جوجل، مع رؤيتها لمستقبل تقود فيه السيارات نفسها، تضع نفسها في تناقض مع صناعة السيارات التي تشاطر رغبتها في ايجاد طرق أكثر أماناً، وأقل ازدحاماً لكنها لن تلتزم بالجزء الذي يهتم بأن تكون «السيارات دون سائق». هذا الوضع يجعل جوجل، عملاق الإنترنت، التي أصبحت شركة مساهمة عامة فقط قبل عقد من الزمن، في مواجهة مباشرة مع الشركات التي أنفقت قرناً من بناء المحركات التي تضع الناس وراء عجلة لقيادة السيارات. وفي الوقت الذي تعمل فيه جوجل على إتقان نظام في مختبرات البحوث واختبارات الطرق للحد من مشاركة السائقين، فإن شركات صناعة السيارات تنفق مليارات الدولارات سنوياً على الإعلانات للقيام بعكس ذلك. مجرد إلقاء نظرة على بي أم دبليو وادعاءاتها بأنها تصنع «السيارة المثلى لتجربة القيادة» أو فولكس واجن التي تركز في حملة مبيعاتها على شعار «مطلوب سائقين»، لكن الاختلافات بين المجموعتين ليست مجرد اختلافات نظرية. تجتاح جوجل أفضل المواهب والبحوث، مدعومة من قيمتها السوقية التي تبلغ حوالي 400 مليار دولار، التي تزيد على القيمة السوقية لكل من تويوتا وفولكس فاجن وجنرال موتورز جنباً إلى جنب. كما أنها تبقي قبضة مشددة على بيانات الخرائط وخطط السوق الممكنة للسيارات، بينما في الوقت نفسه تساعد على إنشاء ما يعتبره الكثيرون في صناعة السيارات التوقعات غير الواقعية لمدى السرعة التي يمكن أن تكون فيها السيارات والمدى الذي يمكن أن تصبح آمنة تماماً دون الحاجة إلى سائق. قال ريتشارد والاس، مدير تحليل نظم النقل في مركز «أبحاث السيارات» في آن آربر، ميشيغان : «من الواضح أن هناك نوعاً من التوتر». عروض جوجل البراقة للتكنولوجيا «تؤدي إلى زحف التوقعات التي تعتبر على الأرجح غير واقعية من عدة جوانب». وكان انطواء جوجل ملحوظاً في «المؤتمر العالمي لنظم النقل الذكية» الأسبوع الماضي في ديترويت، حيث كان عملاق البحث جوجل موجوداً بحد أدنى في هذا الحدث السنوي، وهو مناسبة تقوم فيها شركات صناعة السيارات بإخراج معايير التكنولوجيا التي تبين أنها، رغم كل شيء ووسط كل ذلك، تريد الاحتفاظ بالسائق في قيادة السيارات. من بين التطورات التي أعلنت عنها شركات صناعة السيارات في المؤتمر في الاسبوع الماضي في ديترويت كانت فكرة «سوبر كروز» التي ستستخدم في سيارات كاديلاك 2017 من جنرال موتورز، التي تسمح للسائقين بإيقاف عجلة القيادة بدون استخدام أيديهم، ودون أقدام عند استخدام الدواسات لفترات طويلة أثناء القيادة في الطريق السريع. مثل هذه التكنولوجيا يجري تطويرها من قبل تويوتا وهوندا وغيرها من الشركات، فإن نظام جنرال موتورز يسلم السيطرة وينقلها جيئة وذهاباً بين السائق والسيارة. النهج الذي تتبعه جوجل، التي يقع مقرها في ماونتن فيو، كاليفورنيا، هو أنها تسحب السيطرة، بالمعنى الحرفي، وهذا يفوق كثيراً مفهوم التحكم بكف اليد. في (مايو) كشفت جوجل النقاب عن خطط لنشر 100 سيارة على الأقل مستقلة تماما بمقعدين، على شكل بيضة مع سرعتها القصوى 40 كيلومترا في الساعة ودون عجلة توجيه القيادة. أعلنت جوجل منذ ذلك الحين أنها سوف تضع في كل سيارة عجلة توجيه القيادة، وكذلك الفرامل ودواسة البنزين، كما هو مطلوب في كاليفورنيا، بمساعدة الموظفين في وقت مبكر من أبرز علماء جامعة ستانفورد وجامعة كارنيجي ميلون الذين فازوا في تحدي المركبة دون سائق المدعومة من الولاياتالمتحدة عام 2005، جندت جوجل عشرات من الروبوتات والباحثين في الذكاء الاصطناعي، وهي تقوم بإضافة المزيد. وقد فازت جوجل أو تقدمت بطلبات لبراءات الاختراع منذ 2011 على 96 سيارة ذاتية القيادة. كما أنها وظفت مواهب من تويوتا، وبي أم دبليو، ومرسيدس-بنز وحتى من شركة تيسلا الناشئة في وادي السليكون، حسب بيانات الموظفين المدرجة على موقع LinkedIn. وبالنسبة للمشورة رفيعة المستوى، يمكن لجوجل توظيف الرئيس التنفيذي السابق لفورد، وهو «آلان مولالي» الذي هو عضو الآن في مجلس إدارة جوجل. ثم إنها مدعومة أيضاً بأكثر من 60 مليار دولار من الأموال النقدية في خزائنها، وهو مبلغ يفوق قدرة أية شركة من شركات صناعة السيارات. قال فرانك جيليت، المحلل بأبحاث فوريستر في كامبريدج، ماساشوستس: «عندما تكون في نطاق جوجل يمكنك القيام بالكثير من الأشياء التي تعطل أو تغير البيئة، لدينا الآن سباق لبناء منصة البرمجيات والخدمات التي تشغل سيارة بدون سائق». وفي حين أن الموضوع لا يزال في مرحلة مبكرة، فان جهد المديرين التنفيذيين بما في ذلك المؤسس المشارك «سيرجي برين» ملتزمون مع جوجل كي يجعلوا السيارات دون سائق حقيقة واقعة. وهم يطنطنون للمنافع الاجتماعية التي ستتحقق بفضل السيارات الروبوتية، التي سيجني ثمارها لتكون خيار التنقل المتاح أمام المكفوفين والمسنين. لكن بالنسبة لشركات صناعة السيارات ذات العقلية التقليدية، فإن أي شيء يؤدي إلى الاستغناء عن العنصر البشري في قيادة السيارات يعتبر نوعاً من الهرطقة في عالم السيارات. قال كين كويبوتشي، المدير العام لتطوير المركبة الذكية تويوتا، في مقابلة في ديترويت هذا الشهر : «القيادة أساساً ممتعة جداً». لذلك - ولأسباب أخرى تشتمل على المسائل المتعلقة بالمسؤولية في حالة وقوع حادث، والقوانين التنظيمية التي لم توضع حتى الآن بهذا الخصوص - فإن تويوتا، أكبر شركة في العالم للسيارات لا تخطط لوجود سيارة دون سائق حتى في الوقت الذي تعمل فيه على إضافة الميزات الآلية إلى السائق. قال كويبوتشي: «بدلاً من جعل الأمر يبدو وكأن السائق يمكن ببساطة أن تأخذ قيلولة حين يجلس على عجلة القيادة، نحن بحاجة إلى برامج تشغيل ونحتاج الى أن يفهم السائقون أنه سيكون هناك تقاسم للمهام المعنية، والتعامل بأدوات التحكم ذهاباً وإياباً، ويجب تجنب تلك الثقة المفرطة». شركة نيسان موتور، ومرسيدس، وتسلا، من بين الشركات التي قالت: إنها سوف تضيف ميزات تتعلق بسيارات ذاتية القيادة قبل نهاية العقد، لكن لم تقل أي شركة منها شيئاً حول الأموال المخصصة للإنفاق على ذلك. قال إيغل جوليوسين، مدير الأبحاث لنظم القيادة المتقدمة للسيارات IHS: «لقد جعلت جوجل شركات صناعة السيارات تشعر بالعار، وهو ما دفعها لتعمل على استثمار المزيد من الأموال في هذا؟ لاحظ أن ميزانيات الأبحاث والتطوير في جميع شركات السيارات الكبرى قفزت كثيراً منذ بداية هذا الأمر. من الناحية الحرفية أجبرتهم جوجل على استثمار المزيد من الجهود لإظهار أنها لا تقع بعيداً جداً عن الركب». وفي الوقت الذي تتفوق فيه قيمة الأموال النقدية لدى جوجل على ما لدى كل شركة من شركات صناعة السيارات مثل تويوتا، التي لديها 41 مليار دولار، وفولكسفاغن التي لديها 44 مليار دولار، وجنرال موتورز، التي لديها 29 مليار دولار، فإن هذا يضمن أن جوجل قادرة على أن تمول التقدم التكنولوجي. قال وليام ويتاكر، مدير مركز الروبوتات الميدانية في «جامعة كارنيجي ميلون» في بيتسبرغ: هذا يعطي الشركات المصنعة للموارد اللازمة لتوفير عامل توازن في مواجهة جوجل». وأضاف ويتاكر : «لا أحد لديه احتكار في هذه التكنولوجيا»، هذه الشركات كبيرة، ولديها أموال ضخمة، وهم لا يعبثون هذا المجال». لتسريع جهودها، انشأت تويوتا في (يناير) فريق نظام ذكيا للمركبات يديره كويبوتشي، لتحقيق ميزات القيادة الذاتية في السوق بأقصى سرعة ممكنة. تويوتا أيضاً بين شركات صناعة السيارات والموردين الذين يمولون مركز التحول المتنقل في جامعة ميشيغان في آن آربر، ومن المقرر أن يكون هذا المركز أكبر مركز للبحوث في أمريكا الشمالية لنظم القيادة الذاتية.