يشتكي مواطنون كثيرون من مستوى الخدمات الصحية في المملكة، وتحفل الصحف بمقالاتٍ ناقدة للمستشفيات الحكومية على وجه الخصوص، وهناك انزعاج واسع من تأخر المواعيد وعدم كفاية عدد الأسِرَّة لتغطية طلبات المرضى، وعلى هذا الأساس، يتم اقتراح حلول مثل التوسع في بناء مستشفيات جديدة، لاستيعاب الطلب على الخدمات الصحية، غير أن تأخر المواعيد وعدم توافر أسِرَّة كافية ليس المشكلة الأساسية في النظام الصحي. النظام الصحي في المملكة مصمم بشكل مشابه للنظام الصحي البريطاني، وهو من أكثر الأنظمة الصحية كفاءة على مستوى العالم، ويعتمد بشكل أساسي على توفير خدمات الرعاية الأولية. هناك ثلاثة أنواع من الرعاية الصحية: الرعاية الأولية، ويقدمها الطبيب العام وطبيب العائلة، غالباً في المراكز الصحية الأولية، والرعاية الثانوية، ويقدمها طبيب متخصص في أمراض معينة مثل أمراض القلب والجهاز الهضمي وغيرها، والرعاية الثالثة، ممثلة بالخدمات المقدمة للمرضى المنومين في المستشفيات، من تشخيصٍ دقيق إلى العمليات الجراحية وعلاج الأمراض الخطيرة مثل السرطان. ضمن هذا التقسيم، تصبح مراكز الرعاية الأولية، وأطباء «العائلة»، أول من يقدم الخدمات الصحية للمرضى، وفي بريطانيا، لا يمكن للمريض الانتقال إلى المستشفى، ورؤية طبيب متخصص، قبل أن يفحصه الطبيب العام، ويتأكد من الحاجة إلى تحويله لطبيب متخصص. هذا بالتحديد ما لا يحدث عندنا، فقد اعتاد المرضى القفز على مراكز الرعاية الأولية في الأحياء، والدخول على الأطباء المتخصصين مباشرة، لفقدانهم الثقة بمراكز الرعاية الأولية، نظراً لما تعانيه من ضعف وإهمال، يعكس فشلاً في تأدية مهامها، والنتيجة أن أعداد المراجعين للمستشفيات تتزايد، ويصبح الضغط أكبر على هذه المستشفيات، فتتأخر المواعيد، ويمسي الحصول على سرير أمراً صعباً. تشير دراسات إلى أن كثيراً من الحالات في المستشفيات يمكن علاجها داخل مراكز الرعاية الأولية، وهو ما يعني ضرورة التركيز على تفعيل دور هذه المراكز، والتأكيد على أولوية الطب الوقائي، بما يشمله من توفير اللقاحات، والتوعية الصحية بالغذاء السليم ونمط الحياة الصحي، خاصة في ظل انتشار أمراض السكر والقلب بنسب عالية في المملكة والخليج. غياب الاهتمام بمراكز الرعاية الأولية، وهي خط الدفاع الأساسي أمام الأمراض، وعدم الاهتمام بالطب الوقائي، لتقليص عدد الحالات المرضية، يزيد العبء على المستشفيات. حان الوقت لتفعيل دور المراكز الصحية، ودفع نصف الأطباء المتخرجين من كليات الطب نحو التخصص في طب العائلة، والعمل في المراكز الصحية، لتحسين جودة خدماتها، بحيث تصبح هذه المراكز جاهزة لناحية وجود فريق طبي من الأطباء والممرضين ذي كفاءة عالية، وأجهزة حديثة تساعد في التشخيص السليم. لم تكن حلول مثل التأمين الطبي وفتح المجال للمستشفيات الأهلية ناجحة كفاية لتخفيف الضغط على الخدمات الصحية الحكومية، والأجدى التركيز على إعادة بناء الرعاية الأولية، بما يجعلها قادرة على تقديم أفضل خدمات صحية، داخل كل حي.