شهدت الأنظمة التي تمكّن السيارات من التواصل مع بعضها البعض، في السنوات الأخيرة، تطوراً موازياً لتطور التقنيات التي تمكّن السيارات من قيادة نفسها، والتي بدأت ملامحها بالظهور في أوروبا. فالأسبوع الماضي، أظهرت سيارة أكورا "آر.إل.أكس" قدرة عجيبة على قطر سيارة أخرى، من دون أن تتلامس السيارتان. أما السيارة الثانية فقادت نفسها، متبعة التعليمات التي أصدرتها لها السيارة الأولى، ما يهيئنا لاستقبال إنجاز تكنولوجي يؤذن بتطور مرحلة جديدة في عصر استغلال الآلات بأسرع مما توقّعه الكثيرون. ومن أجل المسارعة في تطوير هذه التقنية، تعمل شركتا "جنرال موتورز"، و"هوندا موتور"، التي تملك شركة "أكورا"، وغيرهما من شركات صناعة السيارات، بالتعاون مع شركات توريد المكونات التقليدية، ومع شركات جديدة في هذا المجال. وفي سياقٍ متصل، سارعت شركتا "غوغل" و"أبل" إلى هذا الاتجاه، إذ تعمل "غوغل" على إنتاج سيارة بدون سائق، وتتعاون "آبل" مع شركات السيارات للتوصل إلى قدرة أكبر على التواصل بين السيارات والأجهزة الإلكترونية. من جهته، قال نائب الرئيس التنفيذي لتطوير الأعمال في شركة "باركموبايل"، التي تعمل على إنتاج أنظمة لركن السيارات آلياً، لورينز أيكلبوم، إن "حماسة الشركات الكبيرة مثل "آبل"، و"غوغل"، وشركات السيارات، وشركات تجميع البيانات، هي التي تخلق اندفاعاً إلى تحقيق هذا الحلم، وجعله واقعاً، ما يختلف عن وضع هذه التقنية قبل عامين". ويشمل المستثمرون في شركة "باركموبايل" شركتي "بي أم دبليو"، و"فونتينالس بارتنرز" لرأس المال المغامر، التي يملكها بيل فورد، رئيس مجلس إدارة "فورد موتور". وعملت شركة "بيلوتون تكنولوجي"، الجديدة الواقعة في ولاية كاليفورنيا، على تطبيق يهدف إلى توفير وقود الشاحنات، وتقليل احتمالات التصادم. أما في عملية القطر التي شاركت فيها السيارة "أكورا"، فاستخدمت السيارتان إمكانيات التواصل اللاسلكي، وزيادة السرعة، من خلال التحكم بالكمبيوتر، لكي تسيرا معاً في تشكيل واحد على الطريق السريع، حسب وصف الشركة. وتتوقّع الشركة بيع هذه التكنولوجيا في أواخر العام المقبل، مقابل 2000 دولار للشاحنة الواحدة، بالإضافة إلى حصة من الربح الذي تتوقع تحقيقه الشركة المشترية، أما أول سيارة ذاتية القيادة فستُطرح في السوق بحلول سنة 2020. ومن المُحتمل أن تكون التكلفة الإجمالية لهذه الأنظمة على نطاقٍ واسع، كبيرة جداً. وتقدّر "الإدارة الوطنية للسلامة على الطرق" أن شركات السيارات ستحتاج لبلايين الدولارات لتركيب أنظمة أمان تساعد السائقين آلياً. مخاطر وصعوبات ثمة مخاطر ومشاكل قد تواجه صناعة هذه الأنظمة، من بينها إمكانية الاعتماد عليها، وتأمين الشبكات، والمسؤولية القانونية. في سياقٍ منفصل، أورد "مركز سياسات التأمين وأبحاثه" تقريراً في الشهر الماضي سأل فيه "ماذا يحدث إذا أصبحت سيارة ذاتية القيادة طرفاً في حادث؟ من المسؤول عن الأضرار؟ وهل سيكون القائد البشري المشارك مخطئاً، أم ستكون الشركة الصانعة هي المخطئة؟" واعتبر المركز أنه يجب تحضير قائمة طويلة تسوّى فيها معايير السلامة والمشاكل القانونية، قبل أن تنطلق هذه السيارات على الطرق. ولفت رئيس قطاع التكنولوجيا في شركة "جنرال موتورز"، جون لوكنر، في المؤتمر العالمي لنظم المواصلات الذكية، الذي عُقد في ديترويت الأسبوع الماضي، إلى أن "ما تعد به شركات السيارات والجهات التنظيمية من منتجات مبهرة، يجب ألا يصرف أنظارنا عن الجائزة الكبرى المتمثلة في عدم تصادم السيارات". وقدّر بعض خبراء هذه الصناعة أن يمثل السعر مشكلة كبيرة، إذ أن تكلفة تطوير بعض النظم المتقدمة قد يصل إلى مثلي أو ثلاثة أمثال ما يتوقع أن يدفعه المستخدمون الأوائل للتكنولوجيا. ويشكل السعر عائقاً، رغم أن ما تم تركيبه من نظم شبه آلية يمثل عدداً محدوداً، وذلك على الرغم من أن دراسات حديثة أظهرت أن مشتري السيارات على استعداد لدفع نحو ثلاثة آلاف دولار، في سبيل الحصول على قدرات القيادة الآلية. أما شركة "كرايسلر" التابعة لشركة "فيات" الإيطالية، فستفرض نحو 3500 دولار، مقابل قدرات تكنولوجية تتضمنها سيارتها الجديدة "كرايسلر 200 سي"، لعام 2015، والتي تشمل إمكانية التحكم في السرعة حسب المتغيرات، واستخدام المكابح آلياً للحفاظ على مسافة آمنة تلقائياً مع السيارة، وكذلك إصدار تحذير عند خروج السيارة من الحارة التي تسير فيها السيارة، وتوجيهها آلياً للعودة إلى حارتها، ومساعدة السائق على رصد السيارات المجاورة، وكذلك ركن السيارة آلياً. ولم تذكر شركة "كاديلاك" التابعة لشركة "جنرال موتورز" شيئاً عن ثمن نظام "سمارت كروز" الجديد، الذي سيُطرح في سياراتها بعد نحوعامين. والهدف من النظام تمكين قائد السيارة من قيادتها دون استخدام يديه على الطرق السريعة، مع توجيهها واستخدام المكابح آلياً، بالإضافة إلى استخدام نظام أونستار الخاص ب"جنرال موتورز"، لتوفير بيانات الموقع، وحالة الطقس، ومعلومات حركة السير على الطرق. لكن يجب ألا يستكين سائقو السيارات لهذه التطورات. فقد قال جيم كين، الناطق باسم "سمارت كروز": "نحن نتحدث عن ملامح قيادة آلية، وليست قيادة ذاتية. سنضع الاستراتيجيات التي تبقي على قائد السيارة منتبهاً ومشاركاً" في القيادة. نتائج إيجابية في المقابل، قال المحلل في مجموعة "سيتي"، إيتاي مايكلي، إن "التوفيق بين تكنولوجيا التواصل اللاسلكي والتحرك الآلي بين السيارات، يمكننا من تقليل انبعاثات السيارات، واستهلاك الوقود، ويقلل كلفة تشغيل السيارات، والتأمين عليها". وكانت السلامة جزءاً من الكثير من المناقشات الفنية والمعروضات التكنولوجية في معرض نظم المواصلات الذكية، الذي حضره عشرة آلاف مهندس وعالم وباحث. وقال رئيس قطاع التكنولوجيا في شركة "دلفي أوتوموتيف"، جيف أوينز، إن "شركات صناعة السيارات بدأت باستخدام المزيد من التكنولوجيات الجديدة، لاكتساب خبرات ومعرفة مدى تجاوب الأسواق معها، قبل أن تتجه الحكومة لفرض استخدامها".