الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    الإتحاد يُعلن تفاصيل إصابة عبدالإله العمري    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    جدة تستعد لاستقبال مهرجان "منطقة العجائب" الترفيهي    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    الفرصة لاتزال مهيأة لهطول الأمطار على معظم مناطق المملكة    الثقة به مخاطرة.. «الذكاء الاصطناعي» حين يكون غبياً !    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    رودري يحصد ال«بالون دور» وصدمة بعد خسارة فينيسيوس    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    حديقة ثلجية    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    لصوص الثواني !    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    الأزرق في حضن نيمار    جودة خدمات ورفاهية    أنماط شراء وعادات تسوق تواكب الرقمنة    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    كولر: فترة التوقف فرصة لشفاء المصابين    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    مبادرة لتشجير مراكز إسعاف هيئة الهلال الأحمر السعودي بمحافظة حفر الباطن    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    المريد ماذا يريد؟    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطة "الشرق الأوسط الكبير" لاشعال المنطقة وخدمة إسرائيل
خبراء يشككون بجدية الرئيس بوش في تبني الديمقراطية الحقيقية
نشر في اليوم يوم 19 - 02 - 2004

انتهت الخارجية الأمريكية مؤخرا من اعداد خطة اطلق عليها الشرق الأوسط الأوسع نطاقا' او "الشرق الأوسط الكبير "وذلك بالتعاون مع جهاز الأمن القومي الأمريكي بهدف احداث تغييرات شاملة في منطقة الشرق الأوسط.والجديد في الأمر أن واشنطن لا تريد تنفيذ هذه الخطة بمفردها في المنطقة، وإنما بمساعدة ومشاركة دول الاتحاد الأوربي، حيث طلبت الخارجية الأمريكية من الحلفاء الأوروبيين دراسة هذه الخطة التي تم إبلاغهم بها، وموافاة الإدارة الأمريكية بالملاحظات والتقييمات الأوربية.وحسب المعلومات فإن هذه المرحلة سوف تستغرق أربعة أشهر وذلك تمهيدا للانتهاء من الخطة في صورتها النهائية وإعلانها ، ووفقا للسيناريو الأمريكي فإن هذه الخطة ستكون هي الوحيدة التي سيتم الإعلان عنها رسميا من قبل الرئيس جورج بوش في ولاية جورجيا خلال شهر يونيو المقبل مع انعقاد القمة .ووفقا للخطة الجديدة فإن الحكومات العربية والشرق أوسطية وابتداء من يونيو القادم عليها أن تدرك أن هناك مرحلة جديدة قد بدأت في العمل السياسي، وأن هذه المرحلة تتطلب الاسهام الفعال من جانب هذه الحكومات لمواكبة التغييرات الدولية.وتقول الخطة الأمريكية في هذا الإطار إنه لم يعد مقبولا أن تظل منطقة الشرق الأوسط تعج بأنواع من الحكومات مازالت تمارس أساليب وتأخذ بأدوات لا تتفق مع المضمون الديمقراطي للحكم نهجا وطريقة، ذلك أن الديمقراطية في هذه المنطقة لم تعد تهم حكوماتها وشعوبها فقط، ولكنها تهم الأمن الدولي في مجموعه.
وترى الخطة أن استقراء الأحداث الدولية وما أدي إليه من انتشار الإرهاب على نطاق دولي واسع في أمريكا وأوروبا وغيرها من مناطق العالم يبين أن الإرهابيين' هم مواطنون فقدوا الانتماء لأوطانهم وللأسرة الدولية، وأصبحوا في حالة يأس حقيقية من التكيف السياسي مع أوضاع مجتمعاتهم التي تأخذ بأقسى الاساليب البوليسية، وتفرض رأيا واحدا على جميع من بالداخل دون اتاحة الفرصة للآخرين.
كما تقول الخطة إن الاقليات الدينية والعرقية يشعرون بخطر حقيقي في هذه المنطقة بعد أن داهمتهم الأغلبية وانتزعوا حقوقهم الطبيعية في أن يشاركوا بفعالية في اسهام مجتمعاتهم'.
وترى الخطة أن الفرصة أصبحت مواتية الآن في هذه المنطقة بعد تطورات مهمة مازالت تسير بنجاح ونأمل أن تحقق أهدافها المستقبلية، حيث اختفى النظام العراقي السابق الذي كان يهدد جيرانه، وأصبحت الدول الخليجية العربية أكثر انفتاحا على الديمقراطية، لقد بدأوا خطوات صغيرة إلا أنها مهمة ولابد أن نعمل على تعزيزها في المستقبل.
وتضيف "لقد حدثت ايضا تطورات مهمة في دول الشمال الأفريقي التي تخلصت كثيرا من بعض معوقات الديمقراطية أما ليبيا فقد سجلت التطور الأهم وأصبحت الحكومة الليبية أكثر انفتاحا واقتناعا بأهمية ازالة اسلحة الدمار الشامل ومازال الأمل الأكبر في أن تكون ليبيا عضوا صالحا في المجتمع الدولي خلال السنوات القليلة القادمة.
أما تونس والجزائر والمغرب فمازالوا يتطورون وعلينا أن ندفع هذا التطور باستمرار، كذلك الحال في مصر التي انشأت مؤخرا مجلسا معنيا بحقوق الإنسان، إلا أن أهميتها في الشرق الأوسط ولكونها دولة محورية مهمة في هذه المنطقة فإننا سنراقب عن كثب التطورات القادمة فيما يتعلق بالاصلاح السياسي والاقتصادي والموقف من الإرهاب وعناصره.
الخطة الجديدة لم تحظ بالاهتمام الاعلامى كما يجب الا النذر اليسير منه والذى التفت اليه بعد ان نبه رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري خلال زيارته الأخيرة الى القاهرة ومباحثاته مع الرئيس حسني مبارك الى الطرح الجديد الدي قدمه الرئيس الأميركي جورج بوش وتضمنه تقريره الأخير حول "حالة الاتحاد". وتأتي أهمية هذا التنبيه أنه لم يحظ كذلك بأهمية وسائل الاعلام العربية ولا "المحللين السياسيين"، فقد كان الحريري صريحا حينما قال "ان اخطر ما في المشروع هو ان العرب ليسوا جزءا منه حتى الان"، واشار الى ان هذا الامر ربما سيعلن عنه بشكل نهائي في بداية الصيف المقبل.
اختلاط المفاهيم
يقول محمد عبدالهادي المحلل السياسي ورئيس القسم الدبلوماسي بالاهرام يأتي طرح مشروع الشرق الأوسط الكبير في وقت تعرضت فيه السياسة الأمريكية لضربه موجعة في مصداقيتها بعد ما ثبت عدم صحة ما تردد حول حيازة العراق أسلحة دمار شامل .. وهو الزعم الذي كانت الولايات المتحدة وبريطانيا قد استندتا إليه في شن حربهما على العراق في مارس الماضي ، وشكلت كل من الادارة الأمريكية والحكومة البريطانية لجنتي تحقيق في المعلومات الاستخباراتية التي صنعت تلك الأدلة المزعومة حول امتلاك العراق أسلحة دمار شامل .
من ثم تلقي الشكوك في مصداقية الاتهامات التي وجهت للعراق ( كنموذج ) بظلالها على مبادرات الاصلاح السياسي والديمقراطية في الشرق الأوسط . كما توفر السياستان الأمريكية والبريطانية أسبابا إضافية للشكوك وذلك بطرح قانون الاشتباه الذي يسمح باعتقال أشخاص ربما قد تكون لديهم نيات بارتكاب أعمال إرهابية تظل حتى الآن دون تعريف !
أما وفق المفاهيم الامريكية الجديدة فإن المتهم مدان حتى تثبت براءته ، وعبء الاثبات يقع على المتهم لاثبات أنه متهم مدان !!، فبدلا من تقديم دليل حيازة العراق أسلحة دمار شامل مثلا كان على العراق أن يثبت صدق الأكاذيب الأمريكية البريطانية !! وبمعنى آخر أن يساعد العراق الولايات المتحدة وبريطانيا على ترويج الإتهامات التي ثبت عدم صحتها.
إذن يأتي الحديث عن مبادرات الاصلاح والديمقراطية في وقت تتعرض فيه مفاهيم استقرت في الضمير الإنساني لعملية انقلاب وإحلال مفاهيم عكسية مكانها فالمقاومة المشروعة ضد الاحتلال وانتهاك السيادة يصبح تحريرا ، والحرب عملا إيجابيا والرهينة أسير حرب .. فماذا يعني الاصلاح السياسي والديمقراطية وفق القاموس الجديد؟ !
فضلا عن ذلك فإن الحديث عن الشرق الأوسط الكبير . يثير تساؤلات فحواها تجاهل النزاع العربي الاسرائيلي جذوره وأسبابه ، ويتعامل ضمنيا معه باختزاله وكأنه مشكلة ناجمة عن غياب الديمقراطية !
التغيير تحت المطرقه الحديدية...
من جانبه يقول صلاح الدين حافظ امين عام اتحاد الصحفيين العرب يظل حديث التغيير في المنطقه ، هو الاعلي صوتا والاشد صخبا ، ليس لان نظم المنطقه تريد تغيير جلدها ، ولكن لان المطرقه الحديديه الامريكيه تدق بعنف فوق الرؤوس ، تريد لهذه الرؤوس ان تنحني او تطير ...
وكلما اشتدت الحمله الانتخابيه الرئاسيه الامريكيه هناك ، زاد وقع المطرقه على الرؤوس هنا ، فثمه علاقه واضحه بين الحالتين ، حيث يراهن الرئيس بوش وقادة مطبخه السياسي ، على انهم نجحوا فيما يسمونها حرب الارهاب في الشرق الاوسط على مدى الشهور الاخيره ، وعليهم ان ينجحوا ايضا في حرب التغيير ، حتى يدخلوا انتخابات الرئاسه في نوفمبر المقبل ، وفي اياديهم اكثر من انجاز يدعم فرص نجاحهم..
وبقدر ما يمارس الامريكيون حملات التغيير تحت المطرقه بنجاح ، بعدما مارسموا حملات الغزو والتغيير العسكري من قبل ، في اطمئنان كبير وثقه اكبر ، بحكم الفروق الهائله في موازين القوى ، بقدر ما ينعكس ذلك على النظم العربية الحاكمة ، توترا واضطرابا !!
لقد اوضح الرئيس الامريكي بوش الابن ، السبب في حديثه الاخير عن حالة الاتحاد ، حين ركز على اقامة الشرق الاوسط الكبير الذي تعمل السياسة الامريكية علي تشكيلة وفق مفاهيمها الديمقراطية ومصالحها الاستراتيجيه ، وفي مقابل تأكيده اشاعته مفاهيم الديمقراطيه الامريكية، تجاهل تماما السبب الرئيسي في افتقاد الشرق الاوسط الاستقرار والامن ، ونعني وجود اسرائيل قاعدة للعدوان وبوقا للكراهيه وجلادا دمويا للشعوب ، ذلك ان اسرائيل في سياسته جزء رئيسي من الرسالة الامريكية الهادية ، وليست جزءا من الشرق الاوسط المقلق الدموي الارهابي على حد قول السياسة الامريكية.
موقع اسرائيل في قلب الخريطة السياسية
ويؤكد عاطف الغمري المحلل والخبير السياسى في الشؤون الامريكية حين نعود بانظارنا الي الوراء عشر سنوات ، فسوف نلاحظ خطوطا استراتيجيه قد رسمت ، لما هو مطلوب من اعادة هيكلة الخريطة الاقليمية للشرق الاوسط ، فهل كانت هذه الخطوط مجرد مصادفة ، ام انها تخطيط طويل الاجل ، لمشروع اكبر ، ينتظر الفرصة المناسبة؟ .. مع ملاحظة ان امريكا واسرائيل ، نجدهما معا في المرتين .
ومن البداية ، كانت ترسم الخطوط الاستراتيجيه ، وتصب فيها طاقة الحركة، فمن ناحية اعادت الولايات المتحده تعريف مصطلح الشرق الاوسط ، في لغة التعامل الدبلوماسي في وزاره الخارجية في واشنطن ، وفي ملفات وزارة الدفاع ، ليتسع مدلول الكلمة بحيث يحتوي تحت مظلته منطقة اسيا الوسطي حيث الجمهوريات الاسلامية التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي ، لتكون احتياطيات البترول والغاز الطبيعي الهائلة بها ، بمثابة امتداد لحقول البترول والغاز الغنية في الخليج . ورسمت الخطط والسياسات ، لكي يكون هناك وجود سياسي ودبلوماسي امريكي قوي ، بالاضافه الي الوجود الاقتصادي ، ممثلا في افواج المختصين بالتنقيب عن البترول واستغلاله ، ونقله الى الخارج .
وبعد الفوز بالاعتراف باسرائيل في منطقه الشرق الاوسط ، تقوم بفتح ابواب اسيا امام تعاونها ، وتطوير علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية معها .
وبدأت اسرائيل في تطبيق الجزء من استراتيجيتها الخاص بجمهوريات اسيا الوسطى الاسلاميه ، اعتبارا من عام 1992، ففي اغسطس من العام نفسه ، تقدمت اسرائيل والولايات المتحده معا ، بمجموعى من المشروعات المشتركة، بتمويل امريكا ، وبتقديم اسرائيل الخبرة ، والتكنولوجيا . وتابعت اسرائيل من جانبها توسيع وتطوير تعاونها مع هذه الجمهوريات في مختلف المجالات ، والهدف من البدايه ان تجد لنفسها مجال نفوذ في جمهوريات اسيا الوسطي الاسلامية، وفي ركن مهم وفسيح من الشرق الاوسط الكبير حسب المصطلح الجديد والمعدل .
مشاركة أوروبية
ويقول د.محمد منصور رئيس مركز بحوث المستقبل بجامعة اسيوط: ان وزراء دفاع الاطلسى الذين سيجتمعون هذا الاسبوع في ميونيخ، سيجدون أمام طاولتهم ملفا ثخينا لكنه يتضمن فكرة يتيمة: المشروع الامريكي لإعادة بناء الشرق الاوسط الكبير.
وكما هو معروف، فقد اعلن الرئيس الامريكي بوش عن هذا المشروع العام الماضي، وضمنه الدعوة الى "نشر الديمقراطية والامن من المغرب الى أفغانستان" (إن لم يكن أيضا الى باكستان والهند).
لكن هل أوروبا حقا في وارد الانضمام الى امريكا في مشروعها الطموح هذا، الذي يقارنه البعض بمشروعي مارشال في اوروبا وماك آرثر في اليابان، غداة الحرب العالمية الثانية؟
ويؤكد انه لا أحد، لا في الغرب الاوروبي القديم ولا في الغرب الامريكي الجديد، يشك بأن لأوروبا مصلحة استراتيجية عليا في نجاح مشروع الشرق الاوسط الكبير.
الشرق الاوسط الديمقراطي، والمزدهر، والآمن، سيكون بطاقة تأمين حقيقية لتحول أوروبا الى دولة عظمى مكتملة النمو، خاصة إذا ما تم دمج هذه المنطقة الحيوية بالعولمة الرأسمالية عبر البوابة الاوروبية.
والشرق الاوسط الديكتاتوري، والفقير، والمتفجر، سيجعل المصير الاوروبي نفسه غير مستقر، ليس فقط بسبب الخطر الارهابي وأسلحة الدمار الشامل والصواريخ العابرة للقارات، بل أيضا بسبب الزحف الديمغرافي العربي والاسلامي الذي يمكن أن يغير كل التركيبة السكانية الاوروبية، فالاوروبيون يشكون، بأن الولايات المتحدة ليست جادة في مشروعها الديمقراطي. ولو انها كانت كذلك، لسارعت قبل أي شيء آخر الى إغلاق ملف الصراع الفلسطيني- "الاسرائيلي" الذي من دونه لا استقرار ولا أمن في المنطقة.
والاوروبيون يشكون، بأن هدف واشنطن الحقيقي هو احتلال الشرق الاوسط الكبير لا تحريره. والسبب أكثر من معروف: السيطرة المطلقة على نفطه، قبل تحول هذا الاخير من سلعة وافرة الى عملة نادرة خلال عقد او عقدين من الآن.
والاهم ان الاوروبيين يشكون، بأن المشروع الامريكي، هو في حقيقته مخطط كبير لتحويل الحديقة الجغرافية الخلفية لأوروبا الى حديقة عسكرية سياسية امريكية متقدمة تحيط بها من كل جانب، وتحاصرها من كل ناحية.
هذه، إذاً، بعض الاسباب الحقيقية التي تدفع الاوروبيين الى رفض التهام الطعم الديمقراطي الشهي على سنارة مشروع الشرق الاوسط الكبير. ان مصطلح "الشرق الأوسط الكبير" يشغل في ذات الوقت ثلاث مهام: توحيد الاستراتيجية الأميركية، تبسيط مشاكل المنطقة، الانزياح بالنسبة للنزاع الإسرائيلي-الفلسطيني. ويظهر مصطلح "الشرق الأوسط الكبير" في الواقع في الخطاب الأميركي على نفس شاكلة الشعار الثلاثي الاستراتيجي الذي رفع قبل حرب العراق: الإرهاب، وأسلحة الدمار الشامل، الطغيان. ومن البديهي والحالة هذه ان التركيز على النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني سيعرف نهايته من خلال هذا المفهوم الجديد بالنسبة للسياسة الأميركية فقط ولكن حتى بالنسبة لتعريف العناصر المشكلة لاستراتيجيات المنطقة، وستصبح الديمقراطية والاصلاحات واعادة الاعمار والحرب ضد الإرهاب عناصر شمولية فوق ارض موحدة بشكل مصطنع مما يتيح إقامة جدران حقيقية وإزاحة الصبغة السياسية وباسم الكفاح من اجل الديمقراطية على مجموع نزاعات المنطقة. وفي حالة التطبيق فان العراق سيصبح مركز الثقل بالنسبة لمجموع "الشرق الأوسط الكبير" على حساب النزاع الإسرائيلي الفلسطيني ولكن وان كنا نعتقد أن لا بنظرية الدومينو الديمقراطي المناقضة بمخاطر عدم الاستقرار انطلاقا من العراق أيضا.
فوهات المدافع
وقال الدكتور ابو طالب ان فكرة فرض الديمقراطيات على فوهات المدافع والدبابات مرفوضة بعد ان اثبتت التجارب فشلها، وان نموذج الديمقراطية الغربي لا تصلح للتطبيق في مجتمعاتنا العربية واذا نجحت الادارة الامريكية في الزام القيادات الغربية بقبول الفكرة الا انه على ارض الواقع لن يتم تطبيقها وتظل مجرد واجهة شكلية.
واوضح الدكتور ابو طالب ان استراتيجية الغزو الفكري والثقافي الغربي اختلفت عما كانت عليه سابقاً عندما ظلت تعتمد على المستشرقين من الاجانب الذين لا يفهمون العقليات العربية والاسلامية وكل حظهم اجادة قراءة اللغة العربية واستخدامها في تفسير التاريخ وفقاً لاهوائهم ونشر الفكر الغربي بالطريقة التي يريدونها التزاماً برؤية الغرب وقد نجحوا في تحقيق ذلك واصبحت الدول العربية تضم خليطاً حضارياً وثقافياً من الغرب والاسلام.
واضاف الدكتور ابو طالب ان الادارة الامريكية الان تسعى لفرض الثقافة والحضارة الغربية على مجتمعاتنا العربية من خلال القوة او المال وقد يستطيعون فرض ذلك على بعض الحكومات اما رجل الشارع العربي والمسلم فلا سبيل للتصالح بينه وبين الغرب الا بعد ان يكون هناك حل عادل للقضية يرضى عنه المسلمون والعرب.
ومن جانبه قال اللواء فؤاد علام رئيس جهاز امن الدولة المصري سابقاً: ان مبادرة بوش بالدعوة لنشر الديمقراطية في المنطقة العربية ترمي بالدرجة الاولى الى فرض مبادئ معينة من ديمقراطية المصالح الامريكية التي تحقق لها الهيمنة على مناطق الشرق الاوسط الزاخر بالنفط ليس للانفراد باستيراده بل لاستخدامه كأداة لتطويع مواقف القوى الدولية الاخرى التي تفكر في منافسة الولايات المتحدة الامريكية.
واشار اللواء علام الى عدم ايمانه بمبادئ الديمقراطية المعلنة من الخارج لتفرض على الشعوب خصوصاً وان الولايات المتحدة الامريكية هي التي تتبناها في وقت انحرفت فيه ادارة حكمها عن تطبيق هذه المبادئ داخلياً ودولياً واصدق دليل على ذلك انتهاكاتها المستمرة لحقوق الانسان في افغانستان والعراق وصولاً الى صمتها بل ومباركتها لكافة الانتهاكات الاسرائيلية لحقوق الشعب الفلسطيني واحتلالها للاراضي العربية.
واوضح ان السياسة الامريكية في المنطقة العربية تعتمد على شبكة من العملاء في شكل شركات ومراكز علمية وبحثية ونشطاء مأجورين، بل وصل الامر الى حد خضوع بعض الحكام لرغبات الادارات الامريكية وان كانت الفترة الاخيرة شهدت بعض المحاولات من الانظمة الحاكمة العربية عملت على التوفيق بين رغبات شعوبها في رفض الهيمنة الامريكية وارضاء السياسات الامريكية.
واضاف اللواء علام انه في الوقت الذي يعتقد فيه ان الشعوب العربية في طريقها الى اليقظة ورفض الخضوع والاستسلام لاي محاولات هيمنة خارجية، مشيراً الى عدم ثقته في المقابل على قدرة الانظمة العربية في اعلان رفضها صراحة لاي اطروحات امريكية لتبقى ارادة الشعوب العربية هي الامل في الحيلولة دون فرض ارادة الاخر عليها.
الدكتور حسن نافعة استاذ ورئيس قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة يرى ان هذا المشروع قديم جديد يتجدد كل مرة في الفكر السياسي الامريكي سواء على مستوى المفكرين او على مستوى واضعي الخطط والاستراتيجيين السياسيين وهي ليست وليدة اللحظة ولكنها منذ بدء احداث 11 سبتمبر وهم يريدون تغيير مناهج التعليم واساليب العمل السياسي الداخلي واظن ان الولايات المتحدة وخصوصاً بعض المفكرين من المحافظين الجدد يرون بعدما حدث للعراق ان المسألة باتت ممكنة ، ومطلوب اغراق النظام العربي في اقليم اوسع منه يسمى اقليم شرق اوسطي تدخل فيه كل من اسرائيل وايران وتركيا وباكستان وافغانستان وفي هذه الحالة تصبح اسرائيل هي الوكيل الوحيد للولايات المتحدة وتؤقلم نفسها على الرؤية الامريكية للمنطقة وتستعين بالادوار المختلفة للاطراف الاخرى حسب نوع العلاقة معها. وستصبح الدولة التالية في الاهمية بعد اسرائيل هي تركيا وامريكا مهتمة بتركيا الان باعتبار انها دولة علمانية فالولايات المتحدة ترى ان التطرف الاسلامي او ان الاصولية الاسلامية هي التي ادت الى ضربها في سبتمبر فهي تريد القضاء على التطرف الديني وتعتقد ان تركيا يمكن ان تكون هي الدولة المرشحة لهذا وذلك في ظل قصور وتجزئة العالم العربي والذي لن تقوم له قائمة طالما استمرت الاوضاع على ما هي عليه، والولايات المتحدة اتت على العراق لتبقى فترة طويلة جداً الى ان ينتبه العالم العربي الى ان الخطر يهدده جميعاً وتصبح لديه رؤية اخرى للتعامل مع الولايات المتحدة والتعامل مع العالم، وبالتالي فالعالم العربي محصور تحت هذا الضغط. ويؤكد الدكتور رفعت سيد احمد استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ومدير مركز يافا للدراسات والابحاث ان هذه المبادرة تمثل خطراً على الدول العربية وعلى الانظمة الحالية ككل دون استثناء وبالدرجة الاولى تمثل خطراً على القضية الفلسطينية لانها تتحدث عن الاصلاح دون ان تذكر الصراع العربي الصهيوني فالبنود الرئيسية للمبادرة تتحدث عن تغيير الانظمة وبناء مجتمع معرفي وتوسيع الفرص الاقتصادية بما يخدم المصالح الامريكية لكن لم تقترب هذه الوثيقة من قضية الصراع العربي الصهيوني وبالتالي هي اذا وثيقة لصالح اسرائيل ولصالح المشروع الاسرائيلي في الاساس وعلينا ان ننتبه الى هذا الخطر.
من جانبه قال السفير احمد ابو الخير.. مساعد وزير الخارجية المصري السابق ان مكونات مشروع الشرق الاوسط الكبير تنحصر في ان المنطقة تحتاج الى الديمقراطية لان النظم الحاكمة تفتقد للحرية والاستقرار باعتبارها لم تستجب للمعايير الامريكية في اسلوب الحكم الانتخابي والالتزام بمبادئ حقوق الانسان بالاضافة لعدم تعاونها بالقدر الكافي في الحملة الدولية لمواجهة الارهاب.
ويضيف إن المشروع الجديد يهدف في الاساس لاصلاحات سياسية وتعليمية خاصة فصل الدين عن الدولة وتنفيذ مناهج التربية الدينية واستبعاد الايات القرآنية التي تتحدث عن العقاب والجهاد. ويعتبر السفير ابو الخير هذا تدخلا سافرا في الشئون الداخلية لدول المنطقة وهو ما نرفضه جميعاً ويشير الى ان االاصلاحات التي ينادي بها المشروع وادارة الرئيس الامريكي بوش ليست جديدة.
ويطالب بتحالف الشعوب مع الانظمة الحاكمة لمواجهة التحديات الجديدة وذلك باقامة انتخابات حرة مباشرة وازالة القوانين المقيدة للحريات واعادة بناء الثقة في النظم الحاكمة التي فقدت مصداقيتها ويحذر من تغيرات ارضاء للرئيس الامريكي بوش وليس استجابة للشعوب حتى لا تتحول المنطقة لفوضى. ويؤكد الدكتور محمود فرج مساعد وزير الخارجية المصري ان السياسة الامريكية لم تكن مفاجئة فالادبيات والصحافة الامريكية تتحدث عن هذا المشروع منذ اكثر من عشرين عاماً وتحديداً منذ اعلان الرئيس الامريكي الاسبق رونالد ريجان انطلاق حرب الكواكب في الحرب الباردة مع بداية الثمانينات مشيراً الى ان المشروع يهدف الى ترسيخ الهيمنة الامريكية على العالم خاصة منطقة الوطن العربي، ابتداء من المغرب حتى حدود الصين او ما يعرف باوروسيا والذي تسعى فيدروسيا لاعادة ما يعرف بطريق الحرير والذي يربط بين اسيا واروبا.
ويؤكد د. فرج ان احتلال الولايات المتحدة لافغانستان اواخر عام 2001 والعراق في ابريل الماضي ما هو الا بداية لاحياء الشرق الاوسط القديم مجدداً، مشيراً الى ان الرئيس الامريكي بوش عرض هذا المشروع على القادة الاتراك بعد ان تم طرحه من قبل في عهد الرئيس الامريكي السابق بيل كلينتون من خلال وزير خارجيته وارين كريستوفر باحتلال ايران واعادة قراءة المنطقة من جديد بعد انتهاء الحرب الباردة.
من جانبه يؤكد اللواء سليم بان هذا المشروع يأتي في اطار الاستراتيجية الكونية الامريكية للسيطرة على العالم اطول فترة ممكنة والذي ترى في هذا المشروع الجديد تدعيماً لاهدافها بما يشمل حدود الشرق الاوسطية القديمة والدول الاسلامية في اسيا الوسطى واندونيسيا وجنوب الصحراء وارتيريا واثيوبيا. ويشير اللواء سليم الى ان الدول العربية لها خصوصيتها ويصعب ادماجها حتى مع الدول الاسلامية محذراً بأن الثقافة الامريكية الجديدة التي يمكن ان ننجح في تغير هذه الخصوصية بالقياس على نجاح الثقافة الفرنسية في دول شمال وغرب افريقيا حتى الان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.