بداية, لست، ولله الحمد، من دعاة الاتجاه التشاؤمي في الشعر أو حتى في الحياة بشكل عام, ولكني كالعديد من مُحبي الشعر لي آمال وطموحات ربما كانت صعبة المنال ولكنها مشروعة ومنطقية. فنحن “جمهور ومتذوقي الشعر الشعبي” نريد فكراً أصيلاً صادقاً ومبدعا تجديدياً، ونريد شعراً يلهب مشاعر النخوة والحمية فينا, وأيضاً يثير فينا كل ما هو جميل وراقٍ، نريده أن يحكي واقعنا بأمانة ويدوّن انجازاتنا ومظاهر حياتنا بحيادية للأجيال القادمة، نريده أن يخفف عنا معاناة الحياة المادية الغارقة في الأنانية والسطحية, ويصوِّر آمالنا وأحلامنا لينتزعنا من خضم حياتنا المسعورة بالتكاثر في الأموال والأولاد إلى رحلة في عالم الخيال الحالم بحياة أجمل ولو للحظات بسيطة... فهل نطلب المستحيل؟ نحن “جمهور ومتذوقي الشعر الشعبي” نريد فكراً أصيلاً صادقاً ومُبدعا تجديدياً، ونريد شعراً يُلهب مشاعر النخوة والحمية فينا, وأيضاً يثير فينا كل ما هو جميل وراقٍ. · تزامناً مع قرب انطلاقة مسابقة الشعر الشعبي الأشهر عربياً “شاعر المليون” أعيد نشر هذه الطرفة النقدية الشهيرة، والتي أرى فيها منهجية نقدية يُحتذى بها عوضاً عن “صح لسانك” و”فالك المليون” و”أنت خير من يمثل قبيلتك”. “ذكر في أخبار النابغة الذبياني أن الشعراء كانوا يحتكمون إليه في أسواق العرب ومناسباتهم خاصة الناشئين منهم, فإذا مدح أحدهم أو زكّى قصيدته شاع ذكره وطارت شهرته في الآفاق. فقد فضل الأعشى على حسان بن ثابت, وفضل الخنساء على كل الشاعرات.. وعندما ثار حسان بن ثابت عليه قائلاً: أنا والله أشعر منك ومن أبيك. قال له: حيث تقول ماذا؟ قال حسان: حيث أقول: لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى وأسيافنا يقطرن من نجدة دما ولدنا بني العنقاء وابني محرق فأكرم بنا خالاً وأكرم بنا ابنما فقال له النابغة: إنك شاعر لولا أنك قللت عدد جفانك وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك. وفي رواية أخرى: فقال له: إنك قللت الجفنات فقللت العدد، ولو قلت الجفان لكان أكثر, وقلت: يلمعن في الضحى, ولو قلت: يبرقن بالدجى لكان ابلغ في المديح؛ لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً. وقلت: “يقطرن من نجدة دماً” فدللت على قلة القتل ولو قلت: يجرين لكان أكثر لانصباب الدم, وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك.. فقام حسان منقطعاً: انتهت القصة, ولربما كان للحديث بقية.. ودمتم سالمين.