النتائج الإيجابية الأولية لقمة كامب ديفيد أبرزت أن دول الخليج أقرب وأصدق الحلفاء لأمريكا في المنطقة، وهذا ما أقر به الرئيس الأمريكي في حواره مع (قناة العربية)، ونرجو أن تكون قناعات الادارة الحالية قابلة للثبات حتى نرى على أرض الواقع موقفا أمريكيا حازما مما تفعله إيران في المنطقة، فالتحالف الأمريكي الإيراني هو الذي فجر المشاكل وحول إيران إلى لاعب ومخرب بمقدرات المنطقة ومصالح شعوبها، وجرائم حلفاء إيران يتحمل الشريك الأمريكي، قانونيا وأخلاقيا، جزءا منها. أمريكا تعرف أن اصدقاءها في الخليج هم: أصدق الحلفاء، لم يكذبوا عليها ولم يقفوا أمام مصالحها، وكانوا يتشاورون معها في كل الأمور، ولم يطعنوها في الخلف، ويستثمرون الحصة الكبرى من أموالهم السيادية في سندات الحكومة الأمريكية، وفي فترات تدخل أمريكا في شؤوننا الداخلية، عبر استخدام منظمات المجتمع المدني المشبوهة والممولة من أصحاب المصالح الخاصة، لم نغضب وكنا نقدم حسن النية دائما، لأننا نعتقد أن الأصدقاء يبقون صادقين شفافين، في أول النهار وفي آخره؛ وقد كلفنا حسن الظن ثمنا كبيرا، سياسيا واقتصاديا، وحسن النية والظن قدمناهما في مشروع الحوار النووي الأمريكي الإيراني، حتى اتضح الغموض.. الأقرب للخداع، ولن نندم على حسن الظن، ف(حبل الكذب قصير!) علينا أيضا أن نواصل حسن الظن بالسياسات الأمريكية، وبمخرجات اللقاء في كامب ديفيد، فالتعهدات الأمريكية بحماية استقلال ومصالح دول الخليج نرجو ألاّ تكون مجرد تطمينات، ومن حقنا الحذر من تداعيات الأوضاع في المنطقة حيث الحرب الإيرانية مازالت قائمة علينا، وأمريكا مازال موقفها داعما للتدخل الإيراني في العراق وسوريا. علينا الحذر من مصداقية الموقف الأمريكي لان الرسائل التي كانت تأتي من عدة مصادر في أمريكا، ومنذ أشهر عديدة، تقول لدول الخليج: لن نكون الضامن لأمنكم ضد التهديدات الخارجية، عليكم أن تتدبروا أمركم، نحن معكم فقط كتجار سلاح، نوفر لكم ما تحتاجون من منظومة الدفاع ونسرع بيع الأسلحة التي تحتاجونها. هذه الرسالة لم تأت من الرئيس أوباما فقط، والتي قالها صراحة في لقائه مع توماس فيردمان، حيث قال لنا لا تُرحلوا مشاكلكم علينا أو على إيران، مشاكلكم الداخلية العديدة هي الخطر عليكم!، نفس المضامين السياسية وردت أيضا من جيمس بيكر وزير الخارجية الأمريكي السابق الذي كشف، في حوار مع فريد زكريا في CNN انهم، أي الأمريكان، نصحوا أصدقاءهم في الخليج بعد تحرير الكويت بتأسيس منظومة للأمن الإقليمي والتعاون العسكري بينهم حتى يصدوا المخاطر بسرعة، وتكون المهمة الامريكية هي المساعدة لاحقا، أي بالتزويد بالسلاح والدعم السياسي والمعنوي. وقبيل القمة في كامب ديفيد تصاعدت التسريبات الصحفية من مصادر قريبة من البيت الأبيض ووزارة الخارجية، ومن مراكز الدراسات والسياسات العامة، التي تكاد تتفق على ان أمريكا لن تكون مهتمة بأمن دول المنطقة وترى ضرورة احتواء إيران. الأصوات الوحيدة القوية التي خالفت مسعى الادارة خرجت من التيار المحافظ في الحزب الجمهوري، وهؤلاء تهمهم مصلحة إسرائيل وليس مصالحنا. المؤكد أن التوجهات الأمريكية المستقبلية لن تكون خاضعة للاعتبارات السياسية والاقتصادية التي سادت منذ الحرب العالمية الثانية وحتى نهاية العقد الماضي. اضطراب المواقف الامريكية ربما يعود لتغير أولويات السياسة الخارجية الأمريكية، ويعود أيضا لتغير كفاءة القيادة داخل النخبة السياسية الأمريكية، هذه المتغيرات تقود أمريكا إلى تبني سياسة خارجية جديدة، من معالمها عدم الاهتمام في الشرق الأوسط بالغرق في المشاكل، لا يهمهم سوى حماية مصالح إسرائيل واستيعاب مخاطر إيران على المصالح الأمريكية، وضمان بقاء السياسات البترولية المعتدلة التي تراعي مصالح امريكا وحلفائها خارج المنطقة. في عالم السياسة الثابت هو تبدل المصالح والمتحول هو المبادئ والأخلاق والقيم، وأمريكا من حقها أن توجه سياستها ومصالحها حيثما تشاء ومع من تشاء، ولكن لا يحق لها التحالف وعقد الاتفاقات التي تتسبب في تهديد أمننا وسلامة بلادنا، كما فعلت مع حلفاء ايران في العراق، فالاتفاق الأمريكي مع إيران لاحتلال العراق اطلق مشروع الشر الايراني في المنطقة، فخرجت الحروب الطائفية، وانطلق مشروع داعش لادارة التوحش. نأمل أن تكون أمريكا وصلت إلى الصواب في نظرتها للأمور في الشرق الأوسط بعد أن ارتكبت العديد من الأخطاء، وكما قال تشرشل الأمريكان يصلون للصواب بعد الوقوع في سلسلة من الاخطاء، ومن الأخطاء العديدة التي ارتكبتها أمريكا الاعتقاد ان الربيع العربي يؤدي إلى الديمقراطية، وما نرى انه أدى إلى ازدهار القاعدة وجماعات التطرّف وساعد إيران على إشعال الحروب. العلاقات الخليجية الأمريكية تمر في منعطف هام، فالسنوات القادمة حاسمة لمستقبل العلاقات الأمريكية في المنطقة، ليس مع دول الخليج فحسب، بل حتى مع الدول العربية والإسلامية، وإذا أمريكا تنصح حلفاءها وأصدقاءها بالاهتمام بالشباب وفتح فرص التعلم والعمل حماية لهم من الجماعات الارهابية، أيضا على أمريكا أن تكسب ثقة هذا الجيل الصاعد، فلن تتحقق فرص العمل والتعلم اذا كانت أمريكا طرفا في إشعال النزاعات عبر دعم إسرائيل المطلق، وعبر التعاون مع إيران في مشروعها النووي، وهو المشروع الذي سوف يطلق سباق تسلح في المنطقة، الخاسر الأكبر منه الشباب.