جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب أمس بطلب من دول مجلس التعاون الخليجي لمناقشة الوضع الإنساني المتدهور في سوريا نتيجة طبيعية لما تشعر به دول المجلس من قلق بالغ وخوف متزايد من جراء استمرار حمامات الدم في هذا البلد الشقيق وسيناريوهات التدخل الخارجي والحرب الأهلية والتقسيم ما لم يتم تدارك الأمر ودراسة السبل والإجراءات الكفيلة بحقن الدماء ووقف آلة العنف. هذا الاجتماع الذي جاء بعد نحو شهر من اجتماع سابق دعا السلطات السورية إلى الوقف الفوري لإراقة الدماء، يعتبر خطوة مهمة لحماية شعب عربي و تأكيد الدور العربي في التوعية بأخطار المرحلة التي تمر بها الشقيقة سوريا. المشهد السوري الراهن يكشف بجلاء أن اصرار النظام في دمشق على تجاهل مطالب شعبه، واستخدام الجيش السوري لقمع انتفاضة شعبية هو السبب وراء استمرار حالة الغليان والاحتجاجات في سائر المدن السورية ، رغم ما يسقط من ضحايا وجرحى ومعتقلين بشكل يومي منذ أكثر من ستة شهور، لا سيما بعد أن توصل الشعب السوري إلى القناعة بأن وعود الإصلاح العديدة التي وعد بها الرئيس الأسد لم يتحقق منها وعد واحد حتى الآن ، وأن ما يتعهد به من إجراءات لتحقيق مطالب شعبه لا يعدو كونه - طبقا للسوريين أنفسهم- محاولات لامتصاص غضبة هذا الشعب. لم يكترث النظام في دمشق بقرار وزراء الخارجية العرب قبل شهر، وبات متعينا على النظام الاقليمي العربي أن يقول للجميع بوضوح، إلى من ينحاز؟ إلى شعب يجري قتله وترويعه؟ أم إلى نظام لا تؤرقه أعداد القتلى وفيهم أطفال ونساء وشيوخ. اهتمام مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية بتبني سياسات وقرارات تهدف إلى حماية أرواح الأبرياء في سوريا، وإلى احترام إرادة الشعب السوري، هو عنوان لعصر عربي جديد، تكون فيه سلامة المواطن العربي وكرامته وأمنه وحريته ، هى أهم محددات العمل العربي. احترام خيارات الشعب السوري الذي قدم آلاف الشهداء حتى الآن في معركته من أجل الحرية، موقف سوف يذكره التاريخ للنظام الاقليمي العربي وفي القلب منه قادة مجلس التعاون الخليجي، وجامعة العربية، بقي أن يحرص النظام السوري على احترام حكم التاريخ و كلمته بالانصياع لإرادة شعبه، حتى يمكن لسوريا الاحتفاظ بموقعها ومكانتها ضمن مؤسسات العمل العربي المشترك.