رسائل عدة أراد الرئيس اللبناني ميشال سليمان أن تكون الرياض منصةً لإطلاقها، لاعتبارات أهمها وزن المملكة العربية السعودية في كافة الأصعدة، مقروناً بملفٍ مثقل مما تبذله لمعالجة العديد من الأزمات التي تعاني منها المنطقة بالعموم، ولبنان بالخصوص، وما اتفاق الطائف إلا خير دليلٍ على ذلك. الرئيس سليمان، وفي حوارٍ خاصٍ مع "الوطن"، خلال زيارته للمملكة، وبعيد لقائه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وولي العهد، بالإضافة إلى برنامج لم يغفل الجالية اللبنانية المقيمة بالسعودية، وعلى عكس "المتمسكين بالسلطة"، قال علانية إن التمديد في منصب رئيس الجمهورية، الذي يتبوؤه، لا يتوافق مع الديموقراطية، في ردٍ صريحٍ يضع حداً للجدل في الشارع اللبناني حول مسألة التمديد، وإن من يتصور أنه يسعى للتمديد في منصبه واهم "وإن لم يقلها صراحةً"، لكنه أوحى بذلك بقوله "استمرار بعض الأطراف في التركيز على هذه المسألة يدخل في إطار النقاش الإعلامي المفتوح في لبنان"، في إجابةٍ له على سؤالٍ حول رده على من يحاول التصوير بأن زيارته للمملكة تأتي في إطار حشد الدعم، للتمديد له بمنصب رئيس الجمهورية. وفي رسالةٍ واضحة للمتورطين في الأزمة السورية قتالاً بالرجال وإمداداً بالعتاد، ولاسيما "حزب الله"، الذي وضع كل قوته في مساندة النظام السوري، طالب سليمان من قال إنهم انخرطوا في "النزاع المسلح" بسورية، بالعودة إلى لبنان، لتلافي الأخطار على السلم الأهلي اللبناني. وبدبلوماسية استدرك في موقعٍ آخر بالقول "لا ينبغي السماح لأي فئة بالقتال في سورية، وإلى جانب أي من الأطراف، وذلك كان" انبثاقاً من اتفاق الطائف الذي يشترط على البلدين ألا يسمحا بأي وضع يؤدي إلى المساس بأمن الآخر". أما أكثر رسائل سليمان "سخونةً"، فكانت على مستوى الجارة "المُلتهبة"، سورية، وإعلانه بشكلٍ ضمني تأييده الحلول السياسية للأزمة السورية، انطلاقاً مما يواجهه لبنان من خطر جراء تدفق اللاجئين الذين قارب عددهم ربع سكان لبنان، وهو ما اعتبره مدعاة لقلقٍ قد يلقي بظلاله على الأمن، والاقتصاد، والمجتمع، في بلاد تعاني أصلاً من معضلات عدة أرهقت الدولة. وللتيارات المتصارعة فيما بينها في لبنان، والتي أدخلته وتدخله على الدوام في صراعاتها، وتحسبه تارة على تيار مضاد لها، وتعلن ذلك صراحةً قال في إشارة إلى صراع قطبي التيارات السياسية في لبنان، "14 آذار، ونظيره 8 آذار"، إن ذلك التصارع أو الاختلاف يؤكد انتهاج رئيس الجمهورية سياسة مصلحة الوطن. وإلى نص الحوار: فخامة الرئيس، تزورون السعودية في وقتٍ تعيش فيه بلادكم نوعاً من الانقسام على أصعدة عدة. أبرزها الدخول في عمق المعترك السوري، بالإضافة إلى تشكيل الحكومة، ألا يعني ذلك جر البلاد إلى فراغ لا تحمد عقباه؟ هناك آلية دستورية لتشكيل الحكومات وانتخاب رئيس الجمهورية. ونظراً للديموقراطية التوافقية التي يعتمدها لبنان والتي تفرض إجماعاً على المواضيع الجوهرية، فقد يحصل أن تتعقد عملية البحث عن الحلول. أما الزيارة للمملكة فهي زيارة بين الأشقاء، لدولة لعبت على الدوام دوراً أساسياً في توحيد المواقف ودعم الاستقرار وتعزيز التنمية، وبنوع خاص، حيث رعت اتفاق الطائف الذي تحول دستوراً، والذي لا بد من العمل على استكمال تطبيق بنوده. نقاش إعلامي تلوح في الأفق بوادر تمديد رئاسي في لبنان. بعض الأطراف السياسية اللبنانية يعتبر أن الرئيس سليمان يزور السعودية لحشد الدعم حول التمديد له. ما صحة ذلك. وهل من تمديد للرئيس سيشهده لبنان؟ سبق أن أكدت مراراً وعلناً أن التمديد لا يتوافق مع الديموقراطية. أما استمرار بعض الأطراف في التركيز على هذه المسألة فيدخل في إطار النقاش الإعلامي المفتوح في لبنان. تعاني بلادكم من بعض المعضلات، أبرزها وأهمها دخول حزب الله على خط الأزمة السورية صراحة. ألا ترى أن ذلك قد يكون عامل تهديد لاستقرار لبنان، ولاسيما في ظل وجود تراشق بين المعارضة السورية والأطراف اللبنانية الداعمة للنظام السوري. وما هي برأيك الآلية أو الطريقة التي يمكن أن تؤدي إلى إخماد فتيل الفتنة التي باتت بوادر اشتعالها على أبواب بيروت؟ أعلنت في أكثر من مناسبة علناً ومع الفرقاء ثنائياً ضرورة الالتزام بإعلان بعبدا، وما زلت أطالب من انخرط في النزاع المسلح في سورية بأن يعود إلى لبنان، ومنه إلى طاولة الحوار، حفاظاً على التوافق الوطني، وتلافياً لأي مخاطر على السلم الأهلي اللبناني. ووفقاً لاتفاق الطائف، "على سورية ولبنان أن لا تسمح أي منهما بأي وضع يؤدي إلى المساس بأمن الدولة الثانية"، وهذا يعني أنه لا ينبغي السماح لأي فئة بالقتال في سورية، وإلى جانب أي طرف كان. مشكلات أمنية بعض الأطراف في الداخل تأخذ على حكومتكم عدم القدرة على فرض قبضتها في مناطق تشهد سيطرة حزب الله من الناحية الأمنية والسياسية والاجتماعية وأكثر من ذلك. برأي فخامتكم ما الأسلوب الذي من الممكن أن يعيد للدولة هيبتها في تلك المناطق؟ الوضع الأمني في لبنان مضبوط بشكلٍ عام، ما عدا بعض حالات التوتر والتفلت من سلطة الدولة، إلا أن السلاح يخلق إشكالية في لبنان نسعى لمعالجتها أولاً، عن طريق وضع خطط أمنية حكومية بقدر جيد ومقبول من النجاح في العديد من المناطق. والشق الآخر نظراً لتعقيد الأوضاع في لبنان لا يعالج إلا عبر هيئة الحوار التي تبحث في الاستراتيجية الدفاعية، ومن ضمنها مشكلة السلاح. معاناة اللاجئين يعاني لبنان من تدفق اللاجئين السوريين في وقت تعيش فيه الدولة على مقومات محدودة، ويضع فيه حزب الله كل ثقله في الحرب إلى جانب نظام الأسد. ألا ترون ذلك سبباً في تذبذب حجم المساعدات، وهو ما يلقي على الدولة اللبنانية أعباء مالية، واجتماعية، وأمنية، وربما ديموجرافية؟ عالجنا مشكلة اللاجئين من منطلق الواجب الإنساني والقانوني، مما حاز على تقدير المجتمع الدولي، إلا أن تدفق الإعداد بصورة غير مسبوقة، باتت تساوي نسبتها ربع عدد سكان لبنان، وبروز مشاكل أمنية واقتصادية واجتماعية جمّة، فرض علينا البحث عن معالجات مختلفة، أولها السعي لتقاسم الأعباء المالية بين الدول، من منطلق المسؤولية المشتركة، وقد عقد مؤتمر للدول المانحة في الكويت مطلع هذا العام، تم فيه تخصيص مبالغ لمساعدة لبنان بلغت نسبة ما سدد منها لغاية الآن 65%. وقد دعا الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر ثانٍ للدول المانحة في الكويت منتصف يناير المقبل، لرفع نسبة التعهدات مع ارتفاع نسبة الحاجات. وسعينا كذلك لتقاسم الأعداد. وقد أقر هذا المبدأ من قبل المؤتمر الخاص باللاجئين في جنيف بتاريخ الثلاثين من سبتمبر الماضي، ومن قبل المجموعة الدولية لدعم لبنان التي تم إنشاؤها في نيويورك بتاريخ الخامس والعشرين من نفس الشهر، بهدف دعم استقرار لبنان وإعلان بعبدا، وتعزيز الاقتصاد، ومساعدة الجيش، ودعم الجهد الهادف لمواجهة مشكلة اللاجئين. ويعول لبنان في انضمام المملكة إلى هذا الجهد الدولي في الاجتماعات اللاحقة لوضع الخلاصات موضع التنفيذ في أبعادها الأربعة، إلا أن عدد الدول التي وافقت على استقبال النازحين ما زال محدوداً ونسبة من تمت الموافقة على استقبالهم ما زالت محدودة أيضاً، وإن كانت الآفاق مفتوحة لإنجاح هذا الجهد. يبقى الحل الأمثل في توسيع أطر إيواء اللاجئين في سورية نفسها، وفي إيجاد حل سياسي للأزمة هناك يسمح بعودة اللاجئين إلى ديارهم. اتهامات متبادلة هناك من يجاهر من الساسة اللبنانيين في وضعكم في خانة طرف سياسي لبناني، على حساب آخر. بمعنى أن هناك من يضعون رئيس الجمهورية في صف تيار المستقبل، أو 14 آذار. كيف يستقيم ذلك؟ رئيس الجمهورية في لبنان هو المسؤول الوحيد الذي يقسم يمين الحفاظ على الدستور. وقد عملت من موقع مسؤوليتي على اعتماد سياسات تخدم مصلحة لبنان دون سواه، بعيداً عن أي مصلحة أخرى لأي طرف من الأطراف، وما اعتبار 8 آذار حيناً و 14 آذار حيناً آخر، بأن مواقفي تصب في هذه الخانة أو تلك، إلا دليل إلى انتهاج الرئيس سياسة تصب في مصلحة الوطن. انتشار السلاح ألا ترون أن وجود سلاح حزب الله سبب في عدم استقرار لبنان من نواح عدة.. سياسية وأمنية واجتماعية، في وقت ترتفع فيه أصوات تعتبر أكثرية للمطالبة بنزع ذلك السلاح.. ماذا يحتاج لبنان للخلاص من سلاح حزب الله، وبالتالي تسليم الأمر للدولة؟ بعد نجاح لبنان في تحرير معظم أراضيه في عام 2000 ومواجهته العدو الإسرائيلي في عام 2006، ارتأت حكومة الوحدة الوطنية آنذاك تكريس مبدأ المحافظة على السلاح للدفاع عن لبنان. ولما أصبح موضوع السلاح مادة إشكالية لاستعماله في غير مكانه بشكل خاص وضعت تصوراً أولياً لاستراتيجية وطنية للدفاع تعالج هذه المسألة، وقد اعتبرتها هيئة الحوار في جلستها الأخيرة منطلقاً للنقاش في أقرب الآجال.