لم يكن ذلك المساء عادياً في بلدة الدالوة الهادئة الهانئة، بطيبة أهلها، تلك الطيبة التي ينبض بها ذلك العرق الممتد إلى الشرق من الجسد الأحسائي المفعم بالسماحة والحب والوئام المسكون بالعلاقة التاريخية بين جميع مذاهبه وطوائفه وأطيافه ومكوناته والهانئة بالأمن والأمان في وطن الأمن والأمان والخير والإيمان. كنت وما زلت أقول إن الخوف على النسيج الأحسائي الممتد لقرون من التعايش الاستثنائي لن يأتي من داخل المكون الأحسائي الفريد بل إن هتك هذا النسيج وتدميره وحرقه بنار الكراهية والتحريض والحقد والسلاح -لا قدر الله- سيكون مستورداً ودخيلاً وهذا ما يجب أن نسعى جميعاً إلى صده ومنعه بكل ما نستطيع بأن نتحول تروساً واقية وحصوناً منيعة ضد من يوقظ نار الفتنة وينفخ في كير الاحتراب ومن أي طرف كان. وتبقى الأحساء عصية على من يغذي فكر إنسانها بالدمار أو يسعى في ترابها بالخراب، فمكاسب توارثها الأبناء والأحفاد عن الآباء والأجداد لمئات السنين من العلاقة الطيبة المتأصلة في النفوس لن يمحوها الغلاة الخارجون عن الصراط المستقيم والمنحرفون عن الطريق القويم مهما حاولوا وخططوا، فنخيل الأحساء السامقة ستبقى بإذن الله شاهقة بسموها، جميلة في منظرها واخضرارها، غنية بطيب ثمرها، يظللها وطن الإباء والشموخ والعطاء. ومن أولى اللحظات التي حدثت فيها تلك الجريمة البشعة النكراء في القرية الوادعة لم أر إلا استنكاراً عاماً وشاملاً وسريعاً من جميع الأحسائيين رجالهم ونساءهم صغارهم وكبارهم وقبل الاستنكار وبعده مساحة شاسعة جداً من الاستغراب بل التأكد حد اليقين من أن يكون هذا الفعل المجرم شرعاً وعقلاً صادرا من أي أحسائي فالأحسائيون رغم الاختلاف والتعدد المذهبي لم يحمل بعضهم على بعض السلاح ولم يطلق أحدهم رصاصة واحدة على الآخر بسبب طائفي إنه منجز تاريخي لافت لا تكاد ترى له في العالم مثيلاً. إن العقلاء من أهل العلم والوجاهة ومن النخب الفكرية والثقافية ومن الناشطين الاجتماعيين والوطنيين ينبغي أن يضاعفوا الجهد في هذه المرحلة لرأب الصدع وتربية النشء على مستوى من التعايش الوطني والتعامل الإنساني الذي كان عليه الآباء والأجداد والذي لم يكن يوماً ليدون في وثيقة قانونية أو مخطوطة تراثية بل كان تعايشاً جميلاً طبيعيا كان ولا يزال ينساب كجداول الأحساء النقية الرقراقة العذبة، هذا التعايش الذي أفرز منتجاً إنسانياً لافتاً من (السلم الاجتماعي). السلم الاجتماعي الذي يسعى الحاقدون لزلزلة أركانه وتقويض بنيانه ولكن هيهات هيهات لما يرغبون ويأملون، إن أولئك القادمين بجذوة الكراهية والحقد المشعلين لنار الفتنة قد أخطأوا العنوان حين قدموا إلى الأحساء، فلا مكان عندنا أيها الكارهون لأنفسهم الطامحون بمكرهم لا مكان عندنا لطيور الظلام وأرضنا ليست صالحة لنباتاتكم السامة ونفوسنا جبلت على الخير وفطرت على الطيبة والتسامح وقبول الآخر وسوف تلفظ كل جسم غريب وتقاوم كل مرض خطير هذه المقاومة التي تأخذ طابع التلقائية النافرة من أصحاب الأهداف المشبوهة والنفوس الخبيثة. ولم يكن الاستنكار والاستغراب مقتصراً على الأحساء والأحسائيين بل إن الوطن بكامله وفي جميع أرجائه توحد منذ أن تناقلت الأنباء ذلك المشهد الدامي ليقف الجميع صفاً واحداً مع أهلنا في الدالوة ذلك التوحد والوقفة الواحدة والشعور الواحد الذي انطلق من ولاة الأمر -أيدهم الله- إلى أصغر مواطن فكانت ردة الفعل المستنكرة مباشرة ودون أدنى تصنع دليلا لا يقبل الشك على أننا شركاء في وطن واحد وتحت قيادة واحدة ولن تسعى الأيدي الغادرة والعقول الماكرة لأن تحدث أي شرخ في كياننا القوي بإيمانه الشديدة أركانه المتآلفة والمترابطة أيدي وقلوب سكانه. أيها المخططون لإشعال نار الفتنة الفاعلون للجرم العظيم الذي نستنكره وندينه ونقف صفاً واحداً أمامه لن تجدوا في أرضنا إلا الهزيمة والخذلان فأرضنا أرض الحلم والعلم والتسامح والخلق الرفيع ستبقى -بإذن الله- علامة فارقة في السلم والمحبة على مدار السنين ذلك السلم الفريد وتلك المودة الرائعة تحفها البركة والتوفيق في وطن عظيم وقيادة مسددة وشعب أبي. هذه الوقفة الصامدة الصلبة أنموذج سيتكرر من الوطن والمواطنين ضد كل من يخطط أو يتقدم شبراً واحداً فكراً أو فعلاً لزعزعة وحدتنا الوطنية وأياً كان وجميعنا سنبذل الغالي والنفيس للحفاظ على لحمتنا الوطنية وحماية أمننا والذود عن حياض بلدنا الغالي. حماك الله يا وطني. * تربوي