمون بذلك على اسلوب التلقين وان الصواب هو فقط ما يعرفه المعلم، وهذا بالتالي يحرم الطالب من واحدة من أعظم النعم التي وهبها له الخالق سبحانه وتعالى وهي نعمة العقل وتسخيره لتحقيق أهدافه، مفاد ذلك ضرورة تعليم الطلاب التفكير المنطقي، والتفكير الناقد، والتفكير الإبداعي، وتعويدهم على استخدام مهارات التفكير العليا، وبالتالي يعرف الطالب. كيف يسأل ومتى يسأل وأين يسأل وعن ماذا يسأل ولماذا يسأل. إن ما يحدث الآن هو عبارة عن خلل في عملية التقويم بحيث انه كثيرا ما تقوم عناصر العملية التعليمية بشكل خاطئ ويهمل التقويم السليم لأهم جانب فيها وهو الطالب. فيعتقد البعض ان ما يقومون به من اختبارات كربونية تتعامل مع المستويات المعرفية الدنيا. هو التقويم الصحيح وهم بذلك يرتكبون خطأ جسيما، ويستمر الطالب ينتقل من مرحلة إلى مرحلة إلى أخرى ومن سنة إلى أخرى حتى ينهي تعليمه الجامعي وهو يجهل أبسط أساسيات التفكير المنطقي والقدرة على التحدث والمحاورة والجرأة والشجاعة، ثم يعكس ما يحمل من إرهاصات وتراكمات فيلقنها طلابه وبالتالي تظل عملية التفكير السلبي تدور، إن دور المعلم الحقيقي ليس فقط نقل المعرفة، بل لابد من اتاحة الفرصة للطالب لكي يبني معارفه بنفسه عن طريق الممارسة والتطبيق والتنظير والمناقشة وهذا لا يتحقق إلا عن طريق التعليم القائم على فلسفة التفكير، لو رجعنا لبداية هذه الكلمة لوجدنا ان المؤلف قد وفق في طرح هذا الموضوع الهام وكأنه يقول ويقول غيره وأضم صوتي معهم. ان لدينا الأمل الكبير أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه «مادة التفكير العلمي» المستمدة من ركائزها الإيمانية وثوابتنا الفكرية أحد المقررات الدراسية في مدارسنا، لتكون خطوة على درب دعوة أمتنا إلى وظيفتها الأساسية وهي الدعوة إلى العلم والتقدم الحضاري والمعروف عند هذه الأمة قديما فهي أم الحضارات، لقد أصبح من وظيفة التربية أن تعنى بتعليم الناس كيف يفكرون، وان تحذرهم من مزالق التفكير، وتدربهم على أساليبه السديدة، متى يستطيعون أن يشقوا طريقهم في الحياة بنجاح. ويدعموا أبناء الحضارة، وحتى لا يصيروا عبيداً للغير في تفكيرهم.. وقد يتساءل بعض الناس: هل يحتاج الإنسان أن يتعلم كيف يفكر؟ أو ليس الإنسان مفكراً بطبيعته؟ والجواب: ان الإنسان في حاجة إلى تعلم طرق التفكير والتدرب على مهاراته كحاجة لأن يتعلم كيف يتكلم، وكيف يعامل الناس إن العناية بتعليم التفكير في مدارسنا أصبح حاجة ملحة وعلى المسؤولين في وزارة التربية والتعليم أخذ هذا الموضوع بعين الاعتبار والاستفادة من الأمم التي سبقتنا والتي يتنامى في مدارسهم. ويسعون للطرق والأساليب لتطوير مثل هذا الموضوع في مدارسهم، إن القرآن الكريم زاخر بالآيات التي تحث على التفكير والتدبر ونخاطب أولي الألباب لعلهم: يتفكرون، ويفقهون، ويعقلون... وهذا ما دعا إليه أحد المفكرين المسلمين في العصر الحديث إلى أن يقول: بهذه الآيات وما جرى مجراها تقررت - ولا جرم - فريضة التفكير في الإسلام، وتبين منها ان العقل الذي يخاطبه الإسلام هو العقل الذي يعصم الضمير، ويدرك الحقائق - ويميز الأمور ويوازن بين الأضداد، ويتبصر، ويحسن الأدكار والرؤية، وانه هو العقل الذي يقابله الجمود والعنت والضلال، وليس بالعقل الذي قصاراه من الإدراك انه يقابل الجمود والعنت والضلال، وليس بالعقل قصاراه من الإدراك إنه يقبل الجنون...» إذ يعتبر التفكير العلمي ضرورة للفكر وليس حاجة فحسب، لكي نضمن تعليماً فعالاً ذا كفاءة عالية، ونحن بأمس الحاجة لتكوين وعي بمشكلة الابتعاد عن التفكير العلمي وخطورة ذلك، إذا علمنا ان نسبة كبيرة من الطلاب الذين يتخرجون من الثانوية العامة بدرجات عالية ينسون المعارف التي مرت بهم في السنة الأخيرة قبل الدخول إلى الجامعة، فما بالك بعد سنوات!، وهذا يؤكد للجميع أن اسلوب التدريس + مناهج التعليم والاساليب المتبعة بحاجة إلى إعادة النظر من منطلق التفكير العلمي، ودراسة كفاءتها مقارنة بالناتج التعليمي الذي يفرز كميات كبيرة من المتخرجين دون أن يكون فيهم مبدعون في أي مجال، ويجمع التربيون وأضم صوتي لصوتهم وكما ورد في كتاب الدكتور إبراهيم الحميدان على أن الدعوة إلى التفكير العلمي هي دعوة وطنية عامة لكافة أفراد المجتمع تهم بالدرجة الأولى أبناءنا الطلاب والمعنيين بالتعليم كما يؤكدون على ان التعليم الآن أصبح بحاجة لشيوع الجوع العلمي المبني على الأدلة العقلية المنطقية والاستنتاجات الدقيقة والبعد عن الأهواء والرغبات ويأمل الجميع أن تزول من عقولنا رواسب التلقين والاسلوب التقليدي الذي ليس له سند علمي صحيح، وبذلك ننتج طلابا يملكون الجرأة الأدبية والنقد العلمي الواقعي المستند على الدليل والبرهان، إضافة إلى تعويد الطلاب على نقض ما يتوقع انه شيء منته، لكي يحاول أن يضيف للقوانين والنظريات بتشجيعه، واحترام رأيه ووضعه في مكانه اللائق أمام إنجازات العلماء والمفكرين بحيث لا يسخر منها من جهة ولا يقف أمامها من جهة أخرى. ووضع التعليم الآن في مرحلة تقدم ولكن نحن بحاجة إلى التطوير في ضوء الاتجاهات التربوية المعاصرة ونحن لا نعدم ولله الحمد وجود طاقات مبدعة ومشرفة في شتاء حقول المعرفة لكنها قليلة مقارنة بالمجموع الكلي الذي نأمل أن يزداد فيه المفكرون والعلماء والمبدعون في سبيل خدمة وطننا وأمتنا العربية والإسلامية والنهوض بها إلى مصاف الدول المتقدمة، لنبني حضارة نستفيد من منجزات الآخرين وتضيف على عطاءاتهم وتطور أساليبهم، وتبتكر ما يناسبها في ظل إمكاناتها وحاجتها وظروفها. يقول الدكتور الحميدان: «يمكن القول ان الإبداع مرحلة متقدمة من مراحل التفكير فإذا نميت مهارة التفكير بشكل متزن وفاعل فإنه يمكن الوصول إلى مرحلة متقدمة قد تتطور في حال كان الشخص يحمل المؤهلات إلى مرحلة الإبداع، وهؤلاء المبدعون يحتاجون كل رعاية واهتمام ليتحول ذلك السلوك الإبداعي إلى مرحلة انتاجية تهم في بناء المجتمعات، لا شك ان التفكير العلمي السليم هو الطريق إلى الإبداع والتأصيل التطبيقي ليشمل مجالات العلم والمعرفة والفن، ولذا لابد أن تركز الحصائل المعرفية في مراحل التعليم على تنمية قدرات الطلاب على هذا التفكير وتأطيره وفقاً للمسارات المنهجية العلمية المختلفة. ولكي يتحقق هذا التأطير لابد أن تغير جهات الاختصاص من المنظور الحالي لتصميم البرامج والمقررات المعتمد على عرض المفاهيم واستخدام اساليب التلقين التقليدية إلى المنظور الديناميكي الجديد الذي يكفل للطلاب كيف يفكرون، وكيف يعاملون مع آليات التفكير العلمي أي مع منهجيته وخطواته ومقتضيات تنفيذ هذه الخطوات، فالبرامج والمقررات التي تشحذ أذهان الطلاب بالمفاهيم المجردة من الوقائع التطبيقية هي برامج عقيمة تئد الإبداع، ولا تمكن الطلاب من تفعيل معرفتهم التفعيل الذي يسمو بها إلى مصاف الفكر العلمي المطلوب اليوم في عالم التقنية، بل وتعيق المزاوجة بين النظرية والتطبيق أو بين الشمول والتخصص المعرفي الدقيق. إذاً نشدد هنا على ان أهداف التعليم هو تعليم الطلاب «كيف يفكرون؟» بدلاً من «كيف يحفظون؟» وهناك أساليب علمية مختلفة يمكن تلخيصها فيما يلي: 1- اسلوب حل المشاكل. 2- اسلوب الاستنباط. 3- اسلوب الاستقراء. 4- التفكير الناقد. 5- التفكير الابتكاري. ومن أجل هذا لابد أن يركز المعلم على مساعدة الطلاب على التفكير العلمي، التفكير الموضوعي المجرد الشامل الذي يقوم على الدليل والبرهان مع إجراء التجارب، واستخدام المنطق السليم، والإيمان بمبدأ السببية للوصول إلى النتائج العلمية وربما توقع نتائج جديدة. إن تنمية قدرة الطلاب على التفكير العلمي لن تتحقق بمجرد التدريب عليها مرة أو مرات متعددة، فالأمر يتطلب مزيداً من الاستمرار والتصميم وذلك باتاحة الفرصة للطلاب بمواجهة مشكلات حقيقية بحيث نساعدهم على كيفية التعريف عليها وتحديدها ووضع الفروض المناسبة لحلها، وتجميع المعلومات المناسبة بشأنها من المصادر الأساسية حتى الوصول إلى الحل أو الحلول المناسبة. لقد أصبح لزاماً على المدرسة أن تعي أن اسلوب التعليم بواسطة الحفظ والتلقين غير مجد إطلاقا فقد اثبتت الدراسات أن 80 - 90٪ مما يتعلمه الطلاب بأسلوب التلقين يصبح بعد فترة في طي النسيان. ومن أجل تنمية التفكير العلمي عند الطلاب يقترح ما يلي: 1- ينبغي على المعلم أن يساعد الطلاب على تنمية المهارات اليدوية من خلال إعطاء الطلاب فرصة استخدام أدوات القياس والأجهزة العلمية وذلك لتعميق معرفتهم ومزاولة الدراسة العلمية. 2- التركيز على التفكير العلمي وعلى مهارات أو عمليات العلم التي يمكن للطلاب استخدامها وتطبيقها في حل في مشكلاتهم. 3- أن يشجع طلابه في البحث عن المعلومات العلمية خارج الكتب المدرسية وهذا يعني امتداد التعليم خارج الفصل والمدرسة. 4- التركيز على أثر العلم والتقنية في حياة الإنسان. 5- التأكيد على الوعي الوظيفي والمهني للطالب وخاصة فيما يتعلق بالمهن ذات الصلة بالعلم والتقنية. 6- تعويد الطلاب على المناقشة وإثارة روح المبادرة لديهم وعدم السخرية من أفكارهم. 7- الابتعاد عن اسلوب الحشو والتلقين وإعطاء دور أكبر للطالب من أجل تشجيعه على الشرح الواضح والمناقشة والتساؤل العلمي دائماً. 8 - الاهتمام بربط ما يوجد في الكتب الدراسية بالبيئة وتطور العلم والتقنية. 9 - التركيز على الكيف لا الكم في المادة العلمية مع الاهتمام بهذه المادة بدورها المتميز في تنمية مهارات التفكير العلمي. 10- استخدام أساليب تدريسية مختلفة في تدريس الحقائق والمفاهيم العلمية بالإضافة إلى الرحلات الميدانية العلمية. التأكيد على خبرات الطالب والانطلاق منها بحيث يكون للطالب دور فاعل في عملية التفكير العلمي. 11- الربط بين الدراسة النظرية والدراسة المعملية، بحيث يمكن للطالب أن يستخدم ما اكتسبه من معارف عملية في القيام بالنشاطات والتجارب المعملية وتفسيرها. وفي الختام آمل أن يلقى هذا الاقتراح تجاوباً من المسؤولين بوزارة التربية والتعليم فلابد من رعاية الإبداع وصقل مواهب التفكير العلمي الصحيح، دون الوقوع في الإجابات الإنسحابية التي نواجه بها الأسئلة المبدعة ولعل هذا الاقتراح هو أول السلم في حل هذا الاتجاه.. وفق الله كل من عمل وسيعمل لخدمة أبنائنا في هذا الوطن الحبيب فهم بناة الوطن وأمل مستقبله بعد الله تحت رعاية كريمة من قادة هذا البلد الأوفياء.