من قبل كتبت في هذا الموضوع والآن أدور في نفس الفلك. ثمة أرض قاحلة جرداء بين جامعتنا العربية وبين الفكر المعاصر، فهي تعمل في الوهم أي البعد عن الواقع وعن الحقيقة، فخارج أطر المناهج المكررة والمستهلكة ليس هناك سوى درجات علمية تمنح لبحوث منقولة أو معادة بتصرف. آلاف الخريجين كل عام يودعون سنوات الدراسة الجامعية كما دخلوها لأول مرة دون ثقافة ودون رؤية ودون تخطيط لماهية المستقبل، فقط الوظيفة هي الطموح الأعلى. عدا النجاحات القليلة التي تتأتى بجهود فردية، لا نسمع عن مشروع فكري أو ثقافي أو اجتماعي يمكن لنا أن نقف عنده بالتفات، ولم نعرف بمركز معلومات ساهمت فيه الجامعات لتغذية الباحثين والباحثات. واقع مرير تكرس له هذه الجامعات، مليء بالإحباط، وبالصور الصغيرة والمسارح المنفردة للصراع الذي يحاط بالكتمان من أجل الحفاظ على الموقع، وعدا النجاحات القليلة التي تتأتى بجهود فردية، لا نسمع عن مشروع فكري أو ثقافي أو اجتماعي يمكن لنا أن نقف عنده بالتفات، ولم نعرف بمركز معلومات ساهمت فيه الجامعات لتغذية الباحثين والباحثات بالمعلومة المفيدة والحديثة، فالمشاريع الفكرية والبحثية القليلة جدا التي عرفنا عنها كانت نتيجة لجهود أفراد بذلوا ما استطاعوا من جهد، وليدلني أحد على موسوعة كالتي عمل عليها د. عبد الوهاب المسيري طيلة ربع قرن، أو كالموسوعة العالمية التي صدرت في المملكة العربية السعودية عن مؤسسة خاصة، أو كالمشروع الفكري لمحمد عابد الجابري أو غيره من المشروعات التي قد نختلف أو نتفق حولها، لكننا نحترمها لما بذل فيها من جهد ووقت. ولأننا في حلبة صراع حقيقي أمام تيارات عدائية كثيرة لا نستطيع أن ننحي المقارنة جانبا بين جامعتنا وجامعات إسرائيل أو الغرب، مقارنة تصيبك بالإحباط وربما تقودك إلى اليأس. لن أنسى تلك الزيارة التي قام بها جاك در يدا إلى القاهرة منذ أعوام وطلب فى محاضرة له بجامعة القاهرة ضرورة تحرر الجامعة والاهتمام بالجانب الفكري والبحثي اهتماما يقود إلى إفراز عقول مبدعة لا عقول مستهلكة مقلدة، والتحرر الذي قصده (در يدا) هو تحرر من الروتين والفكر الجامد وثقافة التلقي دون فرز، وهيمنة سلطة ووصاية الأساتذة الطامحين في إخراج نسخ كربونية (طبق الأصل) لأفكارهم ورؤاهم، وكذلك تشجيع روح البحث العلمي بعيدا عن القيود. لقد كانت الجامعة فيما مضى معقل الفكر، انطلقت منها حركات التحرر الوطني ومناهضة الاستعمار، وانطلقت منها مشاعل النهضة الاجتماعية وبرزت من خلالها أسماء عديدة سواء في مصر أو السعودية أو العالم العربي، فكيف أضحى موقعها الآن كحاضنات لتفريخ أجيال متشابهة الفكر خاوية المعرفة؟ لا تكاد تجيد حتى لغتها العربية الفصحى، وحتى لا نعود الى الدائرة الجهنمية التي تدور بالسؤال عبر محيطها ونقول من المسئول الجامعة أم المجتمع؟ علينا أن نعترف أولا بأن جامعتنا في مأزق خطير قد يجر المجتمع بأكمله بعيدا عن الإيقاع المتسارع في العالم، فنحن نريد أن تضيق الهوة الحضارية حتى لا تتسع بالشكل الذي يجعل التقريب بين أطرافها أمرا صعبا وربما مستحيلا.