تواصلت صباح أمس الأربعاء فعاليات ندوة (السلفية منهج شرعي ومطلب وطني) والتي تنظمها جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية برعاية كريمة من سمو ولي العهد، حيث ترأس مستشار معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور بندر بن فهد السويلم الجلسة السادسة التي قدمت فيها أربعة بحوث، تحدث في البداية الدكتور رضا أبو شامة من الجزائر ببحث عنوانه: (نقض اتهامات حول الدعوة السلفية) أكد فيها أن ما يذيعه المخالفون للدعوة السلفية أنَّها دعوة تكفيرية تنابذ الأمة وتكفرها وتستحل دماءها بالباطل، بل يشهد العقلاء من هذه الملة أنَّ الدعوة السلفية بريئة من التكفير براءة الذئب من دم يوسف، فالدعوة السلفية هي امتداد لدعوة الأنبياء، اقتفى أهلها آثار سلفهم من الصحابة والتابعين، وأن وقوع بعض الأفراد ممن ينتسب إلى هذه الدعوة في بعض الأخطاء الدعوية والمنهجية لا يخول لأعدائها الطعن في قواعدها ومنهجها، ولا يحكم عليها بأفعال أفرادها بل بكلام علمائها وعقلائها، وأن دعاة السلفية بينوا كل الاتهامات ضد السلفية وردوا عليها مستندين إلى كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وشدد الباحث أن الوسطية عند السلفية ليست ترك الشرائع والجري وراء شعارات براقة ولافتات تسلخ هذا الدين من أسسه وقوائمه، بل الوسطية هي إقامة دين الله كما شرعه في كل الميادين، فالإسلام منهج وسط في كل شيء، في التصور والاعتقاد والتعبد والتنسك والأخلاق والسلوك والمعاملة والتشريع، وينهى عن الغلو والتطرف. بعد ذلك قدم أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي من المغرب الدكتور أحمد بوعود بحثاً بعنوان (السلفية ودعوة الجمود على الظاهر) بين فيه أن ما نراه اليوم من نعت للسلفية بالجمود على الظاهر والحرفية والسكون نابع من أمرين أساسيين هما: أن النيل من السلفية نيلا من الإسلام نفسه، فتكون النتيجة هي أن الإسلام كان مناسبا لزمان ومكان معينين، ولا يستطيع أن يواكب حاجات الإنسان المعاصر، والفهم الضيق لبعض من يسمون أنفسهم سلفيين، حيث يجمدون على ظواهر بعض النصوص ويتقيدون بحرفيتها معلنين بذلك أن الإسلام هو هذا. وتوصل الباحث إلى أن السلف لم يكونوا يجمدون على ظواهر النصوص، بل كانوا يجمعون بين النص ومقصده حتى يطبقوا شرع الله على أحسن وجه، كما أن منهج السلف في فهم النصوص، يتمثل أساس في فقه الواقع، وفقه مقاصد الشرع، والوعي بالتاريخ، والوعي بالسنن، وغير ذلك. وأوصى الباحث في ختام بحثه بالاهتمام بتراث السلف تنقيحا وتصحيحا وإخراجا، والبحث في سبل فهم السلف للقرآن الكريم وسنة النبي صلى الله عليه وسلم واستخلاص قواعد عامة وتفصيلية تساعدنا على معالجة قضايا الواقع المستجدة، ودراسة اجتهادات السلف المختلفة لمعرفة كيف نجتهد لعصرنا. وفي بحث لأستاذة العقيدة بجامعة الملك سعود الدكتورة هيا آل الشيخ تحت عنوان «موقف المنهج السلفي من الغلو والتطرف» (التعامل مع غير المسلمين أنموذجاً) بينت فيه أن الإسلام دين وسط وعدل وسماحة، والولاء والبراء من الإسلام، ولهذا ليس هناك بين معتقد (الولاء والبراء) ومبادئ الوسطيّة والسماحة والرحمة تناقض، ومع ذلك فقد انقسم الناس في (الولاء والبراء) في تعاملهم مع غير المسلمين إلى ثلاثة أقسام فمنهم من كان من أهل (الغلو والإفراط) ومنهم من كان من أهل التفريط وبين هذا وذاك أهل الوسط والاعتدال. وأشارت الباحثة إلى أن نصوص الكتاب والسنة الواردة في عقيدة الولاء والبراء عقيدة وسط واعتدال ليس فيها غلو وإفراط ولا تفريط وجفاء، ومع ذلك شذ قوم من خلال تعاملهم مع غير المسلمين إلى أحد الجانبين المذمومين، إما إلى غلو وإفراط وإما إلى تفريط. وفيما يخص موالاة الكفار أشارت الباحثة إلى أن سلف الأمة والتابعين لهم بإحسان، يرون أن موالاة الكفار تنقسم إلى ولاء مكفر مخرج من الملة؛ وهو تولي الكفار ومحبتهم لدينهم، أو مظاهرتهم ونصرتهم على المسلمين، وولاء غير مخرج من الملة وهو المعاملة الحسنة معهم وعدم إهدار حقوقهم. بعد ذلك قدمت الدكتورة لميا الطويل من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بحثاً بعنوان (موقف المنهج السلفي من الغلو والتطرف) أوضحت من خلاله أن الإسلام يدعو إلى الوسطية ويحذر من التطرف بجميع صوره وأشكاله، فمتى تخلت الأمة عن منهج السلف أصبحت ضائعة لا ملامح لها, فالغلو في الدين فيه مشقة وهو يتعارض مع تعاليم الإسلام الداعية إلى اليسر ورفع الحَرَج. وتوصلت الباحثة إلى أن قضية الغلو في الدين لم تكن وليدة اليوم فهي عند اليهود وأحبارهم وعند النصارى ورهبانهم وظهرت عند المتصوفة وكثير من الفرق المنتسبة للإسلام، وقد نهى السلف رضوان الله عليهم عن الغلو والتطرف، لأن فيه تشديد على النفس, وتحريم للطيبات وابتداع في الدين. وأوصت الباحثة بأن المسلم يجب أن يكون صورة لدينه، وألا يغالي أو يتطرف، وأن أمة الإسلام تمر بمنعطف خطير بمحاولة أعدائها باتهام دينها بالغلو والتطرف, لذلك فإن أبلغ الرد على ذلك هو القدوة الحسنة التي تتمثل في سلوك المسلمين وفي سيرهم على منهج السلف الصالح، وتمكين العلماء الربانيين المخلصين المشهود لهم بالعلم والإخلاص من توجيه النصح لعموم المجتمع بالتربية والتوجيه، ولفئة الشباب بالتربية والعناية، على أن يكونوا مرجعية حقيقة صادقة مخلصة للحاكم والمحكوم. وفي الجلسة السابعة تحدث معالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد في الجلسة السابعة لندوة السلفية في بحثه الموسوم ب»الخطاب الديني في ضوء المنهج السلفي» تناول عدداً من المحاور التي تبين «المنهج السلفي وصلته بالخطاب الديني المعاصر»، إذ أشار إلى أنه مصطلح جديد انتهى في تعريفه إلى أنه: إيصال الأفكار إلى الآخرين بواسطة الكلام المفهوم، واللغة في ذلك هي أداة الخطاب تكلماً أو كتابة فهي وعاء الأفكار. ثم تطرق إلى الخطاب الديني في ميزان الشرع، وبين أن الخطاب الديني ينقسم إلى ثلاثة أنواع: الأول: (النصوص الشرعية: خطاب القرآن والسنة النبوية)، الثاني: (أدوات فهم نصوص الكتاب والسنة)، الثالث من إطلاقات الخطاب الديني إطلاقه على: (أقوال العلماء واجتهاداتهم)، بعدها أردف بوقفات مهمات ومكملات في طبيعة هذه الخلافات الناشئة عن هذا النوع من الخطاب، ثم تحدث عن نشأة الحديث عن الخطاب الديني وأشار إلى أن الكلام عن نشأته لا يكون له كبير أثر إذا لم يرتبط بذلك دراسة وتحليل للظروف التي نشأ فيها هذا المصطلح، بعدها تطرق إلى حقيقة اصطلاح الخطاب الديني وصلته بمنهج السلف وبين أن الإسلام الذي ختم الله به الشرائع والرسالات السماوية أودع الله فيه عنصر الثبات والخلود وعنصر المرونة، وهذا من واقع الإعجاز في هذا الدين، وآية من آيات عمومه وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان، لكن هناك ثوابت لا تقبل التطوير ولا الاجتهاد ولا الإضافة ولا التغيير ولا يمكن أن يقول بتغيير هذه الثوابت عالم معتبر. وتناول معاليه كيف يتم تجديد الخطاب الديني، وبين ضوابط الخطاب الديني في ظل المنهج السلفي. المتحدث الآخر هو قاضي القضاة إمام الحضرة الهاشمية المملكة الأردنية الهاشمية الأستاذ الدكتور أحمد محمد هليل وقدم بحثاً بعنوان «خَصَائِصُ المَنْهَجِ السَّلفِيِّ وَصِلَتُهُ بتَجْدِيدِ الخِطَاب الدِّينِيِّ» تناول فيه الخطاب الديني وبدايته والمقصود به، وتناول مفهوم التجديد في الخطاب الديني وبين أن التَّجديد منوط بالخطاب، فالخطاب الديني الدعوي وأسلوبه هو الجانب المتغيِر، فيتغير بتغير الأَحوال، وتتأثر كيفية أدائه بفقه الواقع، ثم عرج بالحديث إلى خصائص المنهج السلفي ومنها: الفهم ووضوح المنهج ودقة المصطلحات وضبط معاني ألفاظ العبارات، والدعوة. ثم تحدث المستشار في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد الشيخ عبدالرحمن بن علي العسكر عن بحثه «الخطاب الديني المعاصر وواقعه في المملكة العربية السعودية» وتطرق فيه إلى مفهوم الخطاب الديني المعاصر، ونشأة فكرة الخطاب الديني أوضح فيه تاريخ المصطلح والظروف الداعية لإطلاقه، كما تناول حقيقة إصلاح الخطاب الديني المعاصر: متطرقاً إلى صور المطالبة بإصلاح الخطاب الديني، التي من أبرزها تجديد الخطاب الديني، وأوضح معنى التجديد في اللغة ووفق ما ورد في الكتاب والسنة، ومعنى تجديد الخطاب الديني، وذكر نماذج من معالم تجديد الخطاب الديني عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ختم بمعالم تجديد الخطاب الديني المطلوب، كما تناول في بحثه أبرز دعاوى الخصوم حيال الخطاب الديني والرد عليها، وتناول واقع الخطاب الديني في المملكة العربية السعودية من خلال التمثيل بواقع المملكة من خلال ما نص عليه نظامها الأساسي للحكم، ثم ذكر أسباب ما يرد على الخطاب الديني فيها من تهم وشبه. ثم قدم نائب رئيس مجمع الفقه الإسلامي بالهند وعضو المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء والمفكرون المسلمين برابطة العالم الإسلامي الشيخ بدر الحسن القاسمي ورقة عمل بعنوان: «المنهج السلفي وصلته بالخطاب الديني المعاصر»، وأشار إلى أن مصطلح «الخطاب الديني» ظهر في بيئة غير إسلامية على لسان أحد الفلاسفة الفرنسيين وازداد الضغط على المسلمين بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر لتغيير المناهج الدراسية وتطوير الخطاب الديني، وتناول تركيز الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب على محاربة البدع والأضاليل واهتمام تلاميذه وأتباعه بذلك كان بسبب الخلل الموجود والمستشري في بعض المجتمعات ودعوته إلى العودة إلى الكتاب والسنة مع عدم قطع الانتماء إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل في معظم الأحكام الفقهية لم يكن بهدف إيجاد مذهب فقهي جديد أو تنفير الناس من الثروة الفقهية الهائلة التي تركها أئمة المذاهب الأربعة بل كان بهدف القضاء على العصبية لدى بعض أتباع المذاهب. وأشار إلى أن المنهج السلفي هو المنهج القائم على الفهم الصحيح والسليم للنصوص، والتطبيق العقلاني للأحكام والالتزام الكامل بالسنة الصحيحة الثابتة، وبين أن الخطاب الديني المعاصر وفق المنهج السلفي جزء من المشروع الحضاري للمملكة العربية السعودية تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين، وبين أن الخطاب يتكون من الالتزام الكامل بالكتاب والسنة، مع التأكيد على توحيد صف المسلمين على اختلاف في الانتماء المذهبي واختيار المنهج الفقهي، ونشر العلم وتوفير كافة وسائل المعرفة من أجل التنمية الشاملة للمجتمع من خلال خطة إستراتيجية شاملة ومنهجية مدروسة في التخطيط والتطوير وتنمية الموارد البشرية، بالإضافة إلى الانفتاح على العالم وفتح باب الحوار مع كافة أهل الديانات والملل لإيجاد مناخ التعايش السلمي بين الأمم وإنقاذ الشعوب من ويلات الحروب والاشتباكات. فيما أشارت الباحثة في الدراسات الإسلامية بكلية المجتمع بجامعة الملك فيصل سابقاً هداية الله أحمد الشاش في ورقة العمل التي قدمتها «السلفية مبادئها وموقفها من تجديد الدين وجهود أبرز أعلامها في التجديد» إلى أن العناية ببحث المعاني الكلية للمصطلحات الإسلامية وإحياء مضامينها الشرعية أمر جدير بأن يستفرغ له الوسع وتشحذ له الهمم ويبذل له الجهد وتوجه إليه الطاقات. وأوصت الباحثة على ضرورة العمل على نشر المفهوم الصحيح لمصطلحي «السلفية» و»التجديد»؛ بإدخالهما في مناهج التعليم العام, ومفردات بعض المقررات الجامعية، وفي رسائل البحث العلمي بمؤسسات التعليم العالي، وتكوين اتحاد علمي على مستوى العالم الإسلامي أو العربي للتنسيق بين الجهات العلمية لتقديم جهود مختلفة الجوانب في مجال تجديد الدين منضبطا بالكتاب والسنة وفهم السلف، مع تفعيل مؤسسات الإعلام الإسلامي لتصحيح المفاهيم الخاطئة حول السلفية والتجديد، وتقديم الرؤى والحوارات الجادة في هذا المجال، بالإضافة إلى إنشاء كراسي وجوائز علمية متخصصة في مجال السلفية والتجديد.