شهدت الساعات القليلة الماضية ردود فعل كبرى بالمملكة وخارجها على حادث قرية الدالوة الإرهابي بالأحساء، الذي وقع ليلة العاشر من المحرم، وأسفر عن مصرع خمسة وإصابة تسعة آخرين، إثر إطلاق النار عليهم من مجهول. وأصدر كل من الشيخ حسن بن موسى الصفار، وأنصار الحسين عليه السلام في الدالوة، وعلماء الأحساء، بيانات يشجبون ويدينون خلالها الحادث الإرهابي، مؤكدين أنه يتطلع إلى تفتيت النسيج الوطني. وأكد الشيخ حسن، في بيان، له أن المتطرفين يستهدفون تفجير النسيج الاجتماعي الوطني، قائلا: «حين يستهدف المتطرفون الإرهابيون مجلس عزاء دينيا في الأحساء ليلة العاشر من المحرم، فإنهم يبتغون تفجير النسيج الاجتماعي الوطني، وإشعال الفتنة الطائفية. والردّ المطلوب على هذه الجريمة النكراء، هو تعزيز التلاحم والتعايش الوطني، بنشر ثقافة التسامح، وتجريم التحريض على الكراهية، وإدانة الشحن الطائفي، ورفض ممارسات التمييز والإقصاء». وأثنى على ضحايا العدوان قائلا: «ضحايا هذا العدوان الأثيم نحتسبهم عند الله – تعالى – شهداء أبرارا، قدّموا حياتهم فداء لإحياء شعائر المودة والولاء لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، في ذكرى استشهاد أبي عبد الله الحسين بن علي (رضي الله عنه) – سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة. نسأل الله – تعالى – لهم عظيم المغفرة والرضوان ورفيع الدرجات، وأن يلهم ذويهم الصبر والسلوان، وأن يمنّ على الجرحى والمصابين بالشفاء العاجل، ويعوضهم بخير الدنيا والآخرة». كما أشاد بثبات أهالي الأحساء بعد تلك الجريمة النكراء، قائلا: «لقد أثبت أهلنا الكرام في الأحساء ما كان متوقعا منهم، وما هو معروف في تاريخهم من التسامي على الجراح، ونضج الوعي الديني والوطني، والتمسك بنهج التعايش والتسامح. وكانت مواقف التعاطف والتضامن الواعية النبيلة التي انطلقت على مستوى الوطن، من مسؤولين وعلماء وكتّاب وإعلاميين، تستنكر العدوان الأثيم وتؤكد الوحدة والمساواة بين المواطنين سنة وشيعة، وترفض نهج التطرف والإرهاب والتكفير. هذه المواقف المشكورة هي خير سلوة وعزاء، يجب استثمارها والتأسيس عليها لتعزيز الوحدة الوطنية، وسدّ الثغرات التي ينفذ منها المتطرفون التكفيريون». وأنهى الشيخ حسن بن موسى الصفار بيانه قائلا: «حمى الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه، وأعان أمتنا على مواجهة الفتن والتحديات، وسدّد خطوات قادتها نحو التقدم والإصلاح». من جانبهم، نعى أنصار الحسين عليه السلام في الدالوة، الشهداء قائلين في بيانهم: «باسم الله، والصلاة على المصطفى وآله الطاهرين.. ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: 154]. ببالغ الأسى والحزن؛ نُعزّي مولانا صاحب العصر (عج)، وأهالي المنطقة، وعلماءَها، وذوي الشهداء، ونرفع أسمى التهاني لهذه الأرواح الطاهرة التي عرجت أرواحها ليلة عروج روح الحسين، وأصحابه إلى الملكوت الأعلى». واشاروا إلى أن الغرض من هذا الحادث هو إشعال شرارة الحرب والاقتتال بين أبناء البلد الواحد، قائلين: «إن هذه المجزرة الفظيعة مدانة بكلّ الموازين الشرعية، والقانونية، والقِيَم الإنسانية، لما تضمّنت مِن قتل مجموعة مسالمة دون جرمٍ، وقد قال – تعالى: ﴿مَن قَتَلَ نَفْسا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعا﴾ [المائدة: 32]، والأشدّ خطرا من ذلك أنّها مشروعٌ طائفي قُصِد منه إشعال شرارة الاحتراب والاقتتال بين أبناء البلد الواحد». وتبرأ أنصار الحسين من مرتكبي هذا الحادث، قائلين: «إن هذه الزّمرة المُجرمة لا تُمثّل الأُخوَة أهل السنة، بل هم منها براء، وقد أدانها الكثير منهم، وطالبوا بالقضاء على هذه الشّرارة الطّائفيّة قبلَ اتّساعها، وإنّما تُمثّل المنهج التكفيري البغيض، الذي قتل وأجرم في حقّ السنة والشّيعة في الدّول الأخرى، وبذلك قد اتّضح للجميع أنّ الجريمة مشروعٌ قُصِدَ منه استدراج شيعة المنطقة للدّخول في أتون رد الفعل، وإطار الانتقام والاحتراب، لكن شيعة المنطقة المعروفين بمنهج الحكمة، وروح الأُخوّة، أكثر ذكاء وأبعد نظرا من أنْ ينساقوا وراء هذه الأفعال الاستفزازيّة المقيتة». وطالبوا بالقضاء على تلك الجماعات قبل أن تستقطب المجتمع لحروب الفعل ورد الفعل، من خلال خطوات قانونيّة، قائلين: «يجب تكريسُ وترسيخُ تجريمِ مَنْ يتحدث بلغة طائفيّة، أو يتصرف بنَفَسٍ طائفي يستعدي بعض أبناء البلد الواحد على بعضه الآخر، ويبثّ روح الكراهيّة والحقد بينهم؛ لاختلافٍ مذهبيّ، وخطواتٍ اجتماعيّة تتضمن اجتماع العقلاء أبناء هذه التربة، والبلد الواحد من الشّيعة والسنة، الذين تربطهم الوشائج الأخويّة بمقتضى الجوار، والتداخل الحميم منذ مئات السنين؛ على تأكيد مواثيق اللّحمة الاجتماعيّة، والوقوف صفّا واحدا أمام أي نعراتٍ طائفيّة محتملة، كما أنّ هناك ضرورة مُلِحة لاجتثاث منابع الفكر التكفيري الإقصائيّ، واقتلاع جذور منهج التحريض ضدّ طائفة معروفة من أبناء الوطن، المُتمثّل في التعبير عنهم بالروافض، أهل الشّرك، وذوي البِدَع، في كتبٍ منتشرة، وجرائدَ رائجة، وغيرها». وأنهوا بيانهم قائلين: «في الأخير؛ نسأل الله – تعالى – أن يتغمد هذه الصّفوة الطّاهرة من الشّهداء بواسع رحمته، وأن يُلحقهم بالحسين الشّهيد، وأصحابه البررة، وأن يحفظ أمن هذا البلد المعطاء، ويديم عليه نعمة الإخاء، والمحبّة، والوفاء». كما أصدر مشايخ وشخصيات أحسائية بيان استنكار لتلك الجريمة الشنعاء قائلين: «(إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون).. إنا لله وأنا إليه راجعون، والحمد لله رب العالمين على عظم مصابنا في سيد الأحرار والشهداء أبي عبد الله الحسين عليه السلام، ثم في هذه الكوكبة الكريمة من شبابنا الأعزاء الذين التحقوا بركب الحسين في ليلة عاشوراء بكربلاء الدالوة الحبيبة الذين استشهدوا في مجلس الحسين، حيث يُذكَر فيه اسم الله كثيرا، وليس لهم جرم إلا أن قالوا (ربنا الله ثم استقاموا) وآمنوا بنبيه ووالوا أولياءه فرحمهم الله، وأعظم الله أجورنا وأجور ذويهم فيهم، ونسأل الله أن يلحقهم بالحسين في الشهداء والصديقين والصالحين، وبهذا الحدث الآليم الذي يعد حدثا غريبا على المجتمع الأحسائي الذي عرف عنه التواصل والتعايش». وأشار علماء الأحساء إلى أن تلك الطغمة المجرمة التي ارتكبت هذه الجريمة الإرهابية البشعة لا تنتمي إلى وطن ولا تمثل قوما ولا تعبر عن مذهب أو دين أو طائفة، مؤكدين أنها تعبر عن فكر شيطاني خبيث، وأن «هذه الجريمة تستهدف تمزيق وحدتنا ولحمتنا الوطنية والإسلامية»، مشددين أنه «على الجميع أن يفوت عليهم فرصة استثمارها بمزيد من الوحدة والتلاحم الوطني». وأضافوا أن «من أخبث أهداف هذه الجريمة الإرهابية ثني المؤمنين وتثبيطهم عن تعظيم شعائر الله وحفظ تراث محمد المصطفى وأهل بيته»، مؤكدين أنها لن تزيديهم إلا إصرارا وإيمانا وثباتا على طريق الحسين وصراطه في التضحية لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولفت أهالي الأحساء عناية جميع المؤمنين إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر والقيام بإجراءات وقائية ذاتية في المساجد والحسينيات والأحياء، لتفادي مثل هذه الاعتداءات الإرهابية، وتقدموا بالشكر لجميع مسؤولي الأجهزة الرسمية والأمنية الذين بادروا بالاهتمام بالحدث ومتابعته مما يقتضيه واجبهم الوطني، معربين عن طموحهم إلى مزيد من الاهتمام والمتابعة الجادة والحازمة لحفظ أمن المواطنين ودمائهم وأعراضهم وأموالهم وسرعة الكشف عن نتائج التحقيق والإعلان عن الجناة والجهات التي حرضت على هذا الحدث الخطير. وثمن الأهالي التفاعل الإيجابي الذي أبداه كثير من الإخوة في الوطن بمختلف مكوناته المذهبية شجبا واستنكارا لهذه الجريمة، مؤكدين أن هذه الجريمة الإرهابية ليست حادثا معزولا وإنما هي إفراز للشحن الطائفي والمذهبي في بعض وسائل الإعلام والمنابر التي طالما حذروا من خطورة هذا الأمر الذي شكل بنية تحتية لهذا الإرهاب. وأنهوا بيانهم قائلين: «نسأل الله سبحانه أن يقينا وجميع المسلمين شرور هذه الفتن المتلاطمة وأن يحرس لنا وطننا كريما عزيزا بسلامة جميع أهله». رابط الخبر بصحيفة الوئام: شجب وإدانات لحادث الأحساء الإرهابي