قال وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رئيس الجمعية العلمية السعودية للغة العربية الدكتور أحمد السالم "إن سوق عكاظ سمي بهذا الاسم من المعاكظة وهي المحاجة في المفاخرة التي كانت إحدى نشاطات السوق، مشيراً إلى قول الخليل بن أحمد: (وسُمّي به لأن العرب كانت تجتمع فيه كل سنة فيعكظ بعضهم بعضًا بالمفاخرة والتناشد: أي يدعك ويعرك، وفلان يعكظ خصمه بالخصومة: يمعكه). وأضاف "تاريخ عكاظ يعود إلى ثلاثة أو أربعة قرون قبل الميلاد، ويرجعه بعض المؤرخين إلى ما قبل الهجرة بسبعين سنة، والمؤكد أن سوق عكاظ استمر في عهد النبوة وصدرالإسلام أيام الخلفاء الراشدين وزمن بني أميه حتى سنة 149ه، حيث ثار الخوارج ونهبوه". سوق عكاظ تأثر بتوسع الدول الإسلامية وانتقال مراكز الحضارة من الحجاز إلى دمشق ثم بغداد، حيث المدن الكبيرة، وبدأت الحضارة الناشئة في الشام والعراق ومصر تجذب الناس إليها، وهذا أدى إلى ضعف الحاجة لسوق عكاظ ودوره التجاري خاصة. وبين السالم أن سوق عكاظ كان مركزاً ومزاداً تجارياً عظيماً، تعرض فيه سلع ملوك اليمن الذين كانوا يبعثون بالسيف الجيد والحلة الحسنة والمركوب الفاره، فيقف به وينادى عليه ليأخذه أعز العرب، لافتاً إلى أن سوق عكاظ كان سوقاً تجاريا واسعا تقصده قوافل التجار القادمين من الشام وفارس والروم واليمن.. يصف الإدريسي سوق عكاظ بأنه سوق جامع يقام في كل أحد من كل أسبوع حيث تعرض فيه أنواع التجارات التي تحتاجها تلك المنطقة، فإذا أمسى المساء انصرف كل إلى موضعه ومكانه. وعد الدكتور السالم سوق عكاظ تظاهرة أدبية ومجمعا أدبيا ولغويا يندر أن يوجد له مثيل، حيث يتوافد له الشعراء من كل مكان، يعرضون أشعارهم ويتم تحكيمها بشكل رسمي، فتخلع عليها الألقاب والهبات، وأسهم السوق في إخراج عدد من الأسماء والقصائد الشعرية الكبيرة في تاريخ الأدب العربي، وفي ذلك يقول حسان: سأنشرُ إن حييتُ لهم كلاماً يُنّشرُ في المجامع من عكاظ. وكانت المنابر تضرب ليقوم عليها خطباء يعددون مآثر قبائلهم من عام إلى آخر، وإذا ما ذكرت الخطب المنبرية في سوق عكاظ ذكر معها الخطبة الشهيرة لقس بن ساعدة الإيادي، تلك الخطبة الشهيرة التي قال فيها "أيها الناس، اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير...". وفيه أنشد ابن كلثوم معلقته، وقيل إن المعلقات علقت وأنشدت فيه، كما أنشد فيه الأعشى مدحته المحَّبرة في المحلق، وممن ألقى فيه مدائحه حسان، كما كانت الخنساء تلقي فيه مراثيها وتعاظم مصيبتها في أخيها. وألمح إلى أن من الشخصيات الشهيرة في سوق عكاظ النابغة الذبياني، حيث كان يرأس سوق عكاظ، وكانت تضرب له قبة حمراء من أدم بسوق عكاظ، فيأتيه الشعراء فيعرضون عليه أشعارهم، ومن ذلك أنه أتاه الأعشى فأنشده، ثم أتاه حسان فقال: لولا أن أبا بصير أنشدني لقلت إنك أشعر الجن والإنس، فثارت ثائرة حسان فقال: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك وجدك، فقبض النابغة على يده، وقال: يا ابن أخي أنت لا تحسن أن تقول: فإنك كالليل الذي هو مدركي وإن خلت أن المنتأى عنك واسع، ثم أتته الخنساء فأنشدته: قذى بعينك أم بالعين عوار/ أم ذرًّفت إذ خلت من أهلها الدار، فلما بلغت قولها: وإن صخراً لتأتم الهداة به/ كأن علم في رأسه نار، قال: ما رأيت أشعر منك، ويروى أنه قال لها: لولا أبو بصير سبقك لقلت إنك أشعر من في السوق. ويروى أنه قال لحسان حين بلغ من قصيدته: لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى/ وأسيافنا يقطرن من نجدة دما/ ولدنا بني العنقاء وابن محرق/ فأكرم بنا خالا وأكرم بنا أبا، قال له: قللت جفانك ولو قلت الجفان لكانت أكثر، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن ولدك، وقلت يلمعن بالضحى، ولو قلت يبرقن بالدجى لكان أبلغ، لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً. وكذلك قصدت هند بن عتبه بن ربيعه هذا السوق حين قتل أهلها في بدر، وقرنت جملها بجمل الخنساء، وأخذت كل منهما تعاظم الأخرى بمصابها وتساجل في شعر اللوعة والرثاء. والمقصود بأن سوق عكاظ كان سوقاً أدبيا يتبارى فيه الشعراء بإبراز نتاجهم الأدبي، ويتحاكمون فيه إلى فحول الشعر وأهله، فينوهون بقصائدهم لتطير بها المجالس في الآفاق حفظاً وترديداً. وأبان أن الاهتمام بسوق عكاظ عاد في عهد الدولة السعودية، وذلك بتحديد مكانه جغرافياً، ودعوة الأدباء والمؤخرين للاجتماع والتظاهر الثقافي والأدبي، وبعث الروح السابقة لهذا السوق العظيم، وقد كان ذلك في عام 1428، حيث رعى نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز سوق عكاظ الأول، ثم توالى الاحتفال بهذه التظاهرة الأدبية والثقافية طيلة الأعوام الثلاثة السابقة منوهاً بالدعم الكبير من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا الصدد والذي كان له أثر بالغ في عودة السوق لسابق عهده، كما أن السوق ينتظره مستقبل كبير وذلك حين يتم اكتمال بناء المدينة السياحية الثقافية في سوق عكاظ.