لن يستطيع القارئ بسهولة أن يفهم الموقف الحقيقي للكاتب خلف الحربي من الربيع العربي في مقاله الأخير ب”عكاظ”، ولكن حينما حاولنا ان نستنطق ما بين السطور وجدناه انه اتخذ موقفًا وسطًا بين المؤيدين للربيع العربي والثورات العربية والمعارضين للربيع العربي. وبنفس وزن كلمات الشاعر العراقي يوسف سعدي الذي تساءل “أيّ ربيعٍ عربيّ؟ الدجاج ُ، وحده، سيقول : ربيعٌ عربيّ، هل خلَتِ الساحةُ من طفلٍ؟ أعني هل خلت الساحةُ من شخصٍ يقول الحقَّ صُراحاً؟ أيّ ربيعٍ عربيّ هذا؟” بنفس هذا الوزن تحدث الحربي قائلاً ” حيث لم يتوقع أحد أن الأنسان العربي الذي اعتاد على (الصفري) يمكنه تخيل ألوان الربيع، خصوصا وأن النخب العربية ظلت تردد لأكثر من نصف قرن القول المأثور: (طائر واحد لا يصنع الربيع) بينما تمسك العامة بالمثل الشعبي الأصيل: (موت يا حمار لين يجيك الربيع)”. وعلق الحربي على مانشيت “عكاظ” الذي وضع كلمة الربيع داخل دائرة، وقال سأختار موقفًا وسطًا قائلاً “ولن أختلف أيضا مع نشطاء تويتر كي لا يتهمونني بأنني من أنصار (الربيع الأصفر) ! ..أي أولئك يفضلون الاستمتاع بفصل الربيع من خلال مشاهدة الأزهار الجميلة في شاشة التلفزيون”. وفيما يلي نص المقال كاملاً: في ذكرى اليوم الوطني اختارت عكاظ مانشيت: (لا ربيع ولا خريف.. وطن الاستقرار في الفصول الأربعة) مع وضع كلمة (ربيع) بين قوسين لدلالتها السياسية هذه الأيام، وكتب الزميل رئيس التحرير محمد التونسي مقالة تحت عنوان: (لا ربيع «فوضى» ولا خريف «هرمنا»)، وقد أغضب هذا المانشيت بعض نشطاء تويتر المحليين الذين وجدوا فيه تقليلا من شأن الربيع العربي، فغرد أبو عبد الإله في تويتر (وتغريد العصافير أبرز علامات الربيع!) مؤكدا أنه مع الربيع الأخضر وضد الربيع الأحمر (يبدو أنه متأثر ببرنامج نطاقات!). على أية حال لن أختلف مع رئيس تحريرنا الحبيب كي لا يتحول ربيعه معي إلى ربيع دمشق الذي لم يدم أكثر من ستة أشهر بعد تولي بشار الأسد السلطة!، ولن أختلف أيضا مع نشطاء تويتر كي لا يتهمونني بأنني من أنصار (الربيع الأصفر) ! ..أي أولئك يفضلون الاستمتاع بفصل الربيع من خلال مشاهدة الأزهار الجميلة في شاشة التلفزيون. سأختار موقفا متوسطا وأقول إنني مع الباحث الفلكي السعودي عضو الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك الدكتور خالد الزعاق الذي أكد لصحيفة الحياة قبل يومين أن المنطقة تعيش بداية موسم الصفري! ، والصفري كما تعرفون هو الخريف المحمل بالغبار الذي يسبق موسم الأمطار، وأذكر أننا في سنوات الطفولة لم نكن نعرف تعبير (بالمشمش) للدلالة على الوعود التي لا يمكن تحقيقها لأن الكبار كانوا يقولون لنا تعبيرا شائعا آخر يحمل الدلالة ذاتها هو: (بالصفري) ! ..وقد تطور هذا التعبير مع مرور الأيام وأصبحت هناك عبارات رديفة تؤدي المعنى ذاته بطريقة أوضح مثل: (أغسل يدك) أو (مش خشتك) !. ولا يخفى على أحد أن استخدام كلمة (الربيع) كمصطلح سياسي يرمز إلى التغيير الذي بدأ عام 1968 عندما قرر زعيم الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا الكسندر دوب تشيك مشاركة الأحزاب الأخرى في السلطة وإلغاء الرقابة على الإعلام ليعرف العالم ما سمي ب (ربيع براغ) الذي لم يدم أكثر من سبعة أشهر اجتاحت بعدها قوات حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفياتي أراضي تشيكوسلوفاكيا لتعود الأمور إلى ما كانت عليه.. واليوم لم يعد هناك اتحاد سوفيتي ولا تشيكوسلوفاكيا بعد أن جاء ربيع آخر شكل نهاية المنظومة الشيوعية في العقد الأخير من القرن العشرين. أما ما يعرف بالربيع العربي فقد شكل مفاجأة كبيرة للعالم أجمع بما في ذلك العرب أنفسهم حيث لم يتوقع أحد أن الأنسان العربي الذي اعتاد على (الصفري) يمكنه تخيل ألوان الربيع، خصوصا وأن النخب العربية ظلت تردد لأكثر من نصف قرن القول المأثور: (طائر واحد لا يصنع الربيع) بينما تمسك العامة بالمثل الشعبي الأصيل: (موت يا حمار لين يجيك الربيع).