توفي في دمشق مساء الأحد الكاتب والأديب السوري ممدوح عدوان الذي وافته المنية عن عمر يناهز الثالثة والستين عاما اثر مرض عضال عانى منه مدى السنوات القلية الماضية ممدوح عدوان كأنه يختصر مؤسسة أو مكتبة أو مجموعة من الناس الطيبين لم يفارقه نزقه ولم تفارقه طفولته ولم يفارقه الجنون.. على يديه ترتسم معالم دير ماما وفي صوته الصاخب تزدحم أصوات أبناء الريف الذين أتعبهم الشقاء فآبوا إلى أحزانهم وقسوة الصخر ووعورة الأرض وعذوبة الينابيع. ممدوح عدوان يعود اليوم إلى /قيرون/ التي ولد فيها عام 1941 وتلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي فيها ويحمل درجة الإجازة في اللغة الإنكليزية من جامعة دمشق 1966 ثم عمل في الصحافة الأدبية في صحيفة(الثورة السورية) ونشر قصائده في غيرها من الصحف و المجلات العربية ويعد من أهم الكتاب والمثقفين السوريين ومن أبرز القامات الأدبية العربية منذ الستينيات وحتى اليوم وبلغت أعماله الشعرية سبعة عشر ديواناً وستا وعشرين مسرحية وخمسة وعشرين كتاباً مترجماً إضافة إلى روايتين هما ( الابتر1969 و أعدائي 2000) وكتاباً نثرياً بعنوان ( دفاعا عن الجنون ) و شارك فى ندوات ومؤتمرات أدبية فى العديد من الدول العربية والأجنبية وكانت له مساهمات نقدية وأدبية بارزة على الساحة الثقافية العربية، كما حصل على العديد من الجوائز الثقافية والأدبية تقديرا لعطاءاته للثقافة العربية ولعل آخرها تكريمه في مهرجان دمشق المسرحي الثاني عشر، كما كرمه مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته العاشرة بوصفه مسرحيا أغنى الحركة المسرحية العربية كما كرمه معرض القاهرة للكتاب عام 2003م عمل الكاتب الراحل فى الصحافة الأدبية والتلفزيونية كما كتب الكثير من المقالات فى الدوريات السورية والعربية وعمل أيضا فى الترجمة وصدرت له ترجمات منها مذكرات كازانتزاكيس - تقرير إلى غريكو - ترجمة لملحمة "الإلياذة" . كما أنجز جزءا من ملحمة "الأوديسة" لهوميروس وغيرها. وكتب عددا من النصوص التلفزيونية منها /الزير سالم و دائرة النار وجريمة فى الذاكرة و المتنبي وأنجز خلال حياته العديد من المسرحيات المتميزة منها : ليل العبيد ، حكي السريا ، حكايا الملوك ، سفر برلك ، النول ، الخدامة ، هاملت يستيقظ متأخراً ، القناع ، الفارسة، الشاعر ، موندراما الزبال ، القيامة ، حال الدنيا ، اكلة لحوم البشر ، محاكمة الرجل الذى لم يحارب، المخاض مسرحية شعرية عام 1967 . زنوبيا تندحر غدا ومن أعماله الشعرية / الظل الأخضر، تلويحة الايدي المتعبة، الدماء تدق النوافذ ، امي تطارد قاتلها ، يألفونك فأنفر ، لا بد من التفاصيل للخوف كل الزمان ، طيران نحو الجنون ، عليك تتكئ الحياة أبداً لبى المنافي ، الليل الذي يسكنني ، وهذا أنا أيضا، لريح ذاكرة ولي، أقبل الزمن المستحيل . قال لي الراحل في آخر لقاء معه أنا أكتب بسرعة وآكل بسرعة وأقرأ بسرعة لأنني أخاف أن أموت ويبقى شيء لم أكتبه.. ممدوح البعيد كل البعد عن كلام المنظرين الذي يتحدثون عن مشاربهم الإبداعية يقول : ببساطة، ليس عندي مشروع. أكتب المادة حين تأتي على بالي، أكتبها قصيدة نثر، رواية، مقالاً، أكتب ما يعنّ على بالي، ومع الأيام أغربل. لكن لم يكن عندي أبداً مشروع. من نوع تلك التي ترمي إلى إنقاذ المسرح العربي!ورغم مرض السرطان الذي أصاب ممدوح بقي يكتب وبسرعة وكأنه يعلم ان ساعة الرحيل قد أزفت " لم أشعر بأنني مريض، والدليل أنني ما زلت أعمل وقدمت في فترة المرض أربعة كتب. لم أتوقف عن شيء. وبالعكس؛ فإن المرض يدفعني لأن ألملم أشياء مبعثرة هنا وهناك لأجمعها في كتب؟ زياد ممدوح عدوان الذي شكر اليوم على تقديمها التعازي بوفاة والده قال إنها مشيئة الله لقد صارع والدي المرض طويلا وكان قويا رغم قوة مرضه (السرطان) ورغم جلسات العلاج الكيمائية بقي قوياً يكتب ويقرأ وكأنه لا يعاني من أي شيء بل كنت أحسه نشيطاً أكثر من قبل. الدكتور محمود السيد وزير الثقافة السوري أكد أن رحيل الكاتب المبدع ممدوح عدوان خسارة وطنية وقومية وإنسانية لأنه يحمل هموم أمته ومجتمعه وأضاف السيد في تصريح ل (اليوم) ممدوح كان يقف إلى جانب المقهورين والمعذبين أنى كانوا في هذا العالم، وأردف قائلاً لقد زرته أكثر من مرة أثناء مرضه والتقيته في باريس أثناء زيارتها للعلاج في كل مرة كنت ألتقيه أجده ذا إرادة قوية صلبة يتمسك بالحياة ويغالب المرض العضال بصبر عزَ نظيره وتجلدٍ قل مثيله ،ولم يكن ليتوقف دقيقة واحدة عن الاستمرار في التأليف والترجمة وإنجاز الأعمال الإبداعية ، وفي كل ذلك كان دوماً يحارب (ويقول النكتة), يقاتل، ينتصر، يخلص للفن ويعلي من شأن السياسة... فليس من عجب اعترافه أن أول آلامه الممضة كانت عندما اشتغل على(السفر برلك) والمشروع الصهيوني، فأدرك حجمه كحركة كونية تريد الهيمنة على العالم، فأعلن حربه عليها, استكمالاً لحروبه على الفساد والتفاهة والكسل.+ +رحل ممدوح وتبقى الأجيال مدينة له نظراً لما قدمه من إنتاج فكري وأدبي راق يمتاز بسمو التوجهات ونبل المقاصد. الكاتب والناشر حسين العودات قال: ماذا يمكن أن يقول المرء عن ممدوح، فقد كان مبدعاً سورياً هاما وعاملا دؤوبا وغزير الإنتاج والالتزام بقضايا وطنه، ولعله من اكثر المبدعين العرب إنتاجا في مختلف صنوف الإبداع الأدبي و في مجال الترجمة أيضا فترجم القصة والرواية والمسرحية وكتب الشعر والمقالات الأدبية والسياسية وشارك بكل طاقاته في الحياة وفي الحراك الاجتماعي. الروائي حنا مينه قال: لقد كان الصديق المرحوم ممدوح عدوان متعدد الكفاءات شاعرا من الطبقة الأولى وناشراً بارعاً وقد ترجم كتباً كثيرة ترجمة دقيقة و رغم أنه مصاب بالسرطان و يعرف أنه سيرحل عن دنيانا مأسوفاُ عليه لا يتأخر أبدا عن العمل وكان يتحدى الموت و يقود سيارته بنفسه ومن المصادفات في حياتي انني بعد المنفى الذي طال ثماني سنوات كان ممدوح عدوان أول من التقاني و بعد ذلك كنا معا حيدر حيدر وعلي الجندي وكل هؤلاء المبدعين الأصدقاء في أول مكتب تنفيذي لاتحاد الكتاب و كنا اللجنة التأسيسية لهذا الاتحاد وكان يقول من الضروري أن يعمل في هذا الاتحاد كل المبدعين و قد عملنا معاً فترات طويلة و كانت العلاقة بيننا متينة.. ممدوح الجريء كان يعرف أن مصيره قد تقرر لذلك كان يكتب ويقرأ ويضحك و لا يبالي بشيء. لكن نعيه جاء ليعصر قلبي وتتحير الدمعة في عيني أسفاً على رحيله. ويختتم الروائي حنا مينه مرثيته بالقول كان ممدوح شاعراً و كاتبا.. إنه منا ولنا فوداعاً أيها الصديق الغالي . محمد عدنان سالم قال: برحيل ممدوح فقدت الأوساط الأدبية العربية أحد أعلامها المرموقين ، لقد كانت له مساهماته البارزة في إضافة نفس جديد للشعر والمسرح الحديث وكانت له ترجمات هامة نقدية وأدبية شارك فيها بالتعريف بالأدب العالمي . الكاتبة الدكتورة هيفاء بيطار قالت: ممدوح عدوان في كل حركته فيها ابتكار.. رجل موهوب يحب الحياة وبالتمتع بكل لحظة يحب سرد النكات وينتقل ببراعة ساحر من موضوع إلى آخر، أدهشني حماسته تلك الصفة النادرة خاصة حين يتقدم الإنسان بالعمر بدا لي كأنه يتذوق العالم ، ولم أستطيع منع نفسي سؤاله كيف يجد الوقت ليكون شاعرا وروائيا ومسرحياً ومدرساً ومترجماً ثم كيف يجد الوقت ليلتقي الأصدقاء ويسمر معهم ، أجابني ضاحكاً : إذا أحببت شيئاً أعطيته وقتك ثم إنني اكتفي بساعات قليلة من النوم بعد الغداء ، في كل مرة التقي فيها المبدع عدوان أدرك أنه عاشق حتى حقيقي للإبداع وبأنه لم يكن يملك الثقافة والموهبة فقط بل يملك الرؤية فهو يتمتع بوضوح ذهني ومحاكمة نادرين ويؤمن بالدور الثوري للثقافة التي وحدها تبني إنسانا صحيح العقل نظيف الوجدان ، كان يدرك عار التبعية فالمثقف لا يجب ان يكون تابعاً الا للإبداع والحقيقة وممدوح عدوان لم يعط ولاءه الا للإبداع ولم يكن مرتهناً لسلطه مهما كانت . وختمت الدكتورة بيطار كلامها بالقول إن الصفة الأجمل في شخصية ممدوح انه كان ممتلئاً بالفرح ولم تكن تلك الكآبة المبتكرة تشع منه كمعظم المثقفين الذين أنهكونا بالاستفاضة بوصف الإحباطات . الشاعر بول شاؤول قال :ومن كان يلتقي ممدوح عدوان، حتى في عز مرضه الذي لا يرحم كان يعرف إن هذا الشاعر والمسرحي والمترجم والناقد والملتزم يقاوم الموت بالكتابة، يقاوم الموت بحس تراجيدي نبيل بالإقبال على الحياة، لم يتخل عن عاداته، ولا فارقت المزحة كلامه. الشاعر شوقي بغدادي : قال لليوم و الدموع في عينيه صعقني الخبر بكل معنى الصقيع العاطفي والاجتماعي كان ممدوح شعلة متوهجة دائماً حتى في مرضه ومن الصعب تخيل الشاعر الثقافي من دون ممدوح.. لا ادري في هذه العجالة كيف أتماسك وأقول كلاما لائقاً بصديقنا ممدوح.. الحزن والغضب واليأس والأمل إن حياتي الآن تمر في خاطري كأنني اقترب من النهاية رحمت الله عليك يا ممدوح وليكن الله في عوننا بعد غيابك وعزاؤنا لك يا الهام ويا زياد ويا مروان. ممدوح السيد حنا مينه تبدو عليه اثار الحزن