العزاء يمتد من عائلات ضحايا الحادثة الإرهابية في مسجد القديح الى كل الوطن، فالمصاب ليس خاصا بمن ذهبوا الى جوار ربهم وإنما يفقد الوطن بعضا من أبنائه وهم في دار العبادة التي يفترض أن لها حرمتها كما للنفس حرمتها، وأنها أكرم من أن تسال فيها دماء أبرياء جعلهم متطرفون تكفيريون هدفا غير مشروع لأجندة دينية منحرفة عن كل ثوابت أو منطق لتنتهي في مسار إجرامي عبثي ضد الدين والإنسانية. التعزية واجبة للوطن لأن الذين قضوا هم من أبنائه الذين نشؤوا وترعرعوا فيه، وينتمون له ومن فعل ذلك إنما أراد أولا ارتكاب جريمة من مبعث عدائي وشخصية غير سوية، وثانيا إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي والوطني، أما الأولى فهي تبقى لتثبت ضلال الفكر وتشويهه لأي مبادئ دينية وإنسانية، والثانية ترتد على من يكيدون ويعملون من أجل إهدار كرامة الإنسان وتهديد الأمن والسلم الاجتماعي والوطني، ثم تذهب مع الصبر الجميل. هوية المعتدي التي كشفت عنها وزارة الداخلية تؤكد الأبعاد الإرهابية والمتطرفة لديه، فهو منتم لتنظيم إرهابي لا يتوقف عن استهداف القطيف أو غيرها، وكونه مطلوبا أمنيا ضمن خلية إرهابية تابعة لتنظيم «داعش»، فإن ذلك يؤكد أن الاستهداف يتجاوز مذهبا بعينه الى جميع أفراد المجتمع والوطن بأسره، خاصة وأن المادة المتفجرة التي استخدمها ثبت أنها ذات المادة التي تم ضبطها مؤخرا في جسر الملك فهد. وتلك المضبوطات التي تأتي في إطار خلية متطرفة لا يتوقع أن تتجه بنشاطها الى منطقة واحدة، أو فئة بعينها وإنما ذلك جزء من منظومة إرهابية شاملة ومتكاملة تستهدف أمن الوطن، ليبقى وعينا الوطني هو الضامن وصمام الأمان لعدم تأويل الوقائع بغير مجراها، لأننا إذا تعاملنا من منظور ذاتي تضيق المساحة التي ينبغي أن نستوعب من خلالها الأحداث وتحديد ما يحاك ضدنا من أفكار لنسف الاستقرار والأمن. الحالة من منظورها الأمني تتطلب تعاملا يبدأ بالفعل من المواطن، لأننا في خضم موجة إرهابية تعلو ولا تنحسر، وحين نستشعر الاستهداف يرتفع مستوى اليقظة، ذلك يساعد الأجهزة في تطوير أدوات مكافحة الإرهاب، والبدء من جذور التطرف الفكرية في العقل الاجتماعي الذي يخضع لعامل تحريضي يؤسس لأمثال إرهابي القديح وغيره، وذلك ما عنيته بالعمق الإرهابي الذي يتجذر في عقول حصلت على جرعات متطرفة مبكرا ولم تتعامل معها بصورة موضوعية ومنطقية تجعل خياراتها سلمية تعلو على الرغبة في القتل والتدمير واستعداء الآخرين.. لقد حصل تشويه للعقل الديني والاجتماعي والفكرة الوطنية تتطلب المراجعة وإعادة النظر.