مع اقتراب الذكرى المئوية لاتفاقية «سايكس بيكو» لا حديث في تركيا إلا عن خطر مخططات التقسيم الجديدة، وحجم التهديد الذي تمثله روسيا على الأمن القومي التركي، فالرئيس أردوغان انتقد روسيا دون تسميتها بقوله «هناك منظمات إرهابية تحاول بناء مناطق لها على الحدود الجنوبية للبلاد بدعم قوى دولية خارجية وهذه القوى تدعم تأسيس دويلة في الساحل السوري. ونحن قلقون إزاء احتمال تقسيم سوريا لأن هناك من يدعم إنشاء ممر في الشمال (سورية) ولكن لن نسمح بإقامة مثل هذا الممر، وسنفعل ما يمليه الواجب علينا في هذا الخصوص. فوجود مثل هذا الممر سيمثل مشكلة وخطرًا بالنسبة لنا»، كما أن نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتلموش قال للبرلمان التركي، «إن المنطقة تمر في مخطط «سايكس بيكو الثاني» لتقسيم المنطقة». الجميع يتحدث عن تزايد الخطر الروسي وسط تأكيدات عدد من كتاب الرأى البارزين وتلمحيات من القادة السياسيين بمسئولية روسيا عن التفجير الخطير وغير المسبوق، والذي استهدف حافلات تقل عسكريين أتراكا في قلب المجمع الأمني والسياسي في أنقرة قبل أسبوعين، والذي انتهى إلى 29 قتيلا و61 جريحا، واستكملت دائرة النار بعبوة تزن طناً تم تفجيرها بقافلة عسكرية قرب ديار بكر، أسفرت عن مقتل سبعة جنود. ومن الجانب الروسي فالمواقف العدائية وغير المسبوقة في خطورتها تتوالى فقبل أسبوعين اقترح السياسي الروسي المتطرف «فلاديمير جيرينوفسكي» أن يتم قصف ثم غزو تركيا عن طريق اليونان وبلغاريا من الغرب وأرمينيا من الشرق. كما ان الاعلام الروسي أصبح يطرح قضايا لم تطرح طوال قرن وهي اعادة النظر في تجديد «معاهدة موسكو- قارص»، والتي تقوم روسيا بالتصديق عليها كل 25 عاما، والتى حصلت بموجبها تركيا على مدينة قارص وما حولها . قبل مائة عام وفي فبراير 1916 صادقت الإمبراطورية الروسية في «بتروغراد- سان بطرسبرغ» على النصوص السرية لاتفاقية «سايكس- بيكو»، وذلك خلال اجتماع بين سايكس ووزير الخارجية الروسي آنذاك «سيرغي سازونوف» حيث قسمت صفقة «سايكس- بيكو- سازنوف»، الولايات العثمانية بين بريطانيا، وفرنسا، وكان مُتفقا أن روسيا تبسط نفوذها إلى إسطنبول للسيطرة على المضايق ما بين البحرين المتوسط والأسود. وتم التوقيع على اتفاقية «سايكس- بيكو»، في 16 مايو 1916، لكن وبعد نجاح الثورة البلشفية وسقوط النظام القيصري في روسيا 1917 كشف البلاشفة تفاصيل معاهدة سايكس بيكو ومحاضر «بتروغراد» والتى تقضى بضم مناطق عثمانية كان الروس القياصرة يريدونها للسيطرة على مضيقي البوسفور والدردنيل. تحسنت العلاقات التركية الروسية نسبياً بعد تأسيس الجمهورية التركية الحديثة في اكتوبر 1923، لكن انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب الثانية جعل قادته في وضع يرفضون فيه تجديد معاهدة الصداقة والحياد السوفيتية- التركية والتي تم إبرامها عام 1925. كما تم إبلاغ تركيا بأن اتفاقية «مونترو» والتي تنظم المرور عبر مضيق البوسفور أصبحت لاغية وأنه يجب أن يتم تعديلها. كما طرحت السوفيت عودة المقاطعتين التركيتين «قارص وأرداهان» إلى الاتحاد السوفيتي. مما اضطر تركيا إلى الإسراع في عملية الانضمام إلى حلف الناتو والبقاء تحت حمايته. الأحداث الحالية في سوريا تجعل تركيا في وضع صعب وحرج يذكرنا بوضعها بعد الحرب العالمية الثانية فمعركتها مع حزب «الاتحاد الديمقراطي»، هي في الحقيقة والأساس معركة مع حليفتها السابقة «واشنطن». وهي تخوض معركتها السياسية الدبلوماسية وفق مبدأ «إما معي أو معه».. والجديد هذه المرة هو اتفاق واشنطنوموسكو ومعهما طهران على دعم عدو تركيا الأول سياسياً وعسكرياً في وقت لم يتبق على الذكرى المئوية لسايكس بيكو1 سوى أسابيع..