على مدى خمسة قرون وقعت 150 حرباً بين الامبراطوريتين العثمانية والروسية منذ عهد القيصر إيفان الرابع عام 1547 مروراً ببطرس العظيم 1721م وانتهاءً بالثورة البلشفية 1917م، حيث سبق وأن قام الروس بالتوسع غرباً وشن القياصرة حروباً عدة ضد العثمانيين وكانت الأطماع التوسعية الروسية تتنامى على مسرح السياسة الأوروبية والدولية مُمتزجة بالدوافع والعواطف الدينية المتعصبة الهادفة لحماية الأرثوذكس في العالم، وحلم استعادة روما الثانية «القسطنطينية» والوصول للأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين. كان القضاء على تواجد العثمانيين وخاصة في آسيا الوسطى والبلقان، وإضعاف الدولة العثمانية والوصول العسكري للمياه الدافئة إستراتيجية ثابتة وحلما دائما يراود الروس، ولم تتردد القوى الكبرى آنذاك كفرنساوبريطانيا في تشجيع الحروب بين الأتراك والروس تحقيقا لمصالحهم المتمثلة في إضعاف روسيا وردعها عن التدخل الفاعل والنشط في السياسة الأوروبية، وكذلك إضعاف الدولة العثمانية تمهيدا لتقسيمها التدريجي وبطريقة لا تؤثر على التوازن الدولي. وفي قمة ضعف الدولة العثمانية كانت بريطانيا ترفض القضاء السريع عليها لأن ذلك سيهدد مصالحها وأمن مستعمراتها في الهند، وسيعني غياب دولة لا تزال تقف سداً منيعاً أمام الأطماع الروسية للوصول للمياه الدافئة، وبسبب هذا فشل القيصر الروسي نيكولاي الأول في اقناع الإنجليز بتحقيق مخططه بضرب الدولة العثمانية بعد أن عقد لقاءً تاريخياً مع السفير البريطاني في مدينة سانت بطرسبورك، وتناول اللقاء عرضا روسيا باقتسام الدولة العثمانية، وأرادت بريطانيا أن تنصب فخاً بعناية لإيقاع روسيا في حرب الإتراك فأطلعت بريطانيا العثمانيين على حقيقة النوايا الروسية السرية ضدهم. لم يستوعب نيكولاي الأول المتعصب دينيا حقيقة أن تقف دولة مسيحية كبريطانيا مع العثمانيين المسلمين ضد روسيا المسيحية، وكان تقديره الخاطئ للموقف أنه سيقاتل الدولة العثمانية بمفردها، فيحقق انتصارا سهلا يمكنه من انتزاع ولو بعض من المكاسب كالتي حققتها روسيا ضد الدولة العثمانية حين أجبرتها في يوليو 1833 على القبول بإغلاق المضايق التركية أمام جميع السفن الحربية، والسماح فقط للأسطول الروسي بدخول مضيق البوسفور وهذا قلل الكثير من التهديدات البريطانية والفرنسية ضد القوات الروسية في البحر الأسود. لم تتوقف الحروب الروسية التركية ومثلت حرب القرم الدموية 1853– 1856 إحدى آخر حلقات الصراع التركي الروسي المدعوم أوروبيا واسلامياً حيث انتصرت الدولة العثمانية بدعم من فرنساوبريطانيا وقوات من جميع ولايات الدولة العثمانية كان منها القوات المصرية والتى قاتلت بشراسة وقدمت مصر حينها 2500 جندي استشهدواً دفاعاً عن القرم. يتضح من السطور السابقة أزلية الصراع التركي الروسي القائم على اساس ديني والدعم الأوروبي لهذا الصراع وتذكيته، ورغم أن العداوة التركية الروسية خفت بعد تفكك روسيا القيصرية والدولة العثمانية قبل قرن، لكن العجيب أن روسيا اليوم تعود للدين وللقيصرية، فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية و«العقيدة الأرثوذكسية»، تعني الكثير بالنسبة للرئيس بوتين و«النظام البوتيني الروسي»، ولروسيا «وريثة البيزنطة» و«روما الثالثة» والتي تحمل رسالة كونية بأنها الحامي الوحيد والأوحد للمسيحية في العالم والتي يحارب مواطنوها في «الناتو» وبعضهم في سوريا تحت شعار ما يصفونه «بمحاربة الإرهاب الإسلامي». وفي نفس السياق تسترجع تركيا الدين وتاريخ العثمانيين عبر حزب «العدالة والتنمية» والذي لا يخفي مُنظروه وجماهيره نزعتهم العثمانية وحنينهم لأمجاد السلطنة.. إذاً التاريخ يُعيد نفسه بعد عودة أتراك اليوم لأدبيات «الاجداد» وإعلان روسيا أنها تستعيد أمجاد «روسيا القيصرية» عبر بوابة الشام والتى تعني الكثير للعثمانيين تاريخياً ووجدانياً، فهل تقع الحرب 151 بين السلطان والقيصر الجديدين؟ وللمقال صلة.