أكد اللواء ابراهيم السعدون الخبير الاستراتيجي ومستشار مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية ان حرب الخليج الثانية افرزت اوضاعاً جديدة في المنطقة نجمت عنها تحديات وتهديدات لدول المنطقة ككل وادى ذلك إلى محاولة واشنطن فرض نظام على المنطقة. ويحاول تحقيق الامن فيها ولذا فمسألة التخلص من نظام صدام حسين اصبحت مسألة مصيرية للادارة الامريكية. وحول مستقبل النظام العراقي خاصة المستقبل السياسي قال اللواء السعدون ان النظام سيهوي بلا شك ولكن توقيت السقوط مرتبط بعناصر عدة لعل اهمها موقف الفصائل العراقية الداخلية من نظام صدام وفيما يلي نص الحوار: @ في ظل الحرب القائمة إلى أي مدى ترون قدرة النظام العراقي على الصمود في وجه هذه الهجمات وما مدى هذه الحرب؟ وما مستقبل نظام صدام وهل احتمالات هروبه قائمة؟ * هناك عوامل عديدة مؤثرة في مستقبل النظام السياسي والدولة في العراق.. وهي كما يلي: بداية ازمة الحكم وازمة المعارضة لا شك في ان ازمة الحكم والمعارضة تمثل محدداً رئيسياً لمستقبل النظام السياسي والدولة في العراق واذا كان نظام صدام حسين قد استطاع الاستمرار في السلطة حتى الآن فان ذلك يرجع إلى اسباب عدة من بينها اعتماده المكثف على الاجهزة الامنية والقمعية في تأمين استمراره من ناحية وعدم قدرة المعارضة العراقية على اطاحته من ناحية ثانية فضلاً عن بعض العوامل الاقليمية التي اسهمت في ذلك وتتجلى ابرز مظاهر ازمة النظام في محدودية قاعدته السياسية والاجتماعية التي تقتصر على نجلي الرئيس العراقي قصي وعدي ونخبة ضيقة من ابناء التكريت الذين يشغلون المناصب الرئيسية في الجيش والمؤسسات الامنية بصفة خاصة وبالتالي فهو نظام يتسم بالشخصانية إلى حد كبير كما ان اجهزة ومؤسسات النظام بما فيها الجيش والحزب والبيروقراطية قد تعرضت للتآكل خلال سنوات التسعينات مما ادى إلى اضعافها وتقليص فاعليتها وان لم يؤد ذلك إلى انهيارها. اضف إلى هذا أن النظام العراقي لا يفرض سيطرته على جميع اراضي الدولة العراقية حيث انشأت الولاياتالمتحدة بالتنسيق مع بريطانيا في اعقاب انتفاضة مارس 1991 منطقتين امنيتين تتمتعان بالحماية تقع الاولى إلى الشمال من خط عرض 32 وهي منطقة الجنوب ذات الاكثرية الشيعية.. ناهيك عن ان النظام العراقي ظل منبوذاً اقليمياً ودولياً لسنوات طويلة وعلى الرغم من الازمة البنيوية التي يعانيها الا انه تمكن من الاستمرار حتى الآن حيث ان المعارضة لم تنجح في طرح نفسها كبديل له خاصة وان كثرة الانقسامات والصراعات في صفوفها اثارت الكثير من المخاوف والهواجس لدى عديد من الاطراف الاقليمية والدولية المعنية بمستقبل العراق ما بعد نظام صدام حسين لسبب او لآخر دون ان يكون هناك بديل سياسي واضح او دون ان تتفق فصائل المعارضة على الترتيبات السياسية لتلك المرحلة الامر الذي يخشى معه ان تنشأ حالة من الفراغ السياسي يصبح العراق معها فريسة لحرب اهلية طاحنة على غرار حالتي الصومال وافغانستان. @ مع الاحتمالات المؤكدة بهزيمة نظام صدام حسين كيف ترون المستقبل السياسي للعراق هل هو معرض للانقسام هل تتحول العراق إلى صومال جديدة وماذا عن موقف الشيعة والاكراد من خريطة العراق الجديدة؟ * لا شك انه يصعب الحديث عن مستقبل النظام السياسي والدولة في العراق دون التعرف على موقف كل من الشيعة والاكراد في المسألتين وترجع اهمية هذا الامر إلى اعتبارات عدة يرتبط اولها بحجم الشيعة والاكراد معاً في التركيبة السكانية للعراق فالشيعة يمثلون 55% إلى 60% من اجمالي عدد السكان ويمثل الاكراد حوالي 25% وبهذا المعنى فان الشيعة والاكراد يشكلون معاً نحو 80% من سكان العراق ويرتبط ثانيها بخبرة كل من الشيعة والاكراد في التعامل مع نظام الرئيس صدام حسين حيث ان لكل منهما مشكلة معقدة ومتعددة الابعاد مع النظام العراقي الذي دأب على استخدام القوة كوسيلة اساسية في التعامل. والاكراد اقلية عراقية لها تمايزها الثقافي واللغوي وتطمح إلى التمتع بحكم ذاتي حقيقي كحد ادنى وقد خاضت الحركة الكردية مواجهات ضد النظام العراقي تلقت من خلالها الكثير من الضربات الموجعة بما في ذلك استخدام الاسلحة الكيماوية ضدها اما الشيعة فقد تعرضوا بصفة عامة إلى عملية تهميش سياسياً واقتصادياً ولذا فان هدفهم الرئيسي هو الحصول على نصيب عادل من الثروة والسلطة يعكس وزنهم العددي في المجتمع وقد اعتمد النظام العراقي في تعامله مع الشيعة على مزيج من سياسات القمع ومحاولات الاستمالة. @ كيف ترون الدور الذي يمكن ان تلعبه الاطراف الدولية والاقليمية في الضغط على الجماعات العراقية المختلفة لتدخل في رسم خريطة العراق مستقبلاً خاصة ايرانوتركياوالولاياتالمتحدة؟ * لا شك ان هناك اطرافا اقليمية ودولية ستساهم في التأثير في الشأن العراقي من خلال البوابة الكردية والشيعية فهناك اطراف خارجية اقليمية ودولية مثل ايران واسرائيل وبريطانياوالولاياتالمتحدةالامريكية قدمت دعماً للاكراد في فترات مختلفة خلال مواجهاتهم المسلحة مع الحكم في بغداد وفي هذا الاطار غالباً ما دفع الاكراد ثمن تعاونهم مع قوى خارجية ضد النظام العراقي عندما كانت هذه القوى تتخلى عنهم مثلما فعلت ايران عندما اوقفت دعمها للاكراد في أعقاب توقيع اتفاقية الجزائر مع العراق عام 1975 مما سمح للنظام العراقي بوضع حد للتمرد الكردي: ويمكن القول انه على الرغم من ميراث العداء بين الاكراد ونظام صدام حسين فان الحركة الكردية تبدو في الوقت الراهن متأرجحة بين الحكم والمعارضة فهي تقف في صف معارضة نظام الرئيس العراقي ولكنها متوجسة ومترددة في تقديم تسهيلات للمعارضة العراقية للقيام بعمليات عسكرية في المناطق الكردية خشية ان يدفع الاكراد ثمن ذلك غالياً في حال فشل المعارضة في الاطاحة بالنظام ويعتبر ذلك من بين الاسباب التي تحد من قدرة المعارضة على تحدي النظام العراقي. @ هناك مؤشرات قوية إلى تطلع الاكراد لتكوين دولة مستقلة كيف تنظرون إلى التطلع الكردي هذا؟ * بالنسبة لموقف الاكراد من وحدة الدولة العراقية فثمة مؤشرات تدل على ان الاتجاه الغالب لدى الاكراد وهو التطلع إلى التمتع بحكم ذاتي حقيقي في اطار عراق موحد او في اطار فيدرالي عراقي. وجدير بالذكر ان هذا التوجه العام لدى الاكراد بشأن عدم الانفصال عن العراق يعود إلى اعتبارات عديدة منها التحسب لرد فعل بغداد الحالي والمستقبلي تجاه انفصال المناطق الكردية اضف إلى ذلك فان المشكلة الكردية معقدة ومتشعبة اقليمياً حيث ترتبط بالسياسات الداخلية لكل من تركياوايران ومن المؤكد ان الدولتين ترفضان قيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق لان ذلك ستكون له تداعياته على المشكلة الكردية داخلهما. كما ان هناك اتجاهاً اقليمياً ودولياً وبارزاً يؤكد على وحدة العراق وسلامة اراضيه وهو ما يعني ان التوازنات الاقليمية والدولية الراهنة غير مواتية لقيام دولة كردية مستقلة في شمال العراق.. اما بالنسبة للشيعة فهم يرفضون فكرة تقسيم العراق لانهم يعتبرون انفسهم العراق على حد تعبير احد الباحثين وبالتالي لا يمكن ان يفكروا في الانسلاخ عن الجسد العراقي ولذا فان مسعاهم الاساسي هو الخروج من دائرة التهميش التي فرضها عليهم نظام صدام حسين إلى دائرة مركز السلطة والحكم. @ هل تعتقدون بعد التدمير الفعلي الذي سيتعرض له العراق ان تقوم له قائمة مرة اخرى ام ان الوقت سيستغرقه في بناء ذاته بعيداً عن تهديد جيرانه كما في السابق؟ * اذا كانت عاصفة الصحراء قد دمرت جانباً كبيراً من القدرات العسكرية والبنية التحتية للدولة العراقية فان العقوبات القاسية التي فرضت على العراق في مرحلة ما بعد الحرب تكلفت بتدمير ما تبقى من قدرات الدولة والمجتمع وتقليص بعضها إلى حدود دنيا وبالاضافة إلى حجم التدمير الذي لحق بالقدرة العسكرية للعراق والاضرار التي لحقت بقوته البشرية فان القدرة الاقتصادية للدولة تراجعت إلى حد كبير كما شهد عقد التسعينيات تآكل الهياكل المؤسسية والتنظيمية للدولة العراقية فالجيش وغيره من الاجهزة والمؤسسات الامنية اصابها الكثير من الوهن والضعف كما تعرض حزب البعث للتآكل بخاصة في ظل تنامي ظاهرة انصراف بعض الكوادر الحزبية عنه واتساع دائرة عمليات الطرد والتصفية في صفوفه. وثمة قضية هامة تسترعي الانتباه عند الحديث عن مستقبل النظام السياسي والدولة في العراق وهي تتعلق بمسألة الهوية باعتبارها عنصراً رئيسياً في تكريس وتحذير مفهوم الدولة وبشيء من الايجاز يمكن القول ان الهوية الوطنية للدولة العراقية تعرضت للضعف نتيجة عوامل عدة اهمها غياب رموز الدولة وسلطاتها المركزية في منطقتي الحظر اللتين تشملان الاكراد والشيعة في شمال العراق وجنوبه اضف إلى ذلك ان تلاعب النظام العراق بمقومات الهوية لاعتبارات وحسابات برجماتية ادى إلى ايجاد حالة من التشتت واضعاف الروابط التي تشكل قواسم مشتركة بين العراقيين. @ إلى أي مدى ترون رد الفعل العربي على احتمالات تفتت العراق وانفصال اقاليمه؟ * تعتبر مواقف وسياسات الدول الاقليمية العربية وغير العربية تجاه المسألة العراقية من المحددات الهامة لمستقبل النظام السياسي والدولة في العراق وتشير هنا إلى مواقف عدد من الدول اهمها السعودية ومصر ورغم التفاوت في مواقف وسياسات هذه الدول تجاه النظام العراقي الا انها رفضت وترفض مبدأ تغيير النظام العراقي بالقوة من الخارج. ومن ناحية اخرى تؤكد هذه الدول الاقليمية الرئيسية من منطلقات وحسابات مختلفة ضرورة الحفاظ على الوحدة الاقليمية للعراق وسلامة اراضيه وهو امر مهم من منظور مستقبل الدولة العراقية. وثمة اعتبارات عدة تحكم مواقف القوى الاقليمية بهذا الخصوص حيث ترفض كل من تركياوايران قيام دولة كردية مستقل في شمال العراق لما يمثله ذلك من تأثيرات سلبية على المشكلة الكردية بين البلدين اما الدول العربية فترة ان تفتيت العراق سيمثل مصدراً لعدم الاستقرار الاقليمية وبخاصة في منطقة الخليج كما انه قد يشكل سابقة في المنطقة خاصة ان هناك دولاً عربية عدة تعاني هشاشة اوضاعها الداخلية. اضف إلى ذلك ان استمرار نظام صدام حسين في السلطة لم يمنع بعض الدول العربية من استئناف علاقاتها مع بغداد سواء على الصعيد الدبلوماسي او على الصعيدين التجاري والاقتصادي.