السائل (توفيق عبيد): أشكل عليّ في بحثي مسألة اختلف فيها النحويون، وهي وصف جمع المذكر السالم بوصف يدل على الكثرة، والنحويون يقولون: جمع المذكر السالم من نوع جموع القلّة، فما رأيكم في هذه المسألة؟ الفتوى 48: مسألة الجموع من عويص مسائل اللّغة، القياس فيها كثير، والسماع كثير، والإحاطة بها متعذّرة، فكيف الإحاطة باللّغة العربية؟ ومن أكبر أسباب اضطراب صيغ الجمع تعدّد الواضع، والمتكلّم قد يضطر إلى إفهام المخاطب ولا يكون في ذهنه صيغة حاضرة مسموعة فيفزع بذوقه إلى القياس، والقياس منه صحيح وفاسد. وسمعتُ بعض الصبيان يجمع قرآنًا على قرائين، كبرهان وبراهين، ولو قاسه على فُرقان لم يجمعه. وسؤالك مبنيّ على التأصيل الوضعي للجمع السالم بنوعيه، وسيبويه ومن تبعه يجعلون السالم من جمع القلّة وضعًا، وقد يقع للكثرة، كما أن صيغ جموع التكسير التي للقلّة تكون للكثرة، وما للكثرة للقلّة، والحجّة التي يستدل بها سيبويه ومن معه اعتراض النابغة على حسان في قوله: لنا الجَفَنات الغرُّ يلمعْن بالضُّحى وأسيافنا يَقطرْنَ من نجدةٍ دَما قال له النابغة: لقد قلَّلْتَ جفانك وأسيافك! فقال له حسان: إنّ من كلامنا وضعَ القليل موضع الكثير. وأنا في شكٍّ من صحة هذه الحكاية! وادّعاء أنهما للقلّة في أصل الوضع لا برهان عليه، فإنّ أكثر ألفاظ الجمع السالم في القرآن يراد بها الكثرة، كقوله سبحانه: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ...)، ففي هذه الآية عشرون جمعًا كلّها للكثرة، وما أحسن ما استدلّ به بعض النحويين على غلط من ادّعى أنهما للقلّة، وهو قوله سبحانه: (مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)،فإذا كانت كلمات الله لا منتهى لها وسمّاها كلمات، ولم يُسمِّها كَلِمًا، فكيف يسوغ بعد هذا ذلك القول المنسوب إلى إمام النحو؟! وهذا التحقيق على وجازته يخفف عنك الهمَّ في هذه المسألة، وبه تعلم أن الأمر لا قيد فيه، فلك أن تقول: الزيدون ظرفاء، وظريفون، وفي القرآن: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ)، وصف الكثرة بما يُدَّعى أنه للقلّة، وقال ابن مالك في الألفية: (والله يقضي بهباتٍ وافرة)، والأصل عندهم أن يقول: بهباتٍ وافرات .. ولِما سألتَ عنه فرعٌ طويلٌ يا أخانا توفيق .. وبالله التوفيق.