أصابت مشاهد القصف الأميركي الذي استهدف الجماعة الإسلامية وجماعة أنصار الإسلام الكرديتين وقتل فيها قبل ساعات قليلة مضت حوالي 57 عراقيا، الكثير من الشفقة والعديد من التساؤلات.. لماذا تستهدف الولاياتالمتحدة هذه الجماعات؟ من هم أنصار الإسلام والجماعة الإسلامية؟ كيف نشأت الجماعات الإسلامية المسلحة في كردستان العراق وكيف تطورت؟ ما هو منهجها الفكري وهيكلها التنظيمي؟ ولماذا تحاربها واشنطن؟ هذا التقرير يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال مصادر هذه الجماعات نفسها وبالأخص حديث زعيم جماعة أنصار الإسلام الشيخ فاتح كريكار والذي ألقاه في جمع من أتباعه يوم 23/2/2003. البيئة الإسلامية في المناطق الكردية المناطق الكردية في شمالي العراق شأنها شأن العديد من مناطق العالم الإسلامي التي تأثرت بإعلان مصطفى كمال أتاتورك في تركيا إلغاء الخلافة الإسلامية عام 1924، ومن ثم جاء رد الفعل من قبل العديد من المصلحين بالعمل على تكوين جماعات إسلامية مختلفة. وكان حظ المناطق الكردية منها على النحو التالي: 1952: أول وجود للإسلام الحركي في المناطق الكردية على يد جماعة الإخوان المسلمين. 1971: حل تنظيم الإخوان المسلمين هناك. 1978: ظهور التيار الجهادي الذي يؤمن بالحلول بالقوة. 1980: تكوين أول مجموعة إسلامية مسلحة في جبال كردستان حملت اسم الجيش الإسلامي الكردستاني. 1985: تكوين ما عرف باسم الرابطة الإسلامية الجهادية التي تعتبر النواة الأولى لتكوين الحركة الإسلامية الحالية. 1987: تأسيس الحركة الإسلامية في كردستان العراق. وكانت الحركة الإسلامية هذه هي الواجهة الأولى التي انضوى تحت لوائها العديد من الجماعات الأخرى وخرج منها أيضا العديد من الفصائل المختلفة. وبذلك أصبح الواقع السياسي في المناطق الكردية منقسما بين تيار إسلامي فيه اتجاهات ومشارب مختلفة، وتيار علماني يتكون من سبعة أحزاب مختلفة أهمها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني. تأثير أحداث حلبجة ساعدت أحداث حلبجة التي استعملت فيها الحكومة العراقية الغازات السامة في مواجهتها العسكرية مع العديد من الفصائل الكردية على هجرة كردية كبيرة تجاه إيران، وكانت هذه الهجرة وتلك الملاجئ تربة خصبة لنمو التيارات العنيفة التي انبثقت منها جماعة أنصار الإسلام كما سيتضح بعد قليل. المخيمات الكردية في إيران شهدت المخيمات الكردية في إيران بروز اتجاهات فكرية متعددة، فقد حاولت الحكومة الإيرانية تكوين مجموعات شبابية كردية تحمل توجهات الثورة الإسلامية وتنشط في الترويج لأفكار الخميني، في مقابل ذلك برزت الأفكار العنيفة التي حاولت تحجيم مد الأفكار الإيرانية الشيعية وسط اللاجئين الأكراد العودة وبداية مرحلة جديدة وبعد توقف الحرب العراقيةالإيرانية عام 1988 حاولت السلطات الإيرانية تضييق الخناق على هذا التيار، وفي عامي 1990/1991 بعد حرب الخليج الثانية وبعد انتفاضة الأكراد التي قمعتها الحكومة المركزية العراقية عاد الشباب إلى مناطقهم في كردستان. وبهذه العودة بدأت مرحلة جديدة في مجتمع الإسلام الحركي الكردي. تمايز التيارات الفكرية بين عامي 1992-1998 تمايزت بصورة واضحة عدة تيارات داخل الحركة الإسلامية الأم في المناطق الكردية، بعض هذه التيارات كانت له ميول إيرانية وبعضها الآخر كان قريبا في منهجه الفكري. حاول التيار الجهادي السلفي أن يتكتل ويعمل على عدم صعود أولئك القريبين من إيران في توجهاتهم الفكرية إلى مراكز القيادة داخل الحركة الإسلامية الأم، وبخاصة في الانتخابات التي تمت في أعوام 1994، 1997، 1998، 2000،...إلخ. في صفوف الحركة الإسلامية اشتد الصراع بين إيران ومن يحملون الأفكار الجهادية داخل الحركة الإسلامية، وبدأت طهران في استمالة طرف على حساب آخر ، بحسب رأي المعارضين للنشاط الإيراني في الوسط الكردي. وكان من أهم من وطدت علاقتها بهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال الطالباني وبعض زعامات الحركة الإسلامية وعلى رأسهم على بابير. كان التيار الجهادي يعمل تحت مظلة كبيرة هي الحركة الإسلامية، واستطاع أن يلفت الأنظار إليه بعدة وسائل: إنشاء محطتين تلفزيونيتين مستقلتين في أربيل والسليمانية. إصدار مجلة دينية. تكوين بعض المواقع على الإنترنت. بناء جامع كبير يسع عشرة آلاف مصل في السليمانية. بهذه الوسائل استطاعوا اجتذاب أعداد من الشباب وفي الوقت نفسه لفتوا أنظار خصومهم إليهم بقوة، ونجح هؤلاء الخصوم بالفعل وبخاصة إيران والاتحاد الوطني في استمالة البعض وإقناع البعض الآخر بالانشقاق. وبذلك انشقت الحركة الإسلامية إلى جماعتين ودب النزاع بينهما: الأولى هي الحركة الإسلامية الأم والثانية هي الجماعة الإسلامية. جماعة أنصار الإسلام كان بين هاتين الجماعتين الكبيرتين مجموعات أصغر أهمها مجموعتا تسمى التوحيد والمركز اللتان حاولتا الفصل بين المتحاربين والإصلاح بينهما، غير أن هذه الجهود باءت بالفشل. ونظمت بين مجموعتي المركز والتوحيد اجتماعات مستمرة للتفكير في كيفية الإصلاح بين الحركة الإسلامية والجماعة الإسلامية، وسرعان ما نبعت فكرة توحيد الساعين بالإصلاح في جماعة واحدة، ومن هنا تكونت جماعة جديدة أطلق عليها جند الإسلام يوم 10/12/2001 ثم عادت وغيرت اسمها إلى أنصار الإسلام. الخبرات العسكرية لا تتمتع جماعة أنصار الإسلام بخبرات قتالية كبيرة، حيث لا يزالون يمارسون تدريباتهم بطرق بدائية، ولا يملكون أسلحة حديثة. وأهم ما يحاربون به هو الألغام التي يجدونها مخبوءة في المناطق الكردية التي شهدت على أراضيها جزءا من الحرب العراقيةالإيرانية. الحس الأمني تحاول الجماعة تنمية الحس الأمني لدى أتباعها، وترفض أن تستخدم أي أجهزة إليكترونية حتى لا يمكن الاستدلال على أماكنهم ومخابئهم كما تقول. فلا يستعمل في تواصل أفرادها التلفون أو الإنترنت أو أي وسيلة عصرية، ويفضلون المشي على الأقدام للتواصل فيما بينهم. العلاقة مع القاعدة تنفي الجماعة أي صلة لها بتنظيم القاعدة، وتعتبر هذا من أمور الدعاية التي تستهدف وضعها ضمن قائمة الجماعات الإرهابية الأميركية ومن ثم العمل على استئصالها. العلاقة مع الاتحاد الوطني واسفر العداء بين الحركة والاتحاد الوطني الكردستاني عن اندلاع معارك ضارية بينهما، كان أهمها تلك التي وقفت أواخر عام 2001 وقتل فيها حوالي 300 شخص معظمهم من الاتحاد الوطني. بعد الإعلان عن تكوين جماعة أنصار الإسلام أصبح في كردستان ثلاث جماعات إسلامية مسلحة هي: الحركة الإسلامية في كردستان العراق ومقرها مدينة حلبجة، قبل أن تنتقل إلى القرى المجاورة بعد أن أجبرهم الاتحاد الوطني على ذلك. الجماعة الإسلامية ومقرها العام في خورمال. جماعة أنصار الإسلام ومقرها في بياره. ونتيجة لهذه المعارك الضارية اقتنعت الجماعة الإسلامية والاتحاد الوطني بصعوبة فرض إرادة كل طرف على الآخر بطريقة عسكرية، فاتفقا على عدم مهاجمة كل منهما للآخر. ووقعا على ما عرف باسم اتفاقية طهران عام 2001، وهو ما نظرت إليه جماعة أنصار الإسلام على أنه تكتل يعمل ضدها. فلم تشترك في هذه الاتفاقية واعتبرتها خيانة من قبل فصيل إسلامي قريب في الفكر منها هو الجماعة الإسلامية. استمرت الاشتباكات بين جماعة أنصار الإسلام والاتحاد الوطني الكردستاني، إلى أن وقعت أحداث سبتمبر/ أيلول 2001 في الولاياتالمتحدة والتي مثلت منعطفا هاما في مسيرة جماعة أنصار الإسلام. أنصار الإسلام بعد أحداث سبتمبر استغل الاتحاد الوطني بزعامة الطالباني هستيريا الخوف من الجماعات الإسلامية الجهادية لدى الإدارة الأميركية بعد أحداث سبتمبر. وحاول تصفية حساباته السياسية مع هذا الفصيل. وراح يروج لدى واشنطن عن وجود صلة بين هذه الجماعة (أنصار الإسلام) والقاعدة، وبوجود معسكرات يدعمها بن لادن في المناطق التي تسيطر عليها أنصار الإسلام. ووصل بالحملة الدعائية التي شنها الاتحاد الوطني إلى القول بوجود مختبرات كيميائية لدى هذه الجماعة تحاول استخدامها في صنع أسلحة خطيرة. لكل ذلك وضعت الولاياتالمتحدة هذه الجماعة ضمن قائمة الجماعات الإرهابية التي تلاحقها المخابرات المركزية الأميركية وتعمل على تفكيكها وإلقاء القبض على قادتها. واستغلت واشنطن الحرب على العراق لشن قصف جوي مكثف، مستغلة العديد من الأسلحة ذات القوة التدميرية العالية مثل طائرات بي 52 التي أسفرت الليلة قبل الماضية عن مقتل 57 شخصا من الجماعتين الإسلامية وأنصار الإسلام. وهو ما سيجعل من رد فعل هذه الجماعات أمرا ربما يكون معوقا لمحاولات الولاياتالمتحدة استغلال الجبهة الشمالية العراقية، والذي يفتح الباب أمام احتمالات ومفاجآت كثيرة في هذه الحرب التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم.