إذا أخذنا التدخلات الأمريكية في الشأن البحريني بحسن نية مطلقة، فنحن إذن نرتكب خطأ قد تكون عواقبه سيئة، فنحن جربنا حسن النية، واتضح أننا بسطاء جداً جداً! أما إذا نحن مطالبون بحسن النية مع أمريكا كدولة صديقة وحليفة، فربما نقول إن مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان ربما تصرف بصورة فردية، نتيجة لتواصل منظم وفعال من جماعات الاحتجاج في البحرين مع المسؤولين الأمريكيين ومنظمات المجتمع المدني القوية في أمريكا، أو هو يتحرك خدمة لمصالح معينة يمثلها، وبالتالي ما قام به لا يعكس توجها أمريكيا جادا. المعروف أن في أمريكا الآلاف من العاملين المتفرغين لتسويق المصالح الخاصة، وأقوى هؤلاء اللوبي الإسرائيلي المتحكم بشكل كبير في سياسة أمريكا في الشرق الأوسط، بالذات (ايباك) والذي يصفه المشتغلون بشؤون الشرق الأوسط في واشنطن ب (المكتب الخلفي) الذي تعد فيه قرارات أمريكا في الشرق الأوسط الجريح! ولكن إذا نحن طبقنا أدبيات الحكمة فنقول إن ما قام به المسؤول الأمريكي، إذا تجردت النوايا، هو أقرب إلى (صب الزيت على النار)، وهذا ما تريده إيران ومعها إسرائيل، أي إشعال النار في المنطقة عبر فتح الجبهات، والبحرين يبدو أنها في جدول أعمال حلفاء الشر في المنطقة، والتحركات الأمريكية مع الأسف مقلقة ومربكة لشعوب المنطقة، ومن الخطأ أخذها بحسن نية مطلقة. وهذا ضروري لأمرين، الأول هو الخوف أن أمريكا وحلفاءها فعلا مقتنعون بضرورة إعادة تركيب المنطقة خدمة لمصالحهم الاقتصادية والتجارية المستقبلية، وهنا طبيعي أن يلعبوا أوراقهم ويتآمروا، ويعيدوا ترتيب علاقاتهم مع القوى الطالعة والآفلة. الأمر الثاني يؤخذ في إطار التخبط والضعف الواضح في سياسة أمريكا نتيجة مشاكلها الداخلية وصراع السياسيين من الحزبين. أمريكا لم يعد فيها رجالات الدولة التقليديون المحترفون الذين يديرون السياسة كرجال دولة، وليس كموظفي الشركات التنفيذيين المتطلعين إلى النتائج نهاية العام، وما بعد ذلك فليذهب مع الريح. وهناك من يرى أن أمريكا أضعف مما نظن، فليس لديها القوة الخارقة لتكون قادرة على رسم خرائط وإعادة تشكيل حقائق على الأرض، فما يجري في المنطقة هو ابن المنطقة، بعد سنوات الضياع والتيه السياسي والفشل الاقتصادي. هذه التداخلات في المشهد السياسي في المنطقة وغموضه هي التي تجعلنا نرى أن البحرين تصرفت بالصورة التي تمليها مصالحها وحقها السيادي، ونحن في الخليج معذورون إذا ذهبنا إلى هذه الحدة في التعامل مع دولة صديقة مثل أمريكا، فلا أحد يستطيع الجزم والتأكيد الآن ليقول لنا مع من أمريكا، معنا أم ضدنا، وهنا الحق أحق أن يتبع.