يندرج الداعية الشيخ مروان عبدالرحمن القادري، ضمن أهم الدعاة الذين يحظون بحب الناس وتقديرهم في المنطقة الشرقية، من خلال عمله كخطيب وإمام جامع المجدوعي في حي البادية منذ أكثر من ثلاثة عقود. القادري امتدح هيمنة الإسلام على النطاقين الرسمي والشعبي في المملكة العربية السعودية، وأكد أن المنهج التراثي السوري، لا يهتم بالعقيدة، ويميل إلى الصوفية، ويهاجم المذاهب الأربعة. ودافع القادري في حواره مع «آفاق الشريعة» عن الإسلام والتيارات الإسلامية التي وصلت إلى الحكم في البلاد العربية التي طالها الربيع العربي، مؤكداً أن الغرب هو من روج لمشاعر الخوف من الحكم الإسلامي، خوفا من انتشار الإسلام وإعلاء شأنه، مبيناً أن منبر الجوامع والمساجد، صفة ميز الله بها الأمة الإسلامية، إلا أنها لم تستغل كما يجب لنهضة الأمة والارتقاء بها.. فإلى الحوار. في رحلتك العلمية.. من هم المشايخ الذين تتلمذت على أيديهم سواء في سوريا أو المملكة؟ * في سوريا تأثرت بحسب النشأة بعدد وافر من المشايخ في كلية الشريعة، مثل الدكتور محمد عبيد صالح، والشيخ مصطفي السباعي، والشيخ مصطفي الزرقا، ومحمد المبارك، وكانت دفعتي في كلية الشريعة من أفضل الدفعات التي تخرجت في الكلية حتى الآن، وفي السعودية، المناخ كان مختلفا عن سوريا، وإن كانت الثوابت مشتركة بين الجانبين، حيث هنا، وجدت أن هناك هيبة وهيمنة للإسلام، على المستويين الرسمي والشعبي، والجميل في المملكة الاعتماد على المنهج السلفي، وهذا يدعم مبدأ الرجوع إلى النبع الصافي في الكتاب والسنة، كما تتميز المملكة بالنظرة المعتدلة في النظرة إلى المذاهب الأربعة، خاصة إذا عرفنا أن بعض السلفيين يحاربون المذاهب الأربعة، بدلا من أن يحاربوا التعصب، والبعض منهم يهاجم المذاهب، وهذا يشير إلى قصور علمي لديهم، كما أن المناخ العلمي في المملكة يهتم بإحياء العقيدة، ومحاربة البدع، وقد تأثرت بهذا المناخ، واطلعت على كتب العلماء السعوديين وقرأت كتبهم، حيث تأثرت في المملكة بالشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، وغيرهما من المشايخ الأفاضل، الذين كانوا بمثابة إضاءات واضحة لبعض المفاهيم الدينية الأصيلة، والتلاقح بين منهج سوريا ومنهج المملكة جعل نظرتي أكثر شمولية، عنوانها التسامح والألفة بين العاملين في الحقل الإسلامي. ذكرت أنك تأثرت بمنهج سوريا الصوفي ومنهج المملكة السلفي.. فما أبرز ما يميز كل منهج على حدة؟ * المنهج العلمي التراثي في سوريا، يركز اهتمامه على اللغة العربية والفقه، أما أمور العقيدة فلم تحظ بالاهتمام المطلوب، أما في المملكة، فأمور العقيدة تحتل مساحة كبيرة من الاهتمام، يضاف إلى ذلك أن المملكة تهتم بمنهج وفكر شيخ الإسلام ابن تيمية، أما في سوريا، فالاهتمام أكثر بالحركات الصوفية، وشتان بين المنهج السلفي والمنهج الصوفي، وأحمد الله أنني لم أتأثر بالفكر الصوفي عندما كنت في سوريا، حيث كنت أحصل على ما أريده من العلوم، وأترك ما لا أؤمن به، وفي المملكة، كانت النظرة إلى المناهج أكثر شمولية على كل المناهج، قائمة على الدليل العلمي، والسعوديون يهتمون بالسنن لدى جميع العلماء، وليس كما في سوريا التي كانت تهتم فقط بمذاهب بعينها، وتترك كتب البقية، وفي هذا قصور علمي واضح ومتعمد. لكم كتاب مطبوع.. هلا حدثتنا عنه والظروف التي أحاطت بتأليفه؟ * الكتاب عبارة عن مسابقة طرحتها وزارة المعارف قبل 30 عاماً، وهي عبارة عن مسابقة بين الأساتذة والمعلمين في المعاهد العلمية في المملكة، في جميع مراحل التعليم العام، وللمسابقة ثلاثة موضوعات، وهي الجهاد، والتوازن بين الروح والعقل، والموضوع الثالث لا أتذكر عنوانه، وفي هذا الوقت كنت للتو قادما للسعودية، حيث لم تكن هناك مكتبات ومراجع، كما هي الحال الآن، ولكن كان هناك متسع من الوقت، فاخترت موضوع التوازن بين الروح والعقل، وكتبت موضوعا فيما يقرب من 100 صفحة في كتاب، وطبعته طباعة رديئة وبدائية، ونسيت الموضوع برمته، ثم انتقلت في العام التالي إلى مدينة الدمام، للعمل في ثانوية الشاطئ، إلى أن جاءني طالب يعمل في البريد السعودي، ويخبرني أن هناك برقية باسمي تشير إلى تكريمي من قبل وزارة المعارف آنذاك، ولم أصدق إلا بعد أن أتصل بي المسؤولون يخبرونني بحقيقة الأمر، الذي أكده لي الشيخ عبدالله اليوسف «يحفظه الله» وأكد لي رغبة الوزارة في تكريمي، وبالفعل كرمنا وزير المعارف آنذاك الخويطر، وكان الجميع سعداء، لأن المنطقة الشرقية كانت منذ 11 عاما لم تفز أو تكرم بمثل هذا التكريم، ثم طلبت مكتبة الحرمين أن تطبع هذا الكتاب في ذاك الوقت. وللأسف لا أؤلف منذ فترة طويلة، إلا أن بعض الأصدقاء طلبوا مني أن أكتب الخطب التي ألقيها، ولكن أرى أن التأليف يحتاج إلى وقت وتفرغ، وبقيت على هذا الحال. منذ 30 عاما وأنت خطيب داعية في المساجد.. فما الذي يفرق بين الخطيب الموظف والخطيب الداعية؟ * الإنسان عندما يكون لديه هم إسلامي، يكون هذا تكريم من الله (عز وجل)، وهذا الهم يجعل منه داعية يعمل ويجتهد من أجل دعوته وأهدافها، بخلاف الإمام الموظف التي يعمل من أجل راتبه الشهري، والداعية يؤمن أن المنبر مسؤولية وتكريم من الله سبحانه وتعالى، كما يؤمن أيضا أن المنبر له متطلباته في التحضير الجيد للخطب والدروس التي يلقيها، حتى يكون المنبر حيا ومؤثرا وجذابا على الدوام، وقد عملت في عدد من مساجد الدمام، إلى عام 1402 الذي انتقلت فيه إلى جامع المجدوعي، الذي أعمل فيه حتى اللحظة. ما هي أوصاف الخطيب الجيد؟ * من أهم أوصاف الخطيب الجيد، أن يرتجل خطبته، حتى تكون مؤثرة في نفس المتلقي، وهذا أفضل من القراءة من الورقة، وأنا لا أقرأ من الورقة إلا إذا كنت آتي بنص معين أريد أن أقرأه على الناس بالحرف الواحد، والارتجال يعطي الخطيب مساحة أكبر في عرض الأفكار، والأفكار تأتيه دون تحضير مسبق، والخطيب الجيد هو الذي يطوع خطبته بما يلامس واقع الناس وهمومهم اليومية. المنبر قناة مؤثرة في نفس الإنسان المسلم.. كيف تقيم دوره في المجتمع الإسلامي؟ وكيف يتم استثماره بطريقة إيجابية؟ * ميز الله هذه الأمة الإسلامية بهذا المنبر الذي ليس له مماثل، ولو أن المنابر استثمرت هذه الخاصية في توعية المجتمع المسلم وتثقيفه لكانت الفائدة كبيرة وعامة، ولكن للأسف هذا المنبر لم يقم بدوره المنوط به، وهذا راجع إلى أحد أمرين، أولهما إما أن الخطيب لا يجهز لخطبته بشكل جيد، وإما أن المناخ السياسي الذي نعيشه لا يساعد على قيام المنبر بالدور المطلوب منه. وأستطيع القول: إن المنبر في العالم الإسلامي أصابته إعاقة، وهذه الإعاقة إما من الحكام أو الخطيب نفسه، وطيلة فترة إقامتي في المملكة لم يذكر أن وجهت لي أي جهة عتابا أو ملحوظة بشأن يخص الخطب التي ألقيها، وهذا من فضل الله علي. والمنبر في المملكة يأخذ مساحة واسعة وحرية، ويؤثر في أمة الإسلام إذا أحسن انتقاء موضوعاته. التبعية الفكرية لدى بعض المفكرين أو المثقفين العرب للغرب.. ما هي أسبابها؟ وهل ذلك ناتج عن ضعف الموروث العربي؟ * لا شك أن الأمتين العربية والإسلامية تعيشان في عصر الانحطاط الفكري، وأمام الهيمنة الغربية على العالم والتقدم والازدهار سعى الكثير من المثقفين العرب إلى إيجاد مشاريع لإحياء الأمة العربية، حتى تلحق بركب الحضارة، فكثرت مشاريع التغيير في العالم العربي، وقام بهذه المشاريع من انبهروا بحضارة الغرب، والذين لم يقرأوا ما بحوزة الإسلام من حضارات وأفكار وثوابت، ومن المؤكد أن الجهل بالشيء يؤدي إلى العداوة، ووصل الأمر بهؤلاء إلى ضرورة محاكاة الغرب وتقليده، وتناسوا موروثنا الإسلامي والثقافي، وهذا لا يمنع أن نكون منفتحين على الغرب، شريطة ألا يكون هذا الانفتاح على الثوابت الفكرية لدينا، ولا بد في الوقت نفسه من مراجعة التراث العربي، وإبعاد ما عطل مسيرتنا، وفي الوقت نفسه نراجع ما لدى الغرب، ونأخذ ما يفيدنا فقط. الصراع على الأراضي السورية القائم حالياً.. ما نوعه؟ ومن المستفيد منه؟ * الصراع في سوريا قديم قدم حزب البعث الذي يقوم على الفكر الاشتراكي، ويعتبر هذا الحزب الدين عقبة في التحول للفكر الاشتراكي، ومن هنا ناصف أصحاب هذا الفكر العداء للدين الإسلامي وللمسلمين المتمسكين بدينهم، واعتمد في تثقيف الشباب والأطفال في جميع المراحل بثقافة اشتراكية وألزمهم بها، ومن هنا وقع الصراع بين المسلمين الملتزمين، ومؤيدي حزب البعث، والجميل أن الشعب السوري لم يستسلم لحزب البعث وأفكاره، ومن هنا كان الحكم في سوريا قمعي طيلة العقود الماضية، والذي زاد الطين بلة ظهور الطائفية في البلاد، لتمسك بمفاصل الدولة العسكرية والاقتصادية والأمنية والعلمية، وكان هناك تمييز ومجازر على أساس طائفي، لذلك الصراع في سوريا ايدولوجي ديني، بين الدين الإسلامي والفكر الإلحادي الذي جاء به البعثيون، وعندما دخلت إيران على الخط وغذت الفكر الطائفي، وبدأ الفكر الصفوي ينتشر في سوريا تعمقت المشكلة أكثر وأكثر، ولم يكن الصراع من أجل الحرية والديمقراطية، وإنما من أجل محاولة انتصار كل طائفة على الأخرى، ونأمل أن يكون النصر قريبا للجيش الحر، وتكون هناك حكومة مدنية، والشريعة الإسلامية مصدر التشريع، والشعب السوري مصدر السلطات، ويكون هناك فصل تام بين السلطات. التيارات الإسلامية في العالم العربي تسلمت زمام الأمور في العديد من الدول العربية التي أصابها الربيع العربي.. كيف تنظر لهذا الأمر؟ * المسلمون لم ينزلوا من المريخ، وإنما هم ضمن نسيج الشعوب الإسلامية، وأثبتت التيارات الإسلامية أن لها شعبية جارفة، وأنها تحظى بإقبال كبير من الشعوب الإسلامية، والغرب هو الذي روج الخوف في نفوس الشعوب، من انتشار الحكم الإسلامي في بلادهم، وصور لتلك الشعوب أن الإسلاميين يريدون أن يعيدوا الشعوب الإسلامية إلى الوراء، وتناسى هذا الغرب أن هناك إسلاما مزورا، لا يشير إلى الإسلام الحقيقي بمبادئه وثوابته، وهناك إسلام معتدل ومتسامح، وهناك إسلام متطرف كما هي الحال في كل بقية الأديان الأخرى، ونحمد الله أن الغالبية العظمى من الدول الإسلامية، ينتمون إلى الإسلام المعتدل. شاركتم في لجان ناقشت الوفاة الدماغية والتبرع بالأعضاء.. ما طبيعة عمل هذه اللجان؟ * أولا الوفاة الدماغية، مسألة مهمة فيها خلاف كبير، إذ يترتب عليها أحكام فقهية كثيرة مثل الميراث، وتوصل العلماء في نهاية نقاشاتهم إلى أن الموت الحقيقي هو موت الدماغ، لذلك أقر أهل الاختصاص بأن موت الإنسان يقع إذا مات الدماغ، ولا يرتبط بتوقف القلب عن العمل. ما تقييمك لدور لجان التنمية الاجتماعية في الأحياء السكنية؟ * دعني أطرح حي البادية في الدمام كمثال على دور لجان التنمية الاجتماعية فيه، فهذا الحي من الأحياء الكبيرة التي تحتاج إلى منظمات المجتمع المدني القائمة على الأعمال التطوعية، التي تتكامل جهودها في تقديم الخدمات المختلفة لسكان الأحياء، وإذا وجدت هذه المنظمات الدعم المالي والأدبي تقوم بدورها المطلوب في تنمية المجتمع، وفي الشرع، يجب أن يكون هناك من يقوم بالواجب التكليفي، وإذا لم يوجد من يقوم بهذا الدور، يأثم المجتمع، والذي يميز المجتمعات الغربية عن المجتمعات الإسلامية أنها تقوم على مؤسسات المجتمع المدني. من خلال إقامتك الطويلة في المملكة وتحديدا في المنطقة الشرقية.. كيف ترى حركة التطور فيها؟ * ما ألاحظه من خلال السنوات الطويلة التي عشتها في المنطقة الشرقية وجود تطور في العديد من المجالات التعليمية، والصناعية، والأكاديمية، كما يوجد تطور مماثل في الحياة الثقافية، وفي مساحة الحوار بين فئات المجتمع، من خلال الحوار الوطني بمحطاته المختلفة التي تجمع أطياف الشعب السعودي ليعملوا جميعا في خدمة الوطن، والملك عبدالله بن عبد العزيز يتبنى هذا الحوار ويدعمه، وبقي أن يستثمر الشعب السعودي هذه الميزة، من أجل الاستفادة من هذا الحوار فيما يفيد. .موجز السيرة الداعية الشيخ مروان عبد الرحمن القادري * من مواليد 1944م بسوريا. * حصل على بكالوريوس الشريعة الإسلامية من جامعة دمشق 1967م ودبلوم عام في التربية من جامعة دمشق 1969م. * عمل مدرسا في المرحلة الثانوية ومحاضرا في كلية البنات في الدمام قسم الدراسات الإسلامية، ومستشارا في الإدارة العامة لكليات البنات في المنطقة الشرقية. o يعمل حاليا مستشارا في شركة اميانتيت. * خطيب وإمام جامع المجدوعي في حي البادية منذ أكثر من ثلاثة عقود. * شارك في الكثير من المحاضرات والندوات الإسلامية والاجتماعية العامة وله أحاديث وبرامج وندوات تلفزيونية في السعودية. * نشرت له بعض البحوث والمقالات في المجلات والصحف السعودية. * له مشاركات دعوية في أوروبا الغربية ودعوية إغاثية في أوروبا الشرقية، ومشاركة في مؤتمرات دعوية في بعض الدول العربية. * فاز في بحث في التوعية الإسلامية بعنوان «التوازن بين الروح والعقل والجسد في ميزان الإسلام» على مستوى الهيئة التعليمية في التعليم العام والمعاهد العلمية في المملكة وطبع كتاباً.