التحولات في العالم العربي مكلفة لأنها تحدث بقوة الدفع الشعبي ولأن الأنظمة تضيع الفرص الملائمة. وهذا ما حدث في عدة بلدان عربية ومنها ليبيا واليمن اللذان أدخلهما التشبث بالسلطة وقصر النظر والاستخفاف بقوة الشعوب في دوامات لا أحد فيها منتصر. ويبدو أن سوريا سوف تدخل دوامات خطيرة خاصة بها وحدها. فرد الحكومة السورية على بيان جامعة الدول العربية غير مشجع البتة ويخشى أن تكون العقلية التي استطابت الحل الأمني هي المسيطرة في هذا البلد الذي قطع مواطنوه شوطاً طويلاً، معمداً بالدم، نحو الحرية. ولا نعلم ماذا كان يتوقع النظام السوري الذي استخف بالعرب وتحالف مع إيران، أن يكون عليه موقف جامعة الدول العربية؟، فأبسط ما يتوجب على الجامعة العربية أن تسعى إليه هو وقف نزيف الدم وإراقة الدماء في بلد مواجهة عربي كريم مثل سوريا. وإذا كان النظام السوري صادقاً في إخلاصه ووطنيته ومقاومته وممانعته، فإن أوجب الواجبات عليه أن يستمع إلى الأصوات العربية المخلصة التي تدعو إلى الجنوح إلى السلام ونبذ العنف ووقف شلالات الدم ومعاملة السوريين بالاحترام الذي يستحقونه والرحمة التي يطلبونها. ويكفي الجامعة العربية أنها أغلقت عيونها وصمتت طوال شهور عجاف، منتظرة أن يطبق الرئيس السوري وعوده بالإصلاح والحرية والديمقراطية، ولكنها لم تطق صبراً، بفعل الضغط الشعبي العربي الواسع النطاق، وبعد أن رأت أن هذه الوعود تتحول إلى برنامج عمل قمعي على الأرض، بمداهمة الأحياء وتطويق المدن ومهاجمة المنازل وقتل آلاف الناس بمن فيهم الأطفال، سفك الدم في كل مكان، بما في ذلك مسيرات التشييع، وايضاً تشريد الآلاف من منازلهم ليصبحوا لاجئين لدى الدول المجاورة، وانتهاك حرمات المساجد وتسليطهم مدفعية الدبابات على منارات المساجد وتهديمها بشكل ينذر بمخاوف أن يكون المستقبل أكثر خطورة. وكان يمكن للحكومة السورية بدلاً من الاجتهاد برفض المبادرات الخارجية والاستسلام لنصائح القوى المعادية للأمة العربية، أن تجتهد بإيجاد مخرج مشرف لها وللسوريين وقيادة سوريا نحو الحل وليس قيادة سوريا نحو المزيد من الغرق في المخاطر والمشاكل ودوامات الكره والدم.