الحقيقة هي الضحية الاولى للحرب.. الا ان خبراء الاعلام المتابعين لعملية الحشد للحرب التي تقودها الولاياتالمتحدة في العراق يقولون انه تم فرض حصار على الحقيقة في كبريات الصحف الامريكية قبل ان تطأ القوات الغربية ارض العراق بوقت طويل. وذهب بعض المعلقين لابعد من ذلك وقالوا ان الاعلام لعب دورا في جعل الغزو حقيقة واقعة. وتأييد الرأي العام ضروري عند شن أي حرب, خاصة اذا كان الهجوم بدون مبرر. وعندما شنت الولاياتالمتحدة وحلفاؤها اولا الضربة الصاروخية التي استهدفت الزعيم العراقي صدام حسين, كان نحو 70 في المائة من الامريكيين يؤيدون الحرب. ويقول الخبراء ان الدليل على فشل الاعلام الامريكي في التساؤل عن الخطر الحقيقي الذي يمثله العراق يتبين في استطلاعات رأي عديدة اجريت خلال الشهور التي سبقت الحرب مباشرة. واثناء عملية الحشد للغزو قال 60% من الامريكيين انهم يعتقدون ان العراق يمثل تهديدا وشيكا للولايات المتحدة.. وفي استطلاع للرأي اجرته شبكة (ايه بي سي) الاخبارية اعرب 55% عن اعتقادهم بأن صدام حسين يساند بصورة مباشرة منظمة القاعدة الارهابية, واعرب نصف الامريكيين تقريبا عن اعتقادهم بان العراق مسئول عن هجمات 11 سبتمبر عام 2001م على مركز التجارة العالمي ومقر البنتاجون (وزارة الدفاع الامريكية). وحتى يومنا هذا فان الادلة على وجود صلة بين العراق والجماعات الارهابية مازالت قليلة في احسن الاحوال بل ان الخبراء يقولون انها غير موجودة. كما ان التهديد الذي يمثله العراق لامريكا مازال غير مثبت بالحقائق الثابتة. وكان الربط بين العراق واحداث سبتمبر نقطة مهمة في حشد تأييد الامريكيين لتجريد صدام حسين من اسلحة الدمار الشامل المزعومة وايضا لضرورة شن ادارة الرئيس جورج بوش (حربا اجهاضية). ويثور تساؤل هنا الى أي مدى اقتنع الرأي العام الامريكي بوجود تعاون وثيق بين العراق والقاعدة لتدمير الولاياتالمتحدة؟ ويرى خبراء الاعلام ان الادارة الامريكية بذرت بذور الحرب في (قلوب وعقول) الشعب الامريكي خلال خطاب بوش عن حالة الاتحاد في يناير 2002م حيث كانت مشاهد الدمار في هجمات 11 سبتمبر لا تزال ماثلة بقوة في اذهان الامريكيين وكانت الحرب في افغانستان التي جاءت ردا على الهجمات مازالت دائرة. وحذر بوش في خطابه من ان (حربنا على الارهاب مازالت في بدايتها), معلنا ان ايران وكوريا الشمالية والعراق هي دول مارقة. وقال بوش (ان الولاياتالمتحدةالامريكية لن تسمح لاخطر الانظمة في العالم بتهديدنا بالاسلحة الاكثر تدميرا في العالم. هذه الدول وحلفاؤها الارهابيون يمثلون محورا للشر وخطرا كبيرا ومتزايدا). وتكرر ذكر العراق وصدام حسين بصورة متزايدة في وسائل الاعلام الامريكي في المناقشات عن الحرب على الارهاب. وسرعان ما طفت على السطح اتهامات لبغداد بنشر اسلحة دمار شامل خلال المؤتمرات الصحفية لادارة بوش. وورد احد الامثلة الفاضحة على فشل الاعلام الامريكي في التحقق الكافي من ادعاءات التهديد العراقي لامريكا في تقرير للجنة مراقبة عدالة ودقة وسائل الاعلام, القى الضوء على مقابلة بين كوني تشونج مذيع شبكة (سي ان ان) الاخبارية وعضو مجلس النواب مايك طومسون (النائب الديمقراطي عن ولاية كاليفورنيا). ففي المقابلة التي اذيعت في السابع من اكتوبر 2002م وبعد ان قال طومسون للمذيع انه لايبدو ان هناك ادلة على العراق يمثل خطرا وشيكا على الولاياتالمتحدة او حلفائها, قال مذيع الشبكة: حسنا, لنستمع لبعض ما قاله الرئيس بوش الليلة, ثم قل ما اذا كان ذلك لا يقدم لك الادلة التي تريدها. ثم اذاع تشونج فقرة من خطاب القاه بوش في مدينة سينسناتي قال فيه (ان بعض زعماء القاعدة الذين فروا من افغانستان ذهبوا الى العراق). وزعم بوش ان العراق يدرب اعضاء القاعدة على صنع القنابل والسموم والغازات القاتلة, مضيفا ان نظام صدام حسين احتفل بعد هجمات 11 سبتمبر. وبعد انتهاء كلام بوش سأل المذيع: حسنا ايها النائب الا يفهمك هذا الكلام ان غزو العراق له ما يبرره؟. وبدأ طومسون في الرد: نحن لا نرى أي دليل على حدوث أي شيء من هذا القبيل. وانا قد حضرت كافة الجلسات السرية بشأن القوات المسلحة حتى نهايتها. وقاطع تشونج النائب قائلا: انت تعني انك لا تصدق ما قاله الرئيس بوش لتوه؟. ورد طومسون: لا, لا انا لم اقل ذلك ما قلته.. انا قلت انه لا يوجد شيء في جلسات الاستماع في لجان الكونجرس يدعم ذلك. فان كان هناك تدعيم, فاننا نريد ان نرى ذلك في الكونجرس لا ان نسمعه من جهاز التليفزيون. وبعد ذلك في البرنامج قال تشونج ان التشكيك في بوش يعد بمثابة تأييد لصدام حسين. واضاف: يبدو الامر كما لو انك كنت تطلب من الشعب الامريكي ان يصدقوا صدام حسين ولا يصدقوا الرئيس بوش. واجرت وكالة الانباء الالمانية اتصالات بصحيفة نيويورك تايمز وشبكة سي ان ان وصحيفتي واشنطن بوست ولوس انجلوس تايمز للرد على مزاعم الخبراء. وردت سي ان ان ونيويورك تايمز فقط بالنفي.. وقالت كارول تيرنر من سي ان ان للوكالة الألمانية: الشبكة تأسف لعدم وجود مسئول للرد على اسئلتكم. غير ان لجنة مراقبة عدالة ودقة وسائل الاعلام اشادت بوكالة انباء امريكية لانها قامت بجهد للتحقق من مزاعم ادارة بوش. وقام صحفيان من سلسلة صحف نايت - رايدر, وهما وارن ستروبيل وجوناثان لانداي باجراء مقابلات مع اكثر من عشرة من مسئولي القوات المسلحة والاستخبارات والدبلوماسيين حول التهديد العراقي ونشر ذلك الموضوع في الثامن من اكتوبر 2002م. ونقل الصحفيان كل ما قاله المسئولون وهو ان (صقور الادارة بالغوا في ادلة التهديد الذي يمثله الزعيم العراقي صدام حسين بما في ذلك تشويه صلاته بشبكة القاعدة الارهابية, كما بالغوا في حجم الدعم الدولي لضرب العراق وقللوا من التداعيات المحتملة لحرب جديدة في الشرق الاوسط). وجاء في الموضوع الاخباري الذي نشرته صحيفة نايت رايدر ان المسئولين قالوا انه لا توجد ادلة دامغة على ان النظام العراقي والشبكة الارهابية يعملان سويا, او على ان صدام فكر في تقديم اسلحة كيمائية او بيولوجية للقاعدة التي توجد بينها وبينه اختلافات ايديولوجية عميقة. الا ان ستيف راندال كبير المحللين في لجنة مراقبة عدالة ودقة وسائل الاعلام قال لوكالة الانباء الالمانية ان الموضوع الذي نشرته الصحيفة والذي شككت فيه في مزاعم ادارة بوش هو نموذج نادر في وسائل الاعلام الامريكية.