أعترف أنني لا أستطيع أن أستوعب كيف يمكن أن يكون مجرد تواجد حشد من الرجال والنساء من المثقفين في مكان واحد لتجاذب أطراف الحديث في أمور ثقافية لا تهم غيرهم، كما هو مرجح، دعوة ل»تغريب المجتمع». الطريف في هذه الكوميديا السوداء أن من يقول بهذا القول يحسن الظن بشكل مسرف ومن حيث لا يدري أو يشعر بدور وتأثير المثقف بشكل عام في مجتمعنا. وما أزعم أنني أدركه وهو لدي بمنزلة المسلمات التي لا تتزعزع أن تأثير المثقف وأثره في مجتمعنا ضئيل جداً، وأن منزلته ومكانته (وهذا ليس تقليلا من شأنه، بقدر ما هو انتقاد مبطن ولا يخلو من الخبث لمجتمعه) يقع على هامش الهامش. كنت أعتقد ولا زلت أن من يوسمون بالمثقفين «مع التحية للدكتور عبد الله الغذامي»لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة جدا من أفراد المجتمع، يتحركون ويمارسون أنشطتهم، ويتطارحون همومهم وقضاياهم على هامش ذلك المجتمع، إذ لا يمكن قياس ومقارنة دورهم وتأثيرهم بالدور والتأثير الذي يحظى به رجال الدين على سبيل المثال. يريد هؤلاء للأسف الشديد أن يقسروا كل أفراد المجتمع، حتى أولئك الذين يرون أن حريتهم الفردية هي أعز ما يملكون، على نمط أخلاقي وسلوكي واحد لا يحيدون عنه ولا يخرجون عنه قيد أنملة وما على من يطلب دليلا وشاهدا على ذلك إلا أن يقارن أعداد المتابعين للشيخين سليمان العودة ومحمد العريفي بأعداد المتابعين للدكتورين عبد الله الغذامي وتركي الحمد على التويتر كمثال سريع ومواكب لمستجدات العصر وثورته التواصلية. أما إطلاق وصفي»الخزي والعار» على ذات الموقف فهو يحمل في طياته، فضلا عن الطعن السافر والجارح لمن قصدوا بذلك الوصف، موقفا متحجرا للمفاهيم الأخلاقية التي يفترض من أطلق ذلك الوصف امتلاكهم، ومن احتشدوا وتمترسوا وراءه لها. في عرف هؤلاء يعتبر مجرد جلوس امرأة أو مجموعة من النساء الراشدات، وبعضهن حاصلات على أعلى الشهادات الأكاديمية، مع مجموعة من الرجال ممن يشاطروهن نفس الهموم والانشغالات في مكان مفتوح وبشكل علني مجلبة للخزي والعار. يريد هؤلاء للأسف الشديد أن يقسروا كل أفراد المجتمع، حتى أولئك الذين يرون أن حريتهم الفردية هي أعز ما يملكون، على نمط أخلاقي وسلوكي واحد لا يحيدون عنه ولا يخرجون عنه قيد أنملة، وكأن هذا المجتمع ليس سوى قطيع يساق إلى ما يراد له وليس إلى ما يريده ويختاره هو بملء إرادته.