الزراعة في خطر، وحين يصبح ذلك عنوانا بارزا ولافتا في صحيفة فإنه يؤكد صحة الخطر - الى حد كبير - خاصة أن مرجعية الخبر مسؤول زراعي ومستثمر في القطاع ويعرف خباياه وثوابته ومتغيراته، وبهذا الوضع والفهم فإننا أمام مشكلة أكبر مما تبدو في تصريح أو تقرير صحفي. فهناك حديث عن الأمن الغذائي وهو أمر لا يمكن أن نحققه دون جهد زراعي يضع الاستيراد في أدنى حدود ممكنة، حتى لو كانت لدينا مشكلات تتعلق بالري وتوفير المياه، فهناك مواقع تتمتع بإمدادات مياه طبيعية وفيرة تكفيها لتثمر وتنتج الكثير من الخيرات إذا وجدت التنظيم والعناية والمتابعة. جاء في هذه الصحيفة من خلال تصريحات ساري الدوسري نائب رئيس الجمعية الزراعية بالمنطقة الشرقية، أن هناك مؤشرات حقيقية تثبت أن نسبة المزارعين الذين سيتركون العمل نهائيا في مزارع المنطقة سترتفع من 70 -90% خلال العام المقبل. وقال: إن وزارة العمل لم تراع أهمية عمل المزارعين بالمملكة، ووضعت أمامهم عدة عقبات مثل اشتراطات السعودة ورسوم العمالة السنوية التي أدت إلى توقف 70% من مزارعي المنطقة عن العمل. ذلك تشخيص دقيق ويقترب من الموثوقية - الى حد كبير - بالنظر الى خروجه من خبير ومعني ومهتم ومسؤول في القضايا الزراعية، وليس من السهل تصور أن تخلو المنطقة الشرقية من أي غطاء نباتي لأن ذلك يجعلها بيئة طاردة وغير متوازنة وليست صالحة للحياة وربما تتسبب في كثير من الأمراض. لأن التوازن البيئي والإحيائي مهم جدا للحياة، ويمنحنا القدرة على ممارسة أنشطتنا في بيئة علمية سليمة، لذلك ليس الأمر متعلقا فقط بالأمن الغذائي والاستثمار الزراعي. ندرك جميعنا أنه بإمكاننا استيراد كل احتياجاتنا من الخضراوات والمحاصيل الزراعية، لكن ذلك ليس كافيا على المدى الطويل فلا توجد دولة تستغني عن الزراعة، لأن ذلك يستتبع أيضا التخلص من الثروة الحيوانية، ما يفقدنا التوازن البيئي بالكامل. ولنا أن نتخيل حينها شكل الحياة، ويمكن لمن يعملون في أقسام الأحياء بالجامعات "بيولوجي" أن يفتونا في أمرنا حين نفقد مثل هذا التوازن الإحيائي. لم يكن التصحر مفيدا للحياة في بيئات قاحلة، بل تعمل الدول على زراعة أحزمة شجرية خضراء من أجل البيئات والمحافظة عليها، فكيف بنا أن ننتهي بسهولة الى ما انتهى اليه الأخ الدوسري، وتأكيدات بأن لدى الجمعية الزراعية بالشرقية مؤشرات حقيقية تثبت أنه في العام القادم سترتفع نسبة المزارعين الذين سيتركون العمل نهائيا في مزارع المنطقة من 70 –90%، وأن ال «10%» بالمنطقة لن تغطي حاجة المنطقة نهائيا. موضحا أن التوقف عن الزراعة يترتب عليه عدة مشاكل أبرزها ارتفاع الأسعار، وفي تقديري أن هذا كلام مرعب يضعنا جميعا أمام مسؤوليات أكبر من أن نتعامل معها بسطحية. الدوسري أشار أيضا الى نقطة أخرى مهمة وهي أن دخل الاستثمار في القطاع الزراعي لا يزال ضعيفا جدا لما يواجهه من مخاطر عالية أبرزها عدم قبول المواطنين والأجانب العمل فيه لما يتطلبه من جهد وساعات عمل طويلة، وذلك يعني تحفيزا وحثّا لتطوير أدواتنا واستثماراتنا وإعادة النظر في أوضاعنا الزراعية لأنها ليست بخير. * مدير مراكز "اسكب" للاستشارات الأمنية والعلاقات العامة