تكرر الحادثة الإرهابية في العنود بعد القديح ليس نتيجة لخلل أمني، لأن الأمن في قمة جاهزيته، ولكن كوامن النفوس من الصعب إدراكها خاصة وانه لا تزال هناك خلايا نائمة يجري العمل على اصطيادها، كما أن هناك متعاطفين مستترين مع التطرف ظنا منهم انهم على حق، وهنا يدخل العامل العقدي بصورة تخل بالأمن على نحو ما حدث وما قد يحدث، فلا توجد حالة أمنية مكتملة في ظل وجود "النفس الأمّارة بالسوء". حادثة العنود التي تم كبحها يفترض أن تدخل في إطار مبدأ "ما لا يقتلني يقوّيني" والتقوية المطلوبة هنا هي الوطنية، التي تذوب عندها المذهبية، بحيث ان الجميع، على قلب رجل واحد في الهم الوطني، هنا ينتهي الجدل ويتوقف النقاش في اختلاف الآراء الفكرية والفقهية والدينية، لأن الوطن آخر حائط صد للتطرف والطائفية، فإذا تعاملنا مع كل حادثة إرهابية في سياق طائفي نخسر جميعا، ونبحث عن ثارات وتنشأ أحقاد ومرارات لا مبرر لها غير الاستسلام لأهداف الإرهابيين في التفرقة. الإرهاب طال مدنا متعددة ولم يكن محصورا على استهداف طائفة بعينها، حتى ان الإرهابيين استهدفوا سمو ولي العهد وزير الداخلية قبل سنوات، والحمد لله الذي سلمه من كيدهم وتدبيرهم، ليواصل مسيرة اجتثاثهم ومكافحة فكرهم الضال، وبالتالي فالمسألة لا تتعلق مطلقا باستهداف فئة اجتماعية ووطنية فيما تسلم الأخرى من الكيد الطائفي والإرهابي، فهناك دائما مفرطون في السلبية الدينية والاجتماعية ينتهون الى هذا الحال الإرهابي دون تفرقة. المتطرفون وجدوا أن حادثة مسجد القديح غير كافية لإشعال فتيل الفتنة، خاصة وأن السنة والشيعة التفوا حول بعضهم، وتبرؤوا مما يعمل هؤلاء الظالمون، وارتقوا بفكرهم على الحادثة، فما كان منهم إلا أن واصلوا أعمالهم الإجرامية اعتقادا بأنهم قد يصيبون هذه المرة أيضا، ولكن أيضا خاب الظن ولم ينجحوا، وذلك مطلوب لأنهم لا يمثلون أي أحد من المجتمع السني، وكان الوعي أكبر بمخططاتهم التي لا تتفق مع أي معطيات دينية أو اجتماعية أو وطنية. في الحادثتين ظهر وعي وطني واجتماعي ضروري لتجاوز الصعاب والتحديات، فهؤلاء المتطرفون يهدفون إلى التفرقة، فهم مرتبكون ويبحثون عن الوقيعة لنشر الفوضى التي تساعدهم في اختراق سلامة واستقرار الوطن، وفي الدول التي نشطوا فيها بعد انتشار الفوضى بها، لم يترددوا في استباحة الدماء لأنهم يتجهون الى تحقيق أفكار وهمية وتأسيس دولة افتراضية بغطاء ديني. بالتأكيد لا يدعو الدين الى سفك الدماء وقتل الأنفس حتى لو كانت غير مؤمنة، وفي التاريخ لدينا كثير من العبر والوقائع التي حصل فيها الذميون ومن على غير دين الإسلام على أمنهم وأمانهم وتعايشوا مع المسلمين في سلام كامل دون تهديد أو وعيد، وما يفعله هؤلاء المتطرفون عبث بالدين يجب أن يوضع دوما في موقعه كجريمة وليس سلوكا دينيا، فلطالما عاش جميع أبناء هذا الوطن في أمن وسلام منذ التوحيد، فالجميع ينتمون الى هذا الوطن والأرض التي نشأوا فيها ولا يمكن تخريب ذلك بالاستجابة لضغط إرهابيين أو طائفيين أقل ما يوصفون به أنهم مجرمون.