عزيزي رئيس التحرير منذ أن جرت الأموال في يديه وأمسك بزمامها أصبح ينسى رفاق الطفولة، وأبناء العمومة والجيران، وزملاء الدراسة، ينسى المواعيد التي يحددها لمقابلة ذوي الحاجة وبسطاء الناس، وإذا ما سمع كلمة عتاب لطيفة ينفخ صدره ويكرر قائلا: وقتي ليس ملكي.. مهماتي صعبة، وأعبائي كبيرة، وهو يتباهى بنسيانه.. فقد قرأ مرة أن الرجال العظام ينسون الأمور الصغيرة لانشغالهم بما هو أهم وأعظم، لذلك كان ينسى أو يتناسى قاصدا، فهذه أصول اللعبة التي تناسب منصبه الجديد، فلم يكن مصابا بداء النسيان، وإنما أصيب بداء آخر، فما هذا الداء؟ الإنسان في عصر سيطرة قيم الاستهلاك والعلاقات المادية أصبح محكوما بغربته وعزلته، في عصر يجبر الكل ويدفعهم للاستمرار في خيار اللهاث والسرعة وراء كل تفاصيل الحياة مهمها وتافهها جميلها وسيئها.. أصبح الجميع مقتنعين تماما بأنهم يعيشون في زمن السرعة، فإذا لم يركضوا فإنهم يرتكبون حماقة البقاء في آخر الطابور، وربما وجدوا انفسهم يوما خارج البوابات. فالكل يركض بلا نظام وبلا تحديد دقيق لما يريد، وربما لأنه يريد كل شيء دفعة واحدة، وفي حالة الركض هذه، فعلا، لم يعد لدى الإنسان وقت ليجلس مع أصدقائه مع أهله مع نفسه، وإذا كان هناك من علاقات وصداقة فهي أمور نسبية. وكمثال (لنسبية الصداقة) تجد صديقين لا يفارق أحدهما الآخر، وفجأة بدون سابق إنذار لا يزور أحدهما الآخر مع ان مكان سكنهما قريب، وتستمر القطيعة والبعد لفترة تمتد سنوات فلا يتزاوران حتى في المناسبات او الاعياد الا اذا التقى به صدفة في سوق او شارع.. يتم تبادل السلام مجردا حتى من التصافح. اعتقد ان اكثر الناس ادراكا لنسبية الصداقة من كان ذا منصب وجاه وفجأة اصبح معدما فقيرا، يدرك كيف كان في حالة الثراء محفوفا بالاصدقاء يتوددون له ويتقربون منه، ذاك يقيم الولائم له وآخر يشتري رضاه بالآلاف المؤلفة، وآخر يهديه سيارة. وفجأة يعلن افلاسه فيشح عليه الاصدقاء باقل القليل حتى بالتافه بل يجابه بالتنكر له ومجافاته والتجهم في وجهه. فهل اصبحت الصداقة مثلها مثل بضائع المراكز الغذائية تشترى بثمن ولها تاريخ صلاحية؟! واذا كانت الصداقة كذلك فهل من حقنا ان نغضب حين تستهلك الصداقة عمرها الافتراضي؟! لقد اصبحت الصداقة الحقيقية شيئا خرافيا اسطوريا يثير الهزء والسخرية! @@ فؤاد احمد البراهيم