من طاقيّة «الزري» إلى لحظة الغروب، هناك والشمس تطأطئ بهامتها إلى لثم الثرى... تستعيد الذاكرة أيام النشأة الأولى... أيام «الفأس» و«الحرث»، وأخاديد العمر، إذ تشق سبلها الملتوية في الرأس المشتعل شيباً. في هذه الساعة المطمئنّة على وشْك الغروب... دعني أرجعْ قليلاً إلى أيام الصبا البهيج... دعني أجرب هاتين الساقين الناحلتين لأرى إن كنت لا أزال أستطيع أن أدير بهما العجلة، وأجوب بهما بين جذوع النخل، وعلى أديم السبيل، مدهشاً أحفادي الذي كان أمثالهم أقراني ذات حين... هأنذا أخطو الخطوة الأولى، أضع قدمي اليمنى، ثم قدمي اليسرى، أترنح يسيراً ثم أنطلق، تاركاً للنسيم البارد والرياح الخفيفة مجالاً لتعبر من الأكمام والأطراف... مضى عمر طويل قبل أن أعاود هذه الكرّة، أتوهّم الآن لا لأنني عدت صبياً، بل إن الصبا هو الذي عاد مع هذه الهبات النشوى التي توشوش لي وتوسوس قائلة: أهذا عبث الوليد، أم عودة الشيخ إلى صباه؟! فأجيب: لا هذه ولا تلك، إنها عودة الصبا بعبثه إلى الشيخ الذي لا يزال شيخاً... أيتها النخيل التي تطل عليّ منذ عقود، لا تستمري في هذا الإطراق، تلقين بالظلام هكذا وكأن رؤوسك رؤوس نائحات على ميّت أثير... بل ارقصي من حولي، كما كنت أرقص حولك، ولنعد جميعاً أطفالاً صغاراً، لنجسد بالنخل والشيخوخة طفولة الأرض الأبدية... لئن استطاعت الأرض التي خلقنا منها أن تظل طفلة، فإننا نستطيع أن نظل أطفالاً كذلك. abdulwahed1978@