سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا ابا لك يسأم الروائي هنري ميللر "1891 – 1980" لم يكن يعرف زهير بن ابي سلمى حين كتب مقالته "ماذا يحدث حين نبلغ الثمانين: قائلا: "ان كنت قد بلغت الثمانين وأنت لست مشلولا او معتلا.. ان كنت لا تزال بصحة جيدة وتستمتع برياضة المشي وبوجبتك.. ان كنت تستطيع النوم من دون تناول حبوب منومة.. ان كانت الطيور والازهار والبحر والجبال ما زالت تلهمك كما كانت فأنت شخص محظوظ". ت: سهام العريشي الحياة 17/3/15 لو قرأ كلام ميللر من لم يزل بعد رافلا بلهب الشباب ويكاد يمشي زهوا على الهواء.. فهل يصغي الى قوله: "ان كانت الطيور والازهار والبحر والجبال ما زالت تلهمك كما كانت" الانفعال بلغة الطبيعة، مطارحتها النشوة بزرقة البحر وسفر الجبال في الفضاء الرحب وألحان الطيور.. هل يلتفت هذا الشاب الى كل ذلك؟. كلا.. انه لن يلتفت وهذا شأن كل فرد منا، اذ لا يفكر أي منا في المراحل العمرية الحافة بالزهو والنشاط.. تمر المراهقة في مجتمعاتنا دون ان يعرف المراهق ما يطلبه منها وما تطلب منه.. ويمر الشباب وكأن الخوف يلاحقه دون ان يرتشف الشاب منه ما يترقرق من الصبوات فاذا اوشك على الشيخوخة راح يفكر في المراحل الغاربة صائحا: ألا ليت الشباب يعود يوما. إنه الوجع الحارق الذي تندلع به الذاكرة مثل حمم يضطرب بين اضلاعك وتلجأ الى السراب اللغوي الذي صبه المتنبي علينا ثم صدقناه حين قال: خلقت ألوفا لو رجعت الى الصبا لغادرت شيبي موجع القلب باكيا وحين نعود الى ما قاله ميللر في الفقرة الاخرى هنا يجب ان نقيم سرادق العزاء على الاطلال حين نقرأ ما يقول: "ستشاهد اطفالك او احفادك وهم يرتكبون الاخطاء السخيفة نفسها، الاخطاء التي تدمي القلب تلك التي ارتكبتها حين كنت في مثل عمرهم اذ لن يكون بوسعك ان تقول شيئا او تفعل شيئا لمنعها من الحدوث، ومن خلال مشاهدتهم فقط سيكون بامكانك ان تفهم تدريجيا الحماقات التي كنت عليها يوما ما والتي ما زلت تمارسها ربما الى الآن". لا اطلب من الخجل ان يغزو وجنتيك وانت تقرأ هذا وانت لم تبلغ بعد صحراء الشيخوخة، حيث تحثو الذاكرة عليك قطعانا من الاخطاء كنت ترتكبها في المراحل السابقة.. وليس الموجع ان ترى احفادك يرتكبونها، بل الموجع اشد وامضى ان ترى احفادك لا يرتكبونها لأن تربيتهم افضل من تربيتك وزمانهم اكثر بياضا من زمانك.